الحرب على الزراعة الفلسطينية
عبد الستار قاسم
لم يتوقف الاحتلال الصهيوني عن حربه على الزراعة والمزارع الفلسطينيين، واستمر مع الأيام اتخاذ إجراءات قاسية للحد من مساحة الأراضي الزراعية ولجعل الزراعة غير مجدية اقتصاديا فيتحول الفلسطيني من مزرعته إلى المزرعة أو المصنع الصهيوني. عمل الاحتلال على إحراق المزروعات وسلب المنتوج الفلسطيني واقتلاع الأشجار والسيطرة على مصادر المياه وحرمان الفلسطينيين من حفر آبار ارتوازية، ومصادرة الأراضي وبناء الجدران، الخ. وقد أدت إجراءات الاحتلال إلى تقليص نسبة مساهمة الزراعة في الناتج المحلي وبالتالي في الدخل الفلسطيني، وإلى تقليص أعداد العاملين في القطاع الزراعي الأمر الذي ساهم في زيادة نسبة البطالة. الاحتلال شنيع ولا يدخر جهدا إلا بذله من أجل إضعاف الفلسطينيين.
لم تكن سياسة السلطة الفلسطينية تجاه المزارع الفلسطيني أفضل من سياسة الصهاينة وذلك لعدد من الشواهد التي يلمسها الفلسطيني كل يوم، وأذكر منها:
1- ميزانية وزارة الزراعة تبلغ حوالي 1.7% من الميزانية العامة للسلطة، في حين تبلغ ميزانية الأجهزة الأمنية حوالي 40% عندما يضاف إليها المنح المالية التي تأتي من الخارج باسمها وليس باسم الميزانية العامة. الشعب الفلسطيني ليس بحاجة لأجهزة أمنية تلاحقه، لكنه بحاجة للتطوير الزراعي من أجل رفع مستىوى الإنتاج وتوفير المزيد من فرص العمل للعاطلين. إذا كان للشعب الفلسطيني أن يرفع درجة اعتماده على نفسه ويتحرر من نير المساعدات الخارجية المطروحة، فإن عليه أن يتطلع إلى الزراعة بداية لتحقيق هذا الهدف.
2- المزارع الفلسطيني لا يتلقى دعما ماليا من السلطة الفلسطينية حتى في أحلك الظروف. يتعرض المزارع للكثير من الأحوال الجوية الصعبة التي تهلك المزروعات، وعليه هو وحده أن يتحمل النتائج. تتحدث السلطة أحيانا عن دعم الفلاحين والمزارعين عندما تحل بهم كوارث طبيعية لكنها لا تفعل شيئا غير التصريحات الجوفاء.
3- الفلاح الفلسطيني يعاني من غلاء الأسعار سواء بالنسبة للبذار أو الأسمدة أو العلاجات وغير ذلك، ولا يجد من يخفف عنه الأعباء.
4- يعاني المزارع الفلسطيني من منافسة البضائع والمنتجات الصهيونية التي يهربها أصدقاء اليهود إلى السوق الفلسطينية. من شأن إدخال البضائع الصهيونية أن تخفض الأسعار في الأرض المحتلة/67 الأمر الذي ينعكس سلبا على الفلاح الفلسطيني المديون باستمرا لمحال المستلزمات الزراعية. العديد من الفلاحين لا يستطيعون سداد ديونهم بسبب ضعف دخلهم. ومن الذي يهرب البضائع الصهيونية؟ إنهم في الغالب رجال السطة أو من أيديهم في حلوق رجال السلطة.
5- لا يتمكن كل فلسطيني من زراعة أرضه بسبب الملكية المشاع. كان يأمل الفلسطينيون أن تقدم السلطة تسهيلات في إجراءات تسجيل الأراضي وإفرازها، وأن تخفض من التكاليف والرسوم، لكن العكس هو الذي حصل. رفعت السلطة من الضرائب المفروضة على تسجيل الأراضي وعلى الرسوم بحيث أنها منعت أناسا كثيرين من تسجيل أراضيهم وإزالة شيوعها بسبب عدم قدرتهم على تحمل التكاليف. ولهذا تبقى مساحات واسعة من الأراضي بدون زراعة بسبب مشاعيتها.
6- فتحت السلطة الباب أمام إقامة المباني في الأراضي السهلية الصالحة للزراعة، وأغلقته في الأراضي الجبلية إلى حد ما. المباني تزحف على سهل جنين تدريجيا بينما تبقى الجبال المحيطة بالمدينة فارغة إلى حد كبير. وكذلك الأمر بالنسبة لسهل طولكرم وسهل البيرة وسهل دورا، الخ. في حين صنفت السلطة مساحات جبلية على أنها مناطق خضراء وهي تتطلب أموالا وجهودا لاستصلاحها وتأهيلها للزراعة. هكذا ضربت السلطة أصحاب الأراضي الذين يرون في أراضيهم متطلبا سابقا لعمل مشاريع إنتاجية.
7- السلطة تلاحق المزارعين ضريبيا في حين ستمتع الفلاحون في مختلف أنحاء الأرض بمكانة رفيعة لأنهم هم الذين يوفرون الأمن الغذائي لدولهم. الزراعة مصدر اقتصادي استراتيجي، وكل شعب يتطلع إلى الحرية والانعتاق عليه أن يركز أولا على الزراعة لحماية نفسه غذائيا.
أبقار قرية سيلة الظهر
ما دفعني بقوة لكتابة هذا المقال هو أبقار سيلة الظهر. هناك مزارع أبقار في سيلة الظهر تسد احتياجات فلسطينية يومية من منتجات الألبان، ونحن بحاجة إلى تشجيعها من أجل رفع الإنتاج وتحرير السوق الفلسطينية من الحليب الصهيوني. طبعا من المفروض في ظل الاحتلال أن تقوم السلطة في تقديم كل عون ممكن لكل من يربي الأبقار والأغنام والدجاج وكل أنواع الطيور الأخرى وذلك لسد الحاجات المحلية وتوفير فرص العمل. في القانون الفلسطيني ما يفرض ضرائب على المنتجات الزراعية، لكن مزارعي الأبقار في سيلة الظهر وغيرها حصلوا على تجميد ضريبي لتشجيعهم عام 2008. هؤلاء المزارعون فوجئوا منذ زمن ليس ببعيد بفواتير ضريبية تأتيهم من دوائر الضريبة تشمل كل السنوات السابقة حتى عام 2008. منهم من هو مطالب بمليون شاقل صهيوني أي حوالي 200000 دينار أردني، ومنهم من عليه دفع نصف مليون، ومنهم مئات الآلاف وهكذا. يعني لو باعوا مزارعهم بالمعدات المتوفرة فيها والأبقار لما استطاعوا سداد الضرائب المطلوبة منهم. وقد علق أحد المزارعين بالقول إن السلطة تدفع المزارعين لترك مصالحهم ومن ثم العمل لدى الصهاينة والتعمير لهم.
وقد تعرض هؤلاء المزارعون لغبن من قبل أحد مسؤولي الضريبة، إذ أرسل إليهم بأن دائرة الضريبة تريد تعويضهم عن الضريبة المضافة التي يدفعونها على مشترياتهم، وأن عليهم فتح ملفات ضريبية لكي يتأهلوا للتعويض. سارع بعضهم إلى فتح ملفات ضريبية ليتبين لهم أن الأمر لم يكن سوى مصيدة لهم لكي تتم مطالبتهم بضرائب بناء على ما تقدموا به من فتح ملفات ضريبية.
هذا جزء من ممارسات السلطة الفلسطينية بحق المزارعين الفلسطينيين. هذا تعامل لا يقود إلى دولة، ولا يمكن أن يؤدي إلى بناء دولة. هذه أعمال تهدم دولة.
الوطن والأرض
الأرض هي الوطن التي يدور الصراع عليها منذ حوالي 100 عام، والزراعة هي التي تحفظ الأرض، وترسخ قيمتها المقدسة في النفوس، ولهذا يجب إعطاء الفلاح والمزارع الفلسطيني الأولوية في الدعم المادي والمعنوي من أجل أن يبقى متمسكا بالأرض التي هي مصدر رزقه. نحن أهملنا المزارع وتركناه يواجه قدره بنفسه حتى ترك أناس كثيرون الأرض وتوجهوا للعمل في المنشآت والمزارع الصهيونية. وبدل أن يكون المزارع عنوان الإنتاج الفلسطيني أخذ عدد كبير يوظفون قدراتهم الإنتاجية لمصلحة العدو الصهيوني. ولكن يبدو أن هذه المعادلة صعبة جدا على قدرات السلطة الفلسطينية الاستيعابية.
No comments:
Post a Comment