Sunday 23 March 2014

{الفكر القومي العربي} article

كي لا يذهب دم الشهيد الشمري هدراً
صباح علي الشاهر
 
دم الشهيد الدكتور محمد بديوي الشمري ينبغي أن لا يذهب هدراً، ربما تكون هذه الجملة من أكثر الجمل تكرارا عقب الجريمة النكراء. القتيل المغدور معروف، هو شاب من شباب العراق المتعوب عليهم، والذي ينتظره مستقبل واعد، خصوصاً وأنه في مقتبل العمر،  فهو حاصل على شهادة الدكتوراه، وأستاذ جامعي، ومدير إذاعة، أما القاتل فلم نعرف عنه شيء سوى أنه ضابط في فوج الحراسة التابع للرئاسة، والمكلف بحراسة قصر رئيس الجمهورية، الخالي من الرئيس منذ أكثر من سنة ، ولا نستغرب أن تبين لنا فيما بعد أن هذا العنصر الموصوف بالضابط لا تحصيل له، وأنه من جملة ما يُسمى بضباط الدمج!
لا ندري على وجه الدقة كم عدد هؤلاء الذين كُلفوا بحماية قصر فارغ ؟ كم جندي وكم ضابط، وكم موظف ومنتسب؟ وما هو حجم المبالغ التي تنفق على حراسة حجر؟. البعض يقول أن العدد يكفي لحماية حكومة بكل وزاراتها ومرافقها، والمبالغ المنفقة تزيد على نفقات حماية حكومة بكاملها، فالرواتب المخصصة لأفراد الحماية لا تخضع للسلم الوظيفي، أما المخصصات والإمتيازات فحدث ولا حرج.  
وللحقيقة فإن قضية أعداد أفراد الحماية الرئاسية وكلفها لا تقتصر على الرئيس غير الموجود،  فالرؤساء الآخرين، رئيس الوزراء ونوابه، ورئيس البرلمان ونوابه، يحظون بنفس القدر من الحماية، وتنفق عليهم  خزينة الدولة نفس القدر من المبالغ، وقد تكون أكثر أو أقل قليلاً، يضاف إلى هذا الرؤساء السابقين ونوابهم، ورؤساء الكتل، والنواب الحاليين والسابقين، وأعضاء ما يُسمى بمجلس الحكم، والوزراء الحاليين والسابقين، وذوي الدرجات الخاصة، ومن هم بدرجة وزير، والمستشارين إلخ..  كل هؤلاء وغيرهم يحضون بحماية أين منها حماية الملوك والأباطرة ، يقول البعض تندراً إن حمايتهم كسكنهم ( تسع نجوم) !!
والأشد غرابه أن كل مسؤول يحضي بالحماية يختار هو حمايته التي ترتبط به، ولا تخضع لسواه، وهذه القوّة فوق أي قوة أخرى، تدين بالولاء المطلق لولي نعمتها الذي عيّنها، وغالباً ما يكون أفراد هذه الحماية من عائلة المسؤول أو عشيرته، أو حزبه، أو قوميته ، أو طائفته، وهي لا تخضع لقانون ينظم عملها، ولا توجد حدود لصلاحياتها، فحدود هذه الصلاحيات تنتقل مع المسؤول أينما حلّ وإنتقل، وهي تنظر للوسط الذي تتواجد فيه، أو تتحرك من خلاله، كوسط معاد يستهدفها ويستهدف ولي نعمتها، ولهذا فسلوكها وتصرفها يتسمان بالإنفعال والتأزم، والعدائية والقسوة المفرطة، وطبيعي أن تكون عديمة الخبرة والتأهيل، لذا فليس من المستغرب أن توصف هذه الحمايات بالمليشيات، وهي تتصرف كميليشيات فعلاً، حيث تكثر إساءاتها للمواطنين، وتتجاوز على القوانين المرعية دونما إعتبار لشيء .
نعم دم الشهيد الشمري يجب أن لا يذهب هدراً، ولا يكفي إنزال القصاص العادل بالمجرم، فالجريمة وإن بدت جريمة فردية لأول وهلة، فإنها ليست كذلك بالمرّة، لا بعد طائفي أو قومي لها، ويخطيء من يصور القاتل (بيشمركة) ، والمقتول (عربي بغدادي )، لأن الأمر يمكن أن يكون معكوساً، ويكون القاتل (عربياً ) والمقتول (كردياً ) ، وهذا يعتمد على شكل ولون وطبيعة الحماية. إن هذه الجريمة التي هي ليست الأولى من نوعها نتاج طبيعي وحتمي لوجود قوى مزوّده بالسلاح خارج أطر الدولة التقليدية ، والمعترف بها قانوناً، مفروضة بحكم الغلبة والإجبار، وتثبيت واقع كان علينا مغادرته منذ أمد ، على الأقل منذ رحيل القوات الأجنبية المحتلة.
كي لا يذهب دم الشهيد الشمري هدراً ينبغي وضع حد لهذه الظاهرة الشاذة، ظاهرة افواج حمايات المسؤلين والمربعات الأمنية، التي يشكل كل منها دولة قائمة بذاتها، لها قواتها وحرسها، وقائدها، وأعلامها وشاراتها، وقوانينها الخاصة، يرتبط أفرادها بولاء مطلق لصاحب المربع الأمني الذي ترفع صوره ليس داخل المربع الأمني فقط ، وإنما في ما يحيط المربع، وما هو أبعد من حدود المحلة أو المنطقة التي يوجد فيها هذا المربع، الذي يفصل الأحياء بعضها عن بعض، والذي يلتهم باستمرار مساكن وأملاك المواطنيين، ويتعدى حتى على الشارع والرصيف، وما يقال أنه من أملاك الدولة، أو ما هو ضمن نطاق النفع العام، حجم الحيز الذي يتحرك فيه المواطن يضيق ويضيق، وحجم المربع الأمني يتسع ويتسع، ويبدو أنه سوف لن يتوقف عند حد حتى يشمل المحلة أو المنطقة برمتها، ولا ندري بعد هذا هل سيعلن إستقلاله الذاتي، أم يعلن الفيدرالية، أم أنه سيهدد بالإنفصال كلما عجز عن تمرير شيء.
أفواج أو جيوش الحماية الخاصة، والمربعات الأمنية بكل ما تمثله على الأرض، وما ترمز إليه، يشكلان ضغطاً نفسياً على الجماهير، ويؤكدان في كل لحظة أن لامساواة في العراق بين المواطنين، وأن كل ما يُقال عن الحرية والمساواة ما هو سوى لغو يكذبه المربع الأمني، الذي يواصل عمله التخريبي والتدميري، والذي  يضيّق حيّز تحرك المواطن، ويضيف إلى معاناته معانات إضافيه تدخل حجرة نومه هذه المرّة .
من أجل أن لا يذهب دم الشهيد الشمري هدراً ، يجب إنهاء عهد المربعات الأمنية، والتخلص من المليشيات الشخصيّة المسماة أفواج الحراسة الرئاسيّة، فإي دولة تحترم نفسها ترفض تواجد قوات خارج حدود قواتها المسلحة بكل صنوفها، أو غير مرتبطة بأجهزة الدولة المخولة وحدها بحماية أرواح وأمن وكرامات المواطنين.  دم الشمري ليس هو الدم الوحيد المسفوح من قبل هذه المليشيات، وسوف لن يكون الأخير، إذا ظل الوضع على ما هوة عليه.
لا رئيس الوزراء، ولا رئيس الجمهورية، ولا رئيس البرلمان، من يتكفل بحماية أمنه الشخصي، ليس هو من يختار أفراد حمايته ، ولا هو من ينفق عليهم من جيبه الخاص، ولا هو من يشتري أسلحتهم وآلياتهم وعتادهم، ولا هو من يمنحهم الصفة القانونية أو الرتبة العسكرية، التي ينبغي أن يكونوا قد حصلوا عليها من جهة ذات إختصاص، أو من خلال التدرج الوظيفي،  وإنما كل هذا من مهام وواجبات ومسؤوليات الدولة، الممثله بسلطاتها الثلاث، ووفق الأطر والسياقات المعروفة، وهذه واحدة من أهم إختصاصات الدولة ، إن تنازلت عنها أو فرطت بها، فإنها ستكون قد إستقالت من مهامها وتنازلت عن كونها دولة، وفي هذه الحالة سنعيش عهد ما قبل الدولة، وسيهدر دمنا على قارعة الطريق، هذا الدم الذي سيكون برخص تراب الأرض .
هل العراق دولة، أم ما قبل الدولة، أو لا دولة ، ذلكم هو السؤال الذي ينبغي أن تتم الإجابة عليه، فإذا كان العراق دولة، فإن من مهام الدولة حماية المواطنين، كل المواطنين، والرؤساء والمسؤولين من ضمن المواطنين، وهم جزء من المواطنين ليس إلا، الجزء الأصغر ، والأقل ، المكلف بخدمة المواطنين وليس العكس.
 

No comments:

Post a Comment