Saturday, 7 September 2019

{الفكر القومي العربي} article

إيران تلعب اللعبة الأمريكية – الغربية

صباح علي الشاهر

 

 

مهما قلت أو تقول عن إيران ، فإنها تحسن اللعب في ساحة السياسة ، وهي تدرك تماماً حسنات وسيئات الغرب وأمريكا ، وتوظف هذا الفهم بإبداع ..

الغرب لعب لعبة النظام الذي يخلق من رحمه حزبان ، أو إتجاهان  يتصارعان في العلن ، يتعاديان لحد اللعنة، لكنهما لا يخرجان قيد أنمله خارج أسس النظام الغربي أو الأمريكي . ربما ينقنقان بما هو ضد النظام كلياً لكنهما لا يفعلان ما من شأنه تهديد النظام جوهريا .. في بريطانيا حزب العمال بمواجهة حزب المحافظين ، وفي أمريكا (الجمهوريون بمواجهة الديمقراطيون) ، ومنذ أمد بعيد وهما يتناوبان على الحكم ، ولكن لا أحد منهم هز أسس النظام المعبر عن مصالح الرأسماليين ، ولا عمل شيئاً لإرجاع حق مهضوم لشعب من الشعوب ، وهم بهذا لا يخدرون شعوبهم فقط ، بل يخدرون شعوب العالم ، الذين في كل شدة وأزمة ينتظرون رحيل هذا الرئيس ومجيء ذاك ، هزيمة هذا الحزب أو ذاك. يمنون النفس بمقدم هذا الرئيس الشاب، أو ذاك الرئيس الآتي من القاع ، أو ذاك الأسمر البشرة ، أو ذاك الذي من أصول شرقية ، أو الذي قال يوماً كلاماً عبر عن تضامن مع الفيتنام في نضالها الشرس بمواجهة أمريكا .

نفس الحيلة التي تصل لحد الخديعة إستعملها النظام الإيراني ، حيث أنشا ما يسمى "الإصلاحيون" بمواجهة "المحافظون" ، والإثنان يرتبطان بالنظام ، ويسعيان إلى تعزيزه وعدم المساس به ، وإن كان كل منهما يعمل وفق إجتهاده ، ولكن من دون خروج على النص .

أحياناً يصل الصراع بين المحافظين والإصلاحين لحد كسر العظم ، وربما يتجه ليس للإقصاء فقط بل إلى الإيداع في السجن ، أو الإقامة الجبرية لمن يخسر في المنازلة ، لكنه لا يتعدى هذه الحدود، فالأمر في الأول والآخر موكول لرؤية السيد المرشد وموقفه ، والقرار قراره مثلما القرار في أمريكا موكول إلى القوى التي تشكل الدولة العميقة وتوجهها ، وكذا الأمر في أغلبية الدول الأوربية .

وإذا كان الغرب وأمريكا يتلاعب بالعالم كله يوم الانتخابات ، انتخابات السلطات التشريعية ، أو الانتخابات الرئاسية ، فإن إيران أيضاً تتلاعب بالغرب وأمريكا عندما يحل موعد الانتخابات الرئاسية ، وكذا التشريعية ، وربما أحياناً الانتخابات البلدية .

تلعبون ونلعب ، (وما فيش حد أحسن من حد!)

****

أوباما الديمقراطي عزز موقع الإصلاحيين عبر توقيع الاتفاق النووي ، وكانت له حساباته الدقيقة ، وقد كان الرجل أقل تأثرا بالسعودية وعرب الخليج ، وإسرائيل وإن كان حليفها الأكبر ، وقد إنعكس هذا الموقف على الداخل الإيراني ، مما جعل التيار المحافظ يفشل في الانتخابات للمرة الثانية ، ومن المؤكد أنه إنعكس على السياسة الخارجية الإيرانية أيضاً ، حيث السياسة الخارجية إنعكاس للسياسة الداخلية ، أما ترامب الجمهوري فقد أضعف موقع الإصلاحيين عبر تخليه عن هذا الاتفاق ، والتساؤل الذي يطرح نفسه : ماذا يريد ترامب من هذا ؟

هل يريد تعزيز موقع المحافظين وإضعاف الإصلاحيين ؟ بالنسبة لشخص غارق في العنصرية وشديد المحافظة وإنعزالي ، يمكن أن يكون هذا التسبيب منطقي ، فإذا كان ماركس قد قال : " يا عمال العالم إتحدوا" فالمتعصب المحافظ المهووس بالحسابات التجارية ، لماذا لا يقول : "يا متعصبي العالم ومحافظيه إنهضوا !" ، أولم يرحب لوحده بالمتعصب والعنصري اللندني ، والرجل على أية حال بعيد كل البعد عن الإصلاح والمصلحين  ، لذا فقد تصرف على سجيته ، وقد تكون للرجل مآرب أخرى منها : ألم أٌقل لكم مثلما قال نتيناهو إن إيران تسعى لإنتاج القنبلة الذرية ، هاكم هاهو ذي الشيطان يسعى لدمار العالم ، أوقوفه عند حده!

هل يريد ترامب فعلاً منع إيران من صناعة القنبلة الذرية ؟ إذا كان كذلك فلماذا يخرج من الاتفاق الذي نظم وهندس بشكل لا يسمح قط لإيران بإمتلاك السلاح النووي، أم يريد دفع إيران لإنتاج القنبلة النووية ، وهي التي لا ترغب بإنتاجها لحد الآن لسبب عقائدي .

فشل الإصلاحيين في إيران ومجيء المحافظين ، وبالأخص بعد الغدر الأمريكي والأوروبي ، وتخليهم عن عهودهم سيدفع إيران لإنتاج القنبلة الذرية ، لأن أصبح في يقينها ويقين شعبها الذي يتعرض للحصار أنه بالحصول على القدرة النووية العسكرية يمكن ضمان عدم الإعتداء على إيران ، ويمكن التعامل معها بشكل مغاير، وهم يرون كيف رضخت أمريكا ومن وراءها الغرب للهند عند إنتاجها للقنبلة الذرية ، وكذا الأمر فيما يتعلق بباكستان التي مازالوا يطلبون ودها ، أما مثال كوريا الشمالية ، وزعيمها الشاب الذي شيطنوه ، وألصقوا به كل صفات الخبال والرعونة والهمجية  فهو مثال حي وملهم . أما قضية فتوى تحريم صناعة القنبلة الذرية ، فيمكن نقض الفتوى بفتوى ، علماً أنه حتى في الفقه السني على إختلافه ثمة ناسخ ومنسوخ حتى لكلام الله، فكيف يكون الأمر بالنسبة لرأي فقيه ، خصوصاً إذا كانت الأمة مهددة بالخطر.


No comments:

Post a Comment