Saturday 14 September 2019

{الفكر القومي العربي} article

سياسة توازن الرعب ما لها وما عليها!

صباح علي الشاهر

 

 

مما يشاع أن سياسة توازن الرعب بين الأطراف المتعارضة هي من يحمي الأمن والسلام ، القائلون بهذا الرأي يستشهدون بأمريكا النووية وروسيا النووية ، وهم يرون أن ما يمنع إندلاع حرب بينهما إنما هو حجم الدمار الذي سيلحق بأي منهما أن أشعل حرباً على الآخر .

فات هؤلاء أن توازن الرعب ، لن يستمر إلى مالا نهاية ، ففي نهاية المطاف ستترجح كفة أحدهما على الآخر ، إما بفعل ضعف أحدهما، أو بسبب إكتشاف سلاح ماحق أو مُعطل لأسلحة الخصم ، هذا إذا إستثنينا مخاطر أخرى غير متوقعة ، كأن يكون من بيده القرار في أي منهما، خبلاً ، أو متعصباً يريد خروج السيد المسيح مثلاً ، ويائساً من عدالة الدنيا الفانية وباحثاً عن عدل الآخرة الباقية ، أو بسبب خلل فني لا يمكن الجزم بعدم توقعه مهما كانت درجة الإتقان التكنولوجي ، يضاف إلى هذا المبالغ الطائلة التي يتم صرفها على سباق التسلح بدل من صرفها في ما يخدم الناس ويلبي متطلباتهم .

وثمة أمر آخر مهم يفرضه سؤال منطقي ، تُرى هل أمريكا تريد سحق روسيا أو حرق نصفها ، وهل  روسيا تريد محو أمريكا أو دمار نصفها ؟ . الإجابة على مثل هكذا سؤال ضرورية ، لأنها ستوضح لنا عبثية سياسية توازن الرعب .

عملياً لا أمريكا تريد محق روسيا ، ولا روسيا تريد إزالة أمريكا ، وإنما كل منهما يبحث عن مناطق نفوذ ، وتكريس مصالحه ولو على حساب مصالح الآخر ، أي هما في تنافس كتنافس التجار ، وأصحاب المصالح المتشابهة ولكن بلباس سياسي وليس تجاري فقط ، وكل المصطلحات والتعابير الطنانة تأتي كتبرير ليس إلا .

قد يقول قائل لكن المستضعفين يستفيدون من هذا الصراع ، وهو قول صحيح إذا إعتمد القدرات الذاتية وعزز  مناعته على طريق الإنتقال من خانة المستضعف إلى خانة القوي ، ولم يعوّل كلياً على عامل صراع الجبارين لوحده ، وإلا فإنه سيبدل تبعية بتبعية أخرى ، لن تخرجه من خانة المستضعف .

والخلاصة أن توازن الرعب يحفظ السلم العالمي ، ولكن إلى حين . ولكنه لا يفترض حتمية دوام الأمن والسلم العالميين .

****

ما القول في سياسة توازن الرعب بين المقاومة العربية – الإسلامية ، وبين إسرائيل ؟

يمكن القول أن توازن الرعب يوقف المعتدي عن مواصلة إعتدائه ، ويفسح المجال للدول التي كانت مستهدفه بأن تنمو وتتطور بعيداً عن تهديد العدو المتفوق عسكرياً وتقنياً ، ولكن – ولابد من لكن هذه مؤكدة بكل أشكال التأكيد ، إن الإكتفاء بتوازن الرعب سيعني من جملة ما يعنيه تأبيد وجود العدو المحتل للأرض والمغتصب للحقوق ، فمثلما تتمتع دول المقاومة بالسلم في ظل سياسة توان الرعب ، فاسرائيل أيضاً ستحضي بنعيم هذا السلم ، وستعزز من هيمنتها وقضمها لما تبقى من أراض وحقوق .

وحيث أن صراع العرب والفلسطينين مع الكيان الصهيوني يختلف عن صراع روسيا مع أمريكا ، وحتى صراع الصين مع أمريكا ، صراعنا صراع وجود ، وصراعهم صراع مصالح ونفوذ ، وبعد أن أثبتت إسرائيل بالأدلة القاطعة ، وممارسات العقود السالفة إنها ليست في وارد القبول بوجود دولتين كحد أدنى ، وأنها لا تؤمن إلا بوجود دولة يهودية واحدة على أرض فلسطين المغتصبة ، وماتصرفات نتنياهو ، ومن سبقه ومن سيلحقه في ضم القدس والمستوطنات، وإقراره بأنهم سيبقون في الخليل إلى الأبد ، وإعلانه مؤخراً عن نيته في ضم غور الأدرن ، وكامل التصرفات الصهيونية التي أثبتت بالدليل القاطع جوهر الخديعة التي أسهم العالم في دفع الفلسطينين إليها ، وليس فقط حلفاء إسرائيل، بعد تعرية ما سمي ( بالعملية السلمية) والتي ماهي في الجوهر سوى عملية مبرمجه بذكاء لسلب الفلسطينين ما تبقى من حقوقهم، وتسويق إسرائيل كشريك لا غنى عنه لأبناء المنطقة ، أي لجعل التربة صالحة تماماً للنبت الشيطاني ، أصبحت طبيعة الصراع بين الفلسطينين والعرب وحلفائهم من جهة ، ودولة الكيان الصهيوني وحلفائه من جهة ، واضحة تماماً ، تستلزم واحد من إثنين ، إما القضاء على المقاومة والمقاومين ، ومحو القضية الفلسطينية كلياً ، وإلى الأبد ،  وإما القضاء على الكيان المغتصب ، وإعادة الحق لأصحابه ، وحيث أن إسرائيل كما تقول وجدت لتبقى وتتمدد، فإنها ستعمل على كسر التوازن لمصلحتها ، وحيث أن العرب والفلسطينين يرون أن لابديل عن الدولة الفلسطينية ، فإنهم سيعملون على كسر التوازن لمصالحتهم .

توازن الرعب دولياً يفسح المجال للمستضعفين كي يتحركوا نسبياً ، ويمنع حدوث حروب كونية جديدة ، وتوازن الرعب بين الفلسطينين وإسرائيل إذا لم يكن مرحلياً ، فإنه يؤبد الوجود الإسرائيلي ، وإستمرار الاحتلال ، وإدامة معاناة الشعب الفلسطيني ، لذا فالمطلوب بعد تحقيق "توازن الرعب " وهو إنجاز كبير بكل المقاييس أن يُعمل منذ الآن ، وإلى أمد لا ينبغي أن يكون طويلاً ، على كسر هذا التوازن ، ولمصلحة المقاومة والمقاومين ، وهذا هو طريق إنصاف فلسطين والفلسطينين ، وإحقاق الحق في عالم إستمرأ غمط حقوق الضعفاء .


No comments:

Post a Comment