الإنتصار المطلوب أكبر من تحرير الأرض
صباح علي الشاهر
هل كان العراق في مهب الريح فعلاً؟
لو قدم هذا السؤال قبل إنكشاف وقائع ما بعد حزيران من عام 2014 لعد ضرباً من ضروب الخيال، لكنه بعد هزائم حزيران النكبة العراقية المدهشة أصبح سؤالا يتصف بالواقعية والراهنية، التي تفرض على كل من ينبري لمحاولة فهم الواقع السياسي العراقي، وصولاً إلى معالجته أن يضعه نصب عينيّه ليس كاحتمال إفتراضي بل كاحتمال واقعي وممكن.
لقد تبين أن التمترس كان واهياً، والقلاع مشروخة، والحماة معطوبين، والتشكيلات المُكلفة بحماية الوطن مُخترقة، أو مُنشلغة شأنها شأن السياسين بالإنتفاع والكسب غير المشروع، وكان الساسة في المنطقة الخضراء يتصارعون فيما بينهم، ويكيد بعضهم لبعض، ويكيلو الإتهامات للخصم، ويفحشوا القول بعضهم ضد بعض أمام الإعلام، وعلى مسمع من الجميع، مُعطين المثال على هزال السياسين وعدم جدارتهم بالمواقع التي يتربعون عليها، تراهم يهرعون لأي وسيلة إعلامية تتيح لهم النيل من خصومهم، حتى لو كانت هذه الوسيلة مجرد مستنقع، في الوقت الذي تراهم يتسامرون كالأحباب في الكافتيريا، ويغطون في نوم الغفلة، في حين كانوا مُحاطين من كل جانب بقنابل موقوته كانت على أهبة الإستعداد لجعل المنطقة الخضراء محرقة لهم.. مساكين لم يكونوا يعلمون أن بينهم وبين الموت حرقاً (أيام معدودة) .
أكان شعار ( قادمون يا بغداد ) مجرد مناكفة كلامية، أم خطة مُعدة بشكل جيد تنتظر ساعة الصفر لتتحول من قول إلى فعل؟
بماذا كانت حكومة بغداد ستواجه مثل هذا القدوم الذي لم يكن ثمة حاجة له، فالفرسان المُكلفين بتنفيذ المهمة يربضون على التخوم، ويحيطون ببغداد حوط السوار بالمعصم، ومن كل الجهات تقريباً، وفاتحوا أبواب الحصون موجودون في كل أنحاء بغداد، أبالقوات المسلحة التي تهاوت في ثلث مساحة العراق وبساعات ومن دونما مقاومة؟ أم بقوة الحليف الأمريكي الذي بحت أصواتهم من المطالبة بتفعيل بنود المعاهدة بينه وبينهم، وتسليح القوات المسلحة بالأسلحة المبتاعة والمدفوعة الثمن مسبقاً، ومن دونما جدوى؟!
أكان الحليف الأمريكي لا يعرف، رغم جبروته اللوجستي، وتحكمه التام بالأجواء العراقية ، والفضاءات الأبعد، وقدراته التكنولوجية الفائقة، وإمكاناته التجسسية، أكان لا يعرف بهذه المجاميع المنتشرة على آلاف الكيلومترات من المساحات الشاسعة، سهلة الرصد حتى بالطرق البدائية، والتي كانت تتنقل بكل حرية، مصطحبة معها السلاح الثقيل، وتراكم قدراتها على مدى أشهر، وربما سنوات، أو لم يتحسس خطوراتها على حليفه، أم أن هذا الحليف لم يعد مأموناً، وهو يحتاج إلى عمليات تطويع مبتكرة؟
ماقبل النكبة الحزيرانية وما بعدها يثير أسئلة من العيار الثقيل، الإجابة عليها تؤكد إنتهاء صلاحية العديد من السياسين، من كل الكتل، مثلما تشير إلى ضرورة إعادة النظر لا بالأنظمة الجاري العمل بها، والموروثة أو المفروضة من المحتل، وإنما بالنظام برمته.
نحن لا نزعم أنه مثلما سقطت الموصل وهي المدينة الثانية في العراق من دونما قتال فإن بغداد ستسقط بنفس الطريقة، كلا، فبغداد غير الموصل، وما حدث في الموصل سوف لن يحدث بنفس الصيغة في بغداد، إذ من المؤكد أن بغداد سترد بعنف، حتى لو قتل ساسة المنطقة الخضراء كلهم، أو إنهزموا كلهم شأنهم شأن ساسة الموصل، فبغداد ستقاوم، وستكون مقاومتها من نمط آخر مختلف، وتحت قيادة مختلفة، غير مولعة بالمناكفات والثرثرة وعد النقود.
ثمة شيء جديد، ثمة شيء يولد
ثمة شيء جديد يولد من رحم الألم والمعاناة والدمار، والإخفاقات، والعجز، وقلة الحيلة، وإنسداد الأفق، أخيراً، وعلى قاعدة ربَّ ضارة نافعة، يلوح ضوء في نهاية النفق المظلم، وينهض المارد من القمقم بعد طول إنتظار.
عصارة الحضارات المتراكمة كالنضيدة وخلاصتها يعلنون البدء بمشوارهم الطويل الذي سيعيد العراق للعراقين، لا لبعضهم، ولا لجزء منهم، ولا لنفر يعتاش على بلواهم.
في سوح المواجهة يواجه العراقيون اليوم، مُتراصين، ومُتخندقين في خندق الدفاع عن وطنهم الواحد، بوجه أبشع هجمة همجية عرفها تأريخهم، تستهدف لا حاضرهم فقط، وإنما ماضيهم، وكل وجود لهم على هذه البقعة من الأرض، هجمة تحرق بنيران حقدها البشر والحجر.
لسياسيي المنابر الإعلامية الصخابة، المتاجرين بالطائفة والعنصر والعشيرة، تعلموا من لغة المقاتلين خلف المتاريس من أبناء تكريت والفرات الأوسط، من علي وعمر، إنهم يقاتلون معاً، ينزفون دما معاً، يستشهدون معاً، وسينتصرون معاً، ويبنون العراق المُرتجى معاً.
نصارحكم أننا سئمنا فحيحكم، لقد بارت بضاعتكم، وما عاد لصوتكم صدى مهما علا.
متطوعاً يأتي إبن الملحة، من بطحاء المثنى، وأهوار الجبايش، متخلياً عن كل شيء ، الحبيبة والصديق، الأهل والعشيرة، ليرابط جنب أخية أبن صلاح الدين الأبية في خندق الكرامة والفخار، ليختلط عرقهم ودمهم معاً، معلنين بذلك ولادة العراق الذي سوف يهزم كل شر، وليس داعش فقط.
في الدور والعلم وتكريت، مثلما في جرف النصر، والضلوعية، وعامرية الفلوجة، يُكتب التأريخ، ليس تأريخ العراق الجديد المُعافى فحسب، بل تأريخ المنطقة.
ساسة الغد، وقادة الغد، سيكونون منكم أنتم المتفولذين في سوح الوغى، من كل طائفة ومذهب، ودين، وقومية، عرب وكرد وتركمان، سريان وآشورين وكلدان، مسلمين ومسيحين ، صابئة ويزيدين، شبك وكاكائيين.
أنتم من سيُفشل كل الخطط، وسيُمزق كل الخرائط قبل إكتمال رسمها.
سيضايقكم المنافقون، كل يريد أن تتدثروا بعباءته، ولا تتسع ولا تليق بكم سوى عباءة الوطن. طريق هؤلاء غير طريقكم، طريقهم الإحتراب، وطريقكم الوئام والمحبة، طريقهم الأخذ والنهب، وطريقكم العطاء بلا حدود، طريقهم المذلة والهزيمة، وطريقكم النصر المُحتم .
أنتم ملح الأرض، ولستم ممن تدرب في براغ أو نيويورك، ولا ممن حظر مؤتمر صلاح الدين أو مؤتمرات لندن، ولا أنتم ممن رافق بريمر في حله وترحاله، لستم من المؤتمر ولا الوفاق، ولا من النخب التي تكالبت على المناصب والمنافع وتسابقت مع ناهبي العراق في نهبه.
أنتم المهمشون، المستضعفون، أنتم الخارجون من قعر القاع، تطاولون بقاماتكم هامات السماء.
إنشدوا لحنكم فنحن له مستمعون ومرددون.
ورحم الله الجواهري :
أزف الموعد والوعد يعنّ.. والغد الحلو لاهليه يحنُ
No comments:
Post a Comment