Sunday, 4 March 2012

{الفكر القومي العربي} article

سوريا تتغير ولكن على نحو مختلف
 
صباح علي الشاهر
 
 
ربما لن تتغيّر الأوضاع في سوريا على نحو دراماتيكي، أي أن النظام لن يسقط كما حدث في ليبيا، وقد لا تستنسخ تجربة اليمن، ولا تتكرر تجربة تونس ومصر، لكن سوريا الغد سوف لن تكون سوريا الأمس، ولا حتى سوريا اليوم.
من المؤكد أن الحراك الشعبي هو من حرّك المياه الراكدة في  سوريا، وهو من سيغيرها، ولكن هذا التغيير سوف لن يكون ظاهريا على أيدي المنتفضين، والمتظاهرين، وإنما ( وهذه مفارقة بالغة الدلالة ) على أيدي السلطة، أو على يد قسم فاعل من هذه السلطة ، بيده القرار النهائي ، وهذه تجربة لو نجحت فسوف تكون تجربة فريدة .
صحيح أن التغيير الكلي والناجز، لن يتيسر إلا على يد الثوار ذاتهم، ولكن هذا يستوجب أن يكون الثوار والمنتفضين منظمين بشكل جيد، وقادرين على التغيير، دونما إعتماد على غيرهم، وبالتحديد على قوى خارجية تختلف مصالحها مع مصالح الثورة، أو الحراك الشعبي، وهذا غير حاصل في الحالة السورية، بل الحاصل هو العكس تماماً، حيث إرتهن الجزء الضارب من الحراك بقوى إجنبية، وإعتمد على دعمها ومساعدتها، وهذه القوى الداعمة والمساندة، وهي دول، لم تكن موّحدّة أساساً  في الموقف من الحراك وطبيعته، والمراد منه، ولذا فقد بات من المحتم أن تتشرذم قوى الحراك التي إرتهنت بقوى خارجية ، وليس من المستغرب أن نشاهد غداً تشظي هذه القوى كلما توضح  وتبلور الغرض الذي تستهدفه كل دولة داعمه .
واحدة من نقاط ضعف الحراك أنه لم يقدم برنامجه، واقتصر على مفردة الإسقاط ، واسقاط الشخص وليس النظام حتى، مما أفسح في المجال أمام الجميع للإدعاء بتمثيلهم لهذا الحراك، فكأني بهذا الحشد يهتف بصوت واحد ( يا أعداء بشار إتحدوا !) ، وأعداء بشار كما ظهر طيف واسع من الأخيار والأشرار، يمتد من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، من المعممين إلى الملاحدة ، ومن إسرائيل مروراً بالرياض ودول النفط حتى النظم الغربية الليبرالية، وشعار كهذا ليس سوى فقر مدقع، فالثورات لا تقزم نفسها بموقف من شخص مهما كان هذا الشخص، وعبثا محاولة الهرب من التفاصيل التي يكمن فيها الشيطان، فالتفاصيل تعني هنا البرنامج ووضوح الرؤيا والأهداف، وبدون هذا فأن أي تحرك كائن من كان، سيبقى أقل من هبة، أو حراك عشوائي ، وأبعد ما يكون عن الثورة .
لقد تصاعدت نداءات القوى التي تقف خلف الحراك الداعية إلى  وحدة المعارضة، وهذا أمر شبه مستحيل، ويبدو أن المراد من دعوة فرنسا لتوّحد المعارضة، هو غير دعوة أمريكا، أو السعودية، أو تركيا، ولعل الشيء المؤكد أن كل منهم يريد التوّحد وفق رؤاه وأهدافه، ومتطلباته، علماَ أن مصالح هذه الجهات لا تتفق إلا في نقطة واحدة وهي العداء للنظام السوري، وهذا العداء ليس على درجة واحدة، فهو يندرج ضمن خط بياني يبدأ بإركاع بشار، مروراً بأضعافه للدرجة التي تجبره على تقديم تنازلات، تجعله يغيّر مواقفه، بحيث ينخرط  في الركب السائد الآن في المنطقة، وصولاً إلى القضاء عليه شخصياً، وقلب نظامه، ومن ثم إنبثاق نظام آخر على أعقابه مختلف تماماً، ويلاحظ هنا أن اشد الدول حماساً للحسم العسكري هي الدول العربية، وعلى رأسها السعودية وقطر، وأقل الدول حماساً للحسم العسكري هي بريطانيا وأمريكا، وفرنسا، وهي الدول الغربية الأكثر إنغماساً في الشأن السوري .
يعزو البعض هذا التباين إلى درجة الفهم والإحاطة بالمتغيرات الحاصلة، وطبيعة توازن القوى، والتقدير الموضوعي لقوة سورية وحلفائها، ففي حين تعرف الدول الأوربية وأمريكا طبيعة الصراع والمديات التي يمكن أن يصل إليه، فإن السعودية وقطر لا تقدر الأمور بشكل صحيح  وتتصور، وخصوصاً قطر، إن ما حدث في ليبيا يمكن أن يحدث في سورية، أما السعودية فما زالت منتشية بالسناريو اليمني، الذي من المبكر معرفة أين سترسو سفنه .
الإنشقاقات التي ستحدث الآن أو في المستقبل في جسم المعارضة لن تكون بسبب إختلاف رؤى المعارضين، وإنما بسبب إختلاف رؤية الدول المساندة والداعمة لكيفية معالجة الوضع، فمن يتبع فرنسا سيختلف مع من يتبع أمريكا، وحتى من يتبع قطر ( الأخوان) سيختلف مع من يتبع السعودية ( السلفيين) ، وستكون القاعدة ضد الجميع لأنها لن تقبل ، كما هو شانها في العراق، إلا أن يندرج الجميع تحت جناحها وهيمنتها . 
في حالة سوريا رغم إتساع الحراك وشموله رقعة متنوعة وواسعة من الأرض السورية ، ودخول فئات متنوعة فيه، إلا أنه وكما أثبتت وقائع الأشهر الدموية أضعف من أن يحسم الصراع لمصلحته، ربما بسب قوّة السلطة وجيشها، ووقوف أعداد كبيرة لا يستهان بها إلى جانب السلطة، ووقوف أعداد أخرى، ربما أكبر على الحياد، أو بإنتظار ما ستتمخض عنه الأحداث، إلا أن المسلحين ينحسرون، ويفقدون المبادرة شيئاً فشيئاً. يبدو أن السلطة تنهج نهج القضم المنظم لمناطق عمل ونشاط المسلحين، وبالترافق مع عملية القضم البطيئة هذه ، تتم عملية بطيئة هي الأخرى، ألا وهي عملية الإصلاح، والذي يرى البعض أنه يسير سير السلحفاة، إلا أنه هام وجوهري، ومتصل الحلقات، وإذا ما تم ترجمة عمليات الإصلاح هذه إلى حقائق على الأرض ، فإن الهدف الأساسي من الحراك الشعبي يكون قد تحقق، ألا وهو التغيير والإصلاح .
ما يحدث في سورية ليس مختلفاً من حيث الطريقة مع ما حدث في دول الربيع العربي، لكنه مختلف من حيث النوع والعمق .
في تونس ثارت الجماهير لكن بقايا السلطة السابقة هي من قامت بالتغيير المحدود . وفي مصر أيضاً أشعلت الجماهير ثورة الميدان، ولكن المجلس العسكري، والحكومات المتعاقبة التي جل أعضائها من نخب النظام السابق هي التي قامت بإجراء التغييرات التي وصفها البعض بالكسيحة، وفي اليمن ظلت الشوارع تغلي، وهي إلى اليوم تغلي، لكن دول الخليج قدمت مبادرتها، أي تصورها للحل، ثم فعلته، بحيث جدد النظام نفسه، وإنبثقت سلطة أخرى، ليست جديدة .
يخدعوننا عندما يصورن أن هدف الثورة في تونس إزالة بن علي ، وليس نظام بن علي ، ويخدعوننا عندما يصورون لنا أن هدف ثورة مصر إزالة حسني ميارك، وليس إزالة نظام حسني مبارك، ويخدعوننا عندما يوهموننا بأن المقصود من ثورة اليمن إزالة علي عبد صالح، وليس نظام علي عبد صالح .
فهل سيحقق الحراك السوري تغيير النظام على يد النظام ؟
سؤال لم يعد إفتراضياً .
 

No comments:

Post a Comment