إلى البروفيسور برهان غليون
عبد الستار قاسم
1/آذار/2012
أذكر البروفيسور برهان غليون بداية بأنه طالما رأى أن الأكاديميين فوق المحاضرين (أي الذين يوظفون علمهم لمواجهة التحديات) أصحاب آراء ثاقبة، ويعملون على تناول المشاكل بمنهجية علمية، ولذلك من الضروري أن تستعين الحكومات وأصحاب القرار بهم. وكنت أظن أن البروفيسور لن تفوته آراؤه، ولكنني أجده قد غاص في لقاءات السياسيين بقليل من الالتفات إلى المعايير العلمية كأساس في البحث عن حل للوضع في سوريا. وحقيقة أرى البروفيسور برهان قد ابتعد كثيرا عن فكرة استقلال الشعوب النامية عن مستعمريها، وكذلك عن الدوائر العلمية التي يمكن أن تعطي تنوعا في التحليلات السياسية والاجتماعية.
فيما يلي بعض النقاط الهامة التي تم طرحها على البروفيسور غليون، وطبعا أنا لا أعلم فيما إذا كان قد اطلع عليها ووازنها:
أولا: من ناحية المبدأ، نحن لا نستعين بمن ظلمنا لرفع الظلم عنا. أي أننا لا نستعين بالدول الاستعمارية ولا بالأنظمة العربية الاستبدادية من أجل إنقاذنا. ولنا عبرة في القيادة الفلسطينية التي تبحث عن حل للقضية الفلسطينية عند الذين صنعوا المشكلة. هروبنا من الظلم والاستبداد يجب ألا يغشى على قلوبنا وعقولنا وعيوننا. فمن أراد شرا بالعرب وأهل الشام، وما زال يمعن بإلحاق الأذى بهم، لا يمكن أن يكون معهم. وللتذكير فقط، فرنسا هي التي هدمت المملكة السورية وقتلت يوسف العظمة في معركة ميسلون؛ وفرنسا وبريطانيا قسمتا بلاد الشام، وهما اللتان عملتا على فرض الانتداب على أرض الشام والعراق من خلال عصبة الأمم. وفرنسا هي التي سلحت إسرائيل بصورة رئيسية بعد عام 1948، وهي التي أهدتها المفاعل النووي، وهي التي مهدت لها سرقة الزوارق الحربية وصناعة الماء الثقيل. وبريطانيا هي التي ضربت أهل فلسطين وقوضت بقاءهم على أرضهم؛ وأما أمريكا فحدث ولا حرج. أمريكا ومعها كل الدول الاستعمارية عملت على دعم الاستبداديين العرب من المحيط إلى الخليج.
ثانيا: نحن لا نستعين بمستبد على مستبد لأن المستبد لا يدعم حركة ضد مستبد إلا لغاية تمكين استبداده على حساب من ينافسه في الاستبداد. أي أن أنظمة العرب المستبدة لا يمكن أن تدعم من يبحثون عن الحرية إلا إذا كانت غايتها تحقيق ما لا علاقة له بالحرية.
ثالثا: الدول الغربية لا تستطيع شن حرب على سوريا، وتجربة الأطلسي ضد القذافي لا تتكرر ضد الأسد بسبب قوة الجيش السوري. سيتكبد الأطلسي أو الولايات المتحدة خسائر كبيرة فيما إذا قرروا مهاجمة سوريا.
رابعا: الأنظمة العربية ليست أنظمة قتال، ومن غير المتوقع أن تقوم القوات السعودية بهجوم على سوريا. هذه أنظمة تستطيع فقط تهريب سلاح بوساطة أجهزة الأمن الغربية، وتقديم أموال، وتحريض الناس عبر وسائل الإعلام.
خامسا: تركيا لن تغامر بحرب ضد سوريا لما ينطوي على ذلك من تبعات داخلية تركية، ومن تنافر مع إيران. لكن تركيا تستطيع المساهمة بتهريب السلاح والمقاتلين إلى سوريا.
سادسا: النظام السوري مدعوم بعدد من عناصر القوة وهي قاعدته الاجتماعية داخل سوريا وخارجها العربي، وقدرته على امتصاص العقوبات، والديبلوماسية الروسية الصينية، وقوة إيران وحزب الله العسكرية.
سابعا: النظام السوري ضعيف أمنيا، وضعيف من ناحية الجبهة الداخلية. ضعف النظام الأمني يتيح تهريب السلاح والأموال ودخول المقاتلين، وضعف الجبهة الداخلية متراكم بسبب غياب حرية الإنسان وملاحقته من قبل أجهزة الأمن. هذا واضح في أن النظام استفاق على قطاعات واسعة مسلحة داخل المدن السورية والأرياف.
ثامنا: إذا تم التغلب على النظام السوري، فإنه من المتوقع أن يفوز الإخوان المسلمون بالانتخابات وليس برهان غليون. أمريكا والدول الغربية لا تريد الإخوان المسلمين على الرغم من محاولات الاتصال بهم في مصر والأردن وتونس.
تاسعا: تتمثل الفرصة الأكبر أمام المعارضة لتغيير النظام في انقلاب عسكري حاسم. هل هذا ممكن؟ علما أن العرب جربوا الانقلابات العسكرية ولم تأت إليهم بخير. أما الفرصة الثانية فتتمثل بخوض حرب عصابات طويلة الأمد، لن يستسلم لها النظام، ولن يوقف خلالها الاستعماريون دعمهم للمقاتلين.
في ضوء النقاط أعلاه، إلى أين نحن ذاهبون؟ نحن ذاهبون إلى دمار سوريا لأن الأزمة لم تعد داخلية وإنما مدولة بطريقة لا تؤدي إلى حسم المعركة، وإنما تقود إلى استنزاف الشعب السوري ومعه النظام والمعارضة. أمريكا لا تريد حكم الإسلاميين، وكذلك أنظمة العرب، ولا تريد بقاء سوريا في تحالف مع إيران وحزب الله، ولذلك لا بد من استغلال الأزمة لإطالة أمد القتال نحو دمار سوريا. ألم يغذي أهل العرب والفرنجة الحرب العراقية الإيرانية من أجل استنزاف العراق وإيران؟ المطلوب رأس سوريا بغض النظر عن الوسيلة.
ليس مشرفا للبروفيسور غليون أن يجلس في مؤتمر مع أنظمة استبدادية وقوى استعمارية. وإذا كان يبحث عن مخرج، فالمخرج سوري داخلي، أو عربي من خلال قادة الفكر العرب وليس من خلال الأنظمة. وقد سبق أن طرحت قائمة بأسماء مفكرين عرب وغيارى على الأمة العربية توكل إليهم مهمة البحث عن حل ووقف نزيف الدماء في سوريا. أرجو أن تكون تجربة غليون في الأشهر الأخيرة قد أكدت له كذب الدول الغربية ودجل الأنظمة العربية.
No comments:
Post a Comment