Friday, 13 March 2015

{الفكر القومي العربي} يحيى حسين: من الذى يرشح المسؤولين فى مصر؟

 
مَن الذى يُرشح المسؤولين فى مصر ؟
بقلم المهندس/ يحيى حسين عبد الهادى
(الأهرام 14/3/2015)

وكأنما ابتُلى هذا البلد بمن يدفعه للوراء خطوةً (بجهلٍ أو بسوء قصد) كلما سار إلى الأمام مثلها .. وفى الوقت الذى تُبذل فيه دماءٌ غاليةٌ من أجل الحفاظ على كيانه ، يبتذلُ آخرون أمانةَ اختيار القيادات .. وكأنما قدرنا أن نُراوح بين بذلٍ وابتذال.
بمجرد إعلان حركة المحافظين الأخيرة، وهذا السؤال يُلّحُ علىّ (من الذى يُرشح المسؤولين فى مصر؟ وكيف؟) أسألُ عن من يُرشِح (دعك ممن يختار)، إذ أن بعض الأسماء يُعّد مجرد ترشيحها كارثةً بكل المعايير وطعنةً لآمال المصريين بعد ثورتين كبيرتين وفى ظل حالة حربٍ حقيقيةٍ يخوضها الوطن ,, وهو سؤالٌ مباشرٌ والإجابة عنه لا بد أن تكون محددةً وبالاسم، لأن (الشخص) الذى اختار هو الأشد خطراً لاستمراره فى تصدير كوارثه طالما بقى فى موقع اتخاذ القرار.
وباستثناء أسماء محدودةٍ، بدا فعلاً أنها جاءت بمعايير الدولة المصرية، فإن معظم الأسماء جاءت ومعها روائح أمانة السياسات وتجربتها الفاشلة فى توزيع المناصب على رجال الأعمال .. ولكن حتى فى حالة أمانة السياسات فقد كان هناك (معيارٌ) نعرفه وهو أن يكون المرشحون من شلة الوريث .. أما الآن فالتجربة الفاشلة تُعاد ولكن بلا معايير.
معظم السِيَر الذاتية التى نُشرت للمحافظين تُثير من علامات التعجب أكثر مما تُثير من علامات الإعجاب .. أشخاصٌ (عاديون) ليس فى تاريخهم ما يُبرر تكليفهم بمنصبٍ تنفيذىٍ من مناصب الإدارة الوسطى وليس بمنصب محافظ إقليمٍ فى وقت حرب .. وقد تأكد ذلك بإلحاقهم بدورةٍ تدريبيةٍ بعد اختيارهم (!) تم تلقينهم فيها كلاماً نظرياً عن القيادة والإدارة قبل أن ينطلقوا ليتعلموا فينا .. ثم جاءت الممارسات على الأرض مؤكِدةً لشكوك البداية.
أحد المحافظين مدير نيابة عمره 38 عاماً ولا شئ آخر .. أهذا يكفى لأن يكون محافظاً؟ مَن هو الشخص الذى اختاره تحديداً ولماذا؟ .. وآخَرُ كلُ ما نعرفه عنه أنه مدير تسويق بشركة تصدير واستيراد خاصة مجهولة .. أهذا يكفى لأن يكون محافظاً لمحافظةٍ مُتخمةٍ بالمشاكل فى وقت حرب؟ أشعر بالإهانة .. أما محافظ الإسكندرية الذى انشغلت مصر مؤخراً ببعض التصرفات المنسوبة إليه، فإليكم ما نشرته وكالة الأنباء الرسمية نَصّاً للتبشير به يوم تعيينه وقبل أن تصدر منه أى تصرفات ( تُدير أسرة المحافظ الجديد سلسلة محلات البن البرازيلى، أحد أعرق محلات تقديم القهوة بالمدينة الكزموبوليتانية، والتى لا تزال تحافظ على طرازها المعمارى اليونانى والرسم بالبارز عن مزارع البن؛ منذ نشأتها وامتلاك أحد اليونانيين لها .. إدارة تلك السلسلة الناجحة هى انعكاسٌ للمأمول من كثير من السكندريين لأحوال المحافظة ومشكلاتها؛ خاصة أن العائلة لا تزال تحافظ على صيانتها السنوية لسلسلة محلاتها، ليتحول محلها الرئيسى بمنطقة وسط الإسكندرية إلى مزارٍ يقصده المثقفون والسائحون على حد السواء للاستمتاع بقدح القهوة على نغمات الموسيقى الكلاسيكية صباحاً، والعزف الشرقى والغربى مساء على مدار الأسبوع) !!!!.
أما علامات التعجب فهى من عندى .. وقد تعجّبتُ يومها أن تكون إدارة محل بُن معياراً كافياً لإدارة محافظةٍ بحجم الإسكندرية .. ولو أن هذا هو المعيار فلماذا هذا الرجل بالذات؟ إن مصر مليئةٌ بآلاف البقالين الذين يديرون محلاتهم بكفاءةٍ فلماذا لم يدخلوا فى دائرة الترشيحات؟ وأليس أصحاب سلاسل الفول والطعمية الشهيرة أَوْلى بالمنصب من سلاسل البُن؟ على الأقل هم أكثر احتكاكاً بغالبية الشعب .. إلا إذا كان من رشّحه للمنصب أحدُ روّاد مقهاه.
لم يقتصر هذا الهزل على اختيار المحافظين .. وإنما تكرر فى العديد من المناصب الأخرى، ويظهر جلياً فى معظم التعيينات أن من اختارهم أشخاصٌ وليست أجهزة .. فمن هم هؤلاء الأشخاص؟ .. خُذ مثالاً ما حدث مؤخراً مع صندوق تحيا مصر .. وهو صندوقٌ تبّرع له ملايين المصريين تحمساً واقتناعاً وتلبيةً صادقةً لدعوة الرئيس، فإذا بالأخبار تحمل لنا نبأ اختيار السيد/ محمود عبد اللطيف رئيساً تنفيذياً للصندوق .. وقد ظننتُ فى البداية أن المسألة لا تخرج عن كونها تشابه أسماء، إلى أن تأكدتُ أنه هو نفسه رئيس بنك الإسكندرية الذى أدار عملية بيعه منذ سنواتٍ لأحد البنوك الإيطالية، فى صفقةٍ أثارت لَغطاً وغضباً كبيراً استدعى اصطفاف المصريين بعدها لإيقاف مؤامرة بيع البنوك الوطنية .. ثم كافأه البنك الإيطالى بتعيينه عضواً منتدباً للبنك بعد خصخصته .. وكان أول مسؤولٍ مصرى أطاح به العاملون فى الأيام الأولى لثورة يناير .. لو المطلوب خبيرٌ بنكىٌ لإدارة صندووق تحيا مصر ففى مصر كثيرون ليس فى تاريخهم ما يدعو للتحفظ .. مَن الذى زجّ باسم هذا الرجل بالذات لرئاسة هذا الصندوق النبيل؟ وما الرسالة التى أراد توصيلها بهذا الاختيار الذى يخصم ولا يُضيف؟ أين اللياقة؟


No comments:

Post a Comment