عبد الناصر سلامة
للتاريخ، ولمبارك، وللمغيبين أيضاً
—————————————-
حكى لي الرئيس مبارك في وجود شهود عيان أحياء، أن ميليس زيناوي رئيس وزراء إثيوبيا آنذاك جاء لمقابلته، في وجود اللواء الراحل عمر سليمان، وقت أن كان مديراً للمخابرات العامة، وقال: ياريس عايزين نعمل مشروع الكهرباء، في إشارة إلى سد النهضة، حيث كان يطلقون عليه ذلك، على أساس أن الهدف من المشروع هو توليد الكهرباء.
رد الرئيس مبارك قائلاً: روح اعمل ياخويا، هو انت خطتك إيه ياعمر في التعامل مع الموضوع ده؟، رد عمر سليمان على الفور: ها نضربه ياريس، هانقصفه فوراً، فوجه الرئيس كلامه إلى زيناوي قائلاً: شُفت، موضوعك مع عمر مش معايا، روح اعمل بقى، فما كان من زيناوي إلا أن صرف نظر عن الموضوع طيلة حكم مبارك.
الغريب، إن اتفاق اثيوبيا مع إسرائيل على بناء حائط صورايخ أو منظومة صواريخ (سبايدر. إم. آر) حول السد، لم يكن بين ليلة وضحاها، وإنما منذ ثلاثة أعوام تقريباً، كما أن نصب الصواريخ لم يتم أيضاً في ليلة وضحاها، وإنما بدأ منذ مايو الماضي، وانتهى قبل عدة أيام، وهو ما جعل إثيوبيا تحل نفسها فوراً من أي اتفاقيات مع مصر، وكأنها كانت تخدعنا طوال فترة المفاوضات على مدى ستة أعوام، واكتفينا بموقف ضاحك حينما طلبنا من رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد علي، أن يردد، قول ورايا: والله العظيم ما هضُر مصر!!، والآن اكتفينا بالشكوى لجامعة الدول العربية!.
ولن ننسى أيضاً أن اتفاق إعلان المبادئ الذي وقعه الرئيس عبدالفتاح السيسي مع كل من إثيوبيا والسودان، كان فضفاضاً، لم ينص فيه على أي حق لمصر في مياه النيل، أو بمعنى أدق، لم ينص فيه على أي حصة لمصر، وهي التي كانت محددة في اتفاقيات سابقة بـ٥٥ مليار متر مكعب، أضف إلى ذلك ٢٥ ملياراً أخرى كانت تصلنا من فائض حصة السودان، بإجمالي ٨٠ مليار متر مكعب.
كما لا يجب أن ننسى أن توقيع هذا الاتفاق من جانب مصر، هو الذي جعل إثيوبيا تجول وتصول في المنطقة والعالم، ولدى صندوق النقد والبنك الدوليين طلباً للدعم المالي للسد، وقد تحقق غرضها، ذلك أن مصر قبل التوقيع كانت تقف حائلاً أمام أي تعاون دولي مع المشروع، وخصوصاً فيما يتعلق بموقف الصين التي سارعت هي الأخرى إلى الدعم مالياً وفنياً، وقد ثبت فيما بعد أن تعاوناً سعودياً- إماراتياً مع إثيوبيا كان يسبق كل ذلك.
ونذكر هنا، أن مصر في ٢٣ إبريل ٢٠١٤ (أي قبل تولي الرئيس السيسي بنحو شهر تقريباً) استطاعت استصدار قرار أوروبي روسي صيني، بالاشتراك مع البنك الدولي، بوقف تمويل سد النهضة، ووقف القروض التي كانت ستحصل عليها إثيوبيا من كل من الصين وإيطاليا وغيرها، بهدف إقامة سدود على النيل، إلا أن مصر فاجأت العالم في ٢٣ مارس ٢٠١٥ بتوقيع اتفاق إعلان المبادئ، ملغية بذلك اتفاقية ١٩٠٢ التي كانت تمنع كل دول حوض النيل من إقامة أي سدود على النيل إلا بموافقة مصر والسودان، وقال الرئيس السيسي وقتها، إن لإثيوبيا الحق في عمل نهضة شاملة لشعبها، وأن إقامة سدود لإنتاج الكهرباء ضرورة لهذه النهضة.
الغريب أن المتحدث باسم الحكومة الإثيوبية خرج ذات يوم ببيان يدعو فيه الشعب المصري إلى التريث، باعتباره شعباً صديقاً، وإثيوبيا تحرص على صداقته، على حد البيان، الذي أضاف: أن إثيوبيا تنفذ ماتم الاتفاق عليه مع الرئيس السيسي، وما ورد في اتفاق إعلان المبادئ، مطالباً الدولة المصرية بنشر نص الاتفاق أمام الشعب حتى يعرف المصريون الحقيقة، وأذكر وقتها أنني كتبت مقالاً في المصري اليوم، استنكرت فيه هذا الكلام، وطالبت بالرد فوراً على هذا الرجل، إلا أن أحداً لم يفعل.
الأسئلة التي تطرح نفسها، هل يتفق كل هذا مع ما سمعناه من أن الشعب هو الذي تسبب في بدء بناء السد، وأين كان المجلس العسكري الذي كان يحكم مصر في عام ٢٠١١ وقت أن قررت إثيوبيا البدء في بناء السد، ومن الذي كان يحكم مصر في عام ٢٠١٤ حينما بدأت الخطوات التنفيذية الجدية، وما هو الإجراء المصري في مواجهة إسرائيل التي سوف تدير السد فعلياً وتحميه عسكرياً، وما هو هدف إسرائيل من التواجد العسكري في هذه المنطقة، مع الإعلان عن إقامة مملكة على الشريط الحدودي بين مصر والسودان، أراها بمثابة إسرائيل أخرى في المنطقة؟!
أعتقد أن الحالة الراهنة لا تحتمل التبرير تلو الآخر في وجود خطر على أرض الواقع، سوف يتفاقم بمجرد بدء ملء خزان السد، مما يتطلب التعامل الفوري معه بكل الطرق والوسائل، وليس باللجوء لجامعة الدول العربية، ذلك أن القانون الدولي يدعم مصر في هذا الصدد.
للتاريخ، ولمبارك، وللمغيبين أيضاً
—————————————-
حكى لي الرئيس مبارك في وجود شهود عيان أحياء، أن ميليس زيناوي رئيس وزراء إثيوبيا آنذاك جاء لمقابلته، في وجود اللواء الراحل عمر سليمان، وقت أن كان مديراً للمخابرات العامة، وقال: ياريس عايزين نعمل مشروع الكهرباء، في إشارة إلى سد النهضة، حيث كان يطلقون عليه ذلك، على أساس أن الهدف من المشروع هو توليد الكهرباء.
رد الرئيس مبارك قائلاً: روح اعمل ياخويا، هو انت خطتك إيه ياعمر في التعامل مع الموضوع ده؟، رد عمر سليمان على الفور: ها نضربه ياريس، هانقصفه فوراً، فوجه الرئيس كلامه إلى زيناوي قائلاً: شُفت، موضوعك مع عمر مش معايا، روح اعمل بقى، فما كان من زيناوي إلا أن صرف نظر عن الموضوع طيلة حكم مبارك.
الغريب، إن اتفاق اثيوبيا مع إسرائيل على بناء حائط صورايخ أو منظومة صواريخ (سبايدر. إم. آر) حول السد، لم يكن بين ليلة وضحاها، وإنما منذ ثلاثة أعوام تقريباً، كما أن نصب الصواريخ لم يتم أيضاً في ليلة وضحاها، وإنما بدأ منذ مايو الماضي، وانتهى قبل عدة أيام، وهو ما جعل إثيوبيا تحل نفسها فوراً من أي اتفاقيات مع مصر، وكأنها كانت تخدعنا طوال فترة المفاوضات على مدى ستة أعوام، واكتفينا بموقف ضاحك حينما طلبنا من رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد علي، أن يردد، قول ورايا: والله العظيم ما هضُر مصر!!، والآن اكتفينا بالشكوى لجامعة الدول العربية!.
ولن ننسى أيضاً أن اتفاق إعلان المبادئ الذي وقعه الرئيس عبدالفتاح السيسي مع كل من إثيوبيا والسودان، كان فضفاضاً، لم ينص فيه على أي حق لمصر في مياه النيل، أو بمعنى أدق، لم ينص فيه على أي حصة لمصر، وهي التي كانت محددة في اتفاقيات سابقة بـ٥٥ مليار متر مكعب، أضف إلى ذلك ٢٥ ملياراً أخرى كانت تصلنا من فائض حصة السودان، بإجمالي ٨٠ مليار متر مكعب.
كما لا يجب أن ننسى أن توقيع هذا الاتفاق من جانب مصر، هو الذي جعل إثيوبيا تجول وتصول في المنطقة والعالم، ولدى صندوق النقد والبنك الدوليين طلباً للدعم المالي للسد، وقد تحقق غرضها، ذلك أن مصر قبل التوقيع كانت تقف حائلاً أمام أي تعاون دولي مع المشروع، وخصوصاً فيما يتعلق بموقف الصين التي سارعت هي الأخرى إلى الدعم مالياً وفنياً، وقد ثبت فيما بعد أن تعاوناً سعودياً- إماراتياً مع إثيوبيا كان يسبق كل ذلك.
ونذكر هنا، أن مصر في ٢٣ إبريل ٢٠١٤ (أي قبل تولي الرئيس السيسي بنحو شهر تقريباً) استطاعت استصدار قرار أوروبي روسي صيني، بالاشتراك مع البنك الدولي، بوقف تمويل سد النهضة، ووقف القروض التي كانت ستحصل عليها إثيوبيا من كل من الصين وإيطاليا وغيرها، بهدف إقامة سدود على النيل، إلا أن مصر فاجأت العالم في ٢٣ مارس ٢٠١٥ بتوقيع اتفاق إعلان المبادئ، ملغية بذلك اتفاقية ١٩٠٢ التي كانت تمنع كل دول حوض النيل من إقامة أي سدود على النيل إلا بموافقة مصر والسودان، وقال الرئيس السيسي وقتها، إن لإثيوبيا الحق في عمل نهضة شاملة لشعبها، وأن إقامة سدود لإنتاج الكهرباء ضرورة لهذه النهضة.
الغريب أن المتحدث باسم الحكومة الإثيوبية خرج ذات يوم ببيان يدعو فيه الشعب المصري إلى التريث، باعتباره شعباً صديقاً، وإثيوبيا تحرص على صداقته، على حد البيان، الذي أضاف: أن إثيوبيا تنفذ ماتم الاتفاق عليه مع الرئيس السيسي، وما ورد في اتفاق إعلان المبادئ، مطالباً الدولة المصرية بنشر نص الاتفاق أمام الشعب حتى يعرف المصريون الحقيقة، وأذكر وقتها أنني كتبت مقالاً في المصري اليوم، استنكرت فيه هذا الكلام، وطالبت بالرد فوراً على هذا الرجل، إلا أن أحداً لم يفعل.
الأسئلة التي تطرح نفسها، هل يتفق كل هذا مع ما سمعناه من أن الشعب هو الذي تسبب في بدء بناء السد، وأين كان المجلس العسكري الذي كان يحكم مصر في عام ٢٠١١ وقت أن قررت إثيوبيا البدء في بناء السد، ومن الذي كان يحكم مصر في عام ٢٠١٤ حينما بدأت الخطوات التنفيذية الجدية، وما هو الإجراء المصري في مواجهة إسرائيل التي سوف تدير السد فعلياً وتحميه عسكرياً، وما هو هدف إسرائيل من التواجد العسكري في هذه المنطقة، مع الإعلان عن إقامة مملكة على الشريط الحدودي بين مصر والسودان، أراها بمثابة إسرائيل أخرى في المنطقة؟!
أعتقد أن الحالة الراهنة لا تحتمل التبرير تلو الآخر في وجود خطر على أرض الواقع، سوف يتفاقم بمجرد بدء ملء خزان السد، مما يتطلب التعامل الفوري معه بكل الطرق والوسائل، وليس باللجوء لجامعة الدول العربية، ذلك أن القانون الدولي يدعم مصر في هذا الصدد.
No comments:
Post a Comment