Sunday, 31 July 2016

{الفكر القومي العربي} article

هو صراع بين العزلة والتفتح
 
صباح علي الشاهر
 
أثار موقف حزب الفضيلة، وخطيب الجمعة في بغداد، وموقف السيد الصدر، وهي المواقف المعلنه لحد الآن حول قرار إعتبار الأهوار ضمن التراث العالمي ، الكثير من التساؤلات، ولا شك أن المواقف غير المعلنه ، والتي ستعلن عن نفسها فيما بعد ستثير تساؤلات أكثر ..
عبرت هذه المواقف عن خشيتها على الأخلاق من تأثيرات السياحة التي ستزدهر بعد هذا القرار .. ربما يكون وراء هذه الخشية هدف ما أو أهداف معينة ، ليس بعيد عنها أن ترتدي السائحة الزي الإسلامي ، وتتقيد بالحشمة ، كما لو أنها تزور مرقداً دينياً مقدساً ، وربما سيمنع السائح من إرتداء "الشورت " ، وبالتأكيد ستمنع الكازينوهات والفنادق عن تقديم الكحول ، ليس في العلن ، وإنما حتى خلف الأبواب الموصدة ، وسيمنع الإختلاط ، وسيكون على كل سائح يأتي برفقة أنثى أن يقدم وثيقة تثبت ما يمكن أن يسمح له بأن يختلي برفيقته شرعاً ، كأن تكون زوجته أو أخته، أوإبنته ، أو أمه، ولا أدري ما الموقف من أمه أو أخته بالرضاعة ، وهل يمكن أن توجد وثيقة كهذه!
يبدو أن أصحاب هذه المواقف يحسبون أن العالم ، كل العالم ، كان بإنتظار درج الأهوار ضمن التراث الإنساني، وإعلان حكومة العراق منطقة الأهوار منطقة سياحية، ليتسابق الناس من كل حدب وصوب ، زرافات ووحداناً للتمتع بالمعجزة السياحية، غير أن الأمر مع مزيد الأسف ، ليس كذلك ، فلا أحد سيفكر ما خلا الآثاريين، والعراقيين ، وبعض محبي المغامرة في زيارة الأهوار ، ليس في وضعها الحالي ، وإنما حتى بعد إجراء بعض التحسينات .
من المؤكد أن أهوار العراق يمكن أن تكون عنصر جذب هائل للسياحة والإستجمام ، وبالأخص للسياحة الشتوية، فالمنطقة بالإضافة إلى جمالها الطبيعي، تتضمن بعدا آخر قل أن يتوفر لغيرها، ألا وهو البعد التأريخي، حيث هي أقدم المستوطنات الحضرية الباقية لحد الآن وكما كانت عليه قبل آلاف السنين، وجوارها وعلى أرضها نشأت أولى وأقدم الحضارات الإنسانية، بالإضافة إلى البعد الروحي ( الديني) والذي يشمل الديانات السماوية كافة حيث ولد هنا النبي إبراهيم ، أبو الأنبياء، والذي قيل أنه عثر على بيته أثناء التنقيبات في أور، بالإضافة إلى هذا كله وقبله وبعده، دماثة خلق الناس المشتهرين بالطيبة، والسماحة، والكرم، بحيث لا يشعر الغريب بينهم بأنه غريب، والذين هم فطرياً ، وربما بفعل التراكم الحضاري منفتحين على الغير، محبين للآخر رغم عزلتهم التي فرضتها عليهم الطبيعة، وإهمال السلطات المتتابعة لهم . كل هذه الأمور وغيرها كثير هي أمور واعدة ، قد تدفع المستثمرين للإستثمار السياحي الذي سيكون إستثماراً مجدياً بلا شك، ولكن ثمة عقبات وصعوبات ينبغي تذليلها، إذ لا يمكن للسائح ، كائن من كان ، تحمل لسعات البعوض، ولا إنعدام الخدمات التام، فلا فنادق مناسبة، ولا مطاعم أو إستراحات مقبولة، ولا طرقات معبدة، ولا وسائط نقل مريحة، ولا برامج ترفيهة تستلهم تراث المنطقة، ولا توجد حتى صناعات شعبية فولكلورية مما تشتهر به المنطقة، وحتى الدبكة والرقص والغناء الذي إشتهرت به المنطقة مهمول، ومحارب، لدرجة التحريم غير المعلن .
أمران يبدوان متناقضان، لكنهما لازمان لحد الضرورة القصوى، فيما يتعلق بالإهوار ، ألا وهما الحفاظ على الخصوصية ، وتحطيم جدران العزلة .
لماذا الحفاظ على الخصوصية، لأنها إرث آلاف السنين الذي ينبغي عدم التفريط  به ، ولأن من سياتي يأتي كي يرى ما لا يراه في مكان آخر، وكي يطلع على حياة الناس قبل آلاف السنين، كما هي وعلى الطبيعة،  ومن دونما رتوش، وعليه فإن أي تطور في المنطقة، بما فيه التطور العمراني، ينبغي أن يستلهم أرث المنطقة، وينبغي أن يخدم الغرض الأساس، ولا يتعارض مع طبيعة الأهوار، وحتى قائمة الطعام ينبغي أن تكون مما تجود به الأهوار من اسماك وطيور وألبان ولعلنا سنشهد زمن ( الخُرَيّط) والخريط لمن لا يعرف هو أكله لذيذة، صفراء اللون، لا مثيل لطعهما، تستخرج من قصب الأهوار، وجعل " المشحوف" وهو واسطة النقل منذ العهد السومري، هي واسطة النقل بالنسبة للسواح، " وجعل " المضيف " دور الإستراحة  مع إجراء التعديلات المناسبة ، وإعادة " الجبايش " إلى ما كانت عليه قبل تجفيف الأهوار ، حيث كل عائلة أو مجموعة تعيش في جزيرتها الخاصة، هي ودوابها. إن الخيال ليعجز عن وصف الجمال الذي يمكن أن تكون عليه الأهوار لو وضعت بأيد أمينة، وليس ثمة من هو أكثر أمانة من إبن الأهوار ذاته على جنته على الأرض .  
السياحة فرح، ومعرفة، وإطلاع، وتعارف، وفهم الآخر وقبوله، وصولاً إلى حبه، وهي على الضد تماماً من العزلة، التي تعني الخشية من الآخر ، والخوف منه ، وإعتباره آخر مغاير ، وبديل  مفترض عن الذات ، لذا ينبغي كرهه، ومحاربته .
الإنعزاليون يدعون الناس إلى الحزن الأبدي، النواح الأبدي، وإجترار الماضي، ومحاربة الفرح الذي هو عندهم نسيان الخالق، وتجاهل ذكره، هم أعداء طبيعيون للسينما والمسرح، والموسيقى، والغناء، والرقص ، والرسم والنحت ، وكل  ما يندرج تحت باب (الفن) ، لكنهم يستغلون كل هذه الأشياء ويلبسونها لباسا آخر ، فالروزخون والرادود بدلاً من المغني ، والشعائر بدلاً من الرقص والموسيقى ، والتشابيه بدلاً من المسرح .. إنهم يستغلون أقدس ما لدينا ، وأحب الشخصيات لقلوبنا ، من أجل تقديم شخصيات لا تمت بأية صلة لمن نقدس ونحب، وهم مع الزيارات التي يسمونها ( سياحة دينية ) لكنهم ضد سياحة الإستجمام والإطلاع والمعرفة ، لذا فأن ما سيجري هو بالتحديد صراع بين العزلة والتفتح .
 

No comments:

Post a Comment