Wednesday 25 July 2012

{الفكر القومي العربي} احتدام العدوان السباعي علي الوطن السوري وضرورة الصمود والمؤازرة



 
 
 
 

 
 
احتدام العدوان السباعي علي الوطن السوري وضرورة الصمود والمؤازرة
أ.د. محمد أشرف البيومي
أستاذ الكيمياء الفيزيائية بجامعتي الإسكندرية وولاية ميشيجان سابقاً
يوليو 2012
كان واضحا منذ البداية للكثير من المهتمين بالشان العربي القومي حقيقة مايدور في سوريا ومدي خطورة ما يتعرض له الوطن السوري من قبل المتربصين به. فكنا ندرك أن سوريا تشكل عقبة كأداء في وجه استكمال الهيمنة الغربية علي الوطن العربي. فمنذ عدة سنوات وتحديدا منذ 2003 وقوي الهيمنة تعلن أن سوريا هي المحطة التالية بعد العراق. وبدأ ت المؤامرة لاسقاط النظام ليس من أجل الديمقراطية أوالرخاء للشعب السوري كما يزعمون وإنما لإزالة نظام رفض الإملاءات الإمبريالية بالتوقيع علي معاهدة "سلام" مع الكيان الصهيوني، والاخضاع الكامل للإقتصاد السوري لما يسمي باقتصاد السوق. وكان واضحا أيضا لأسباب عديدة أن قوي الهيمنة تستخدم وسيلة الحرب بالوكالة بعد أن تلقنت خسائر جسيمة في احتلالها للعراق. كنا ولا زلنا نؤيد ممانعة النظام السوري وعدم رضوخه للإملاءات الأجنبية وهي الأسباب الحقيقية لاستهدافه ومحاولة إسقاطه. وفي نفس الوقت لم نغض الطرف عن ممارسات خاطئة متعلقة بالقمع السياسي وتراجع في العدالة الاقتصادية؛ وكان لهذه العوامل تاثير سلبي علي مدي صلابة الجبهة الداخلية كما أثبتت الأحداث، بل كنا كثيرا ما نحذر من عواقب تلك الممارسات. ولأن تأييدنا للمواقف القومية لم يكن علي اساس انتماء حزبي أو طائفي الذي كثيرا ما جعل بعض المثقفين يمتنعون عن أي نقد او المطالبة بضرورة تغيير سياسات خاطئة. كان اهتمامنا بسوريا منبثقا من كونها المعقل الأخير للممانعة والتمسك بالاستقلال الوطني ولاحتضانها للمقاومة الفلسطينية واللبنانية والعراقية. فكنا نؤيد هذه المواقف للدولة السورية وفي نفس الوقت كنا نطالب بإصلاحات جذرية تنبذ الهيمنة البوليسية، وضرورة التثقيف الواسع للشباب حتي لا يقعوا فريسة للتيارات المغرضة التي تخدعهم باسم الدين. كذلك كنا نطالب بتغيير التوجه الاقتصادي الذي أدي إلي ظهور طبقة مفرطة في الثراء علي حساب الملايين من فقراء الشعب. واعتبرنا هذه الاصلاحات ضرورية في مجتمع يتطلع للمساواة والعدل والحرية. فهذا أيضاً ضروري حتي تكون الجبهة الداخلية قوية في وجه الاختراق الأجنبي.
لم نحتاج لقدر كبير من الذكاء او المعرفة حتي نري المخاطر التي لا شك قادمة ولكننا كنا نري الأمور بنظرة كلية شاملة تأخذ في الحسبان دروس التاريخ القريب والبعيد وتعرف نوايا الاعداء واهدافهم المعلنة ولم ننسي ما كرروه مرارا منذ سنوات قليلة بضرورة القضاء علي النظام السوري وتفتيت سوريا وتفكيك جيشها الوطني بعد احتلال العراق واحتواء مصر "الجائزة الكبري" علي حسب تعبيرهم.
وهناك ممن يسمون انفسهم بقوميين او يساريين او ناصريين يركزون فقط علي ممارسات النظام السوري القمعية مهما كانت صحيحة وربما يستخدمونها كذريعة لتبرير مواقفهم. لا شك أن البعض انجرف تحت تأثير هجمات إعلامية مغرضة وغير مسبوقة وشكلو آرائهم اعتمادا علي انطباعات وليس بإعمال المنطق والاعتماد علي حقائق موضوعية وتقارير ودراسات عديدة من أطراف متعددة وهي متاحة للجادين و لمن يريد تكوين رأي علي أساس علمي . ولأننا في عصر الضحالة الثقافية وعدم الاستناد إلي المعرفة ذات الأبعاد التاريخية والاستراتيجية، وهيمنة إعلامية مرئية، فليس من الغريب أن يقع البعض فريسة للدعايات والمقولات والمصطلحات المغرضة. البعض  ينسي او يتناسي الصورة الكلية وكيف ان سوريا تتعرض لهجمة شرسة من قبل الثلاثي البغيض: الصهيونية والرجعية العربية والامبريالية الذي كان جمال عبد الناصر يواجهه بحزم. رأينا بعض الشيوعيون العراقيون والإخوان المسلمين بالعراق ينضمون لحكومة الإحتلال في وطنهم ورأينا عبد الجليل يرفع يداه المتشابكتان مع ساركوزي الرئيس الفرنسي السابق وكامرون رئيس وزراء بريطانيا، يعلنون الانتصار بليبيا كما قرأنا وشاهدنا صورا للأمير فيصل منتصرا في صحبة جنود الإحتلال وعميل المخابرات الإنجليزية الملقب بلورانس العرب. اختلطت الصورة في عقول بعض المثقفين وأصبحوا عمليا وأحيانا واقعيا وجسديا في صحبة قوي الهيمنة الغربية و الرجعية العربية وزعماء صهاينة مثل برنارد هنري ليفي. لماذا نري هذا التسابق علي مقابلة المسئولين الأمريكيين والأوروبيين من قبل من أسموا أنفسهم بالنخبة؟ لماذا تتهاتف شخصيات ليست لها صفة رسمية علي التعامل مع السفارة الأمريكية بمصر ومقابلة مسئولين أمريكيين ضالعين في تأييدهم لإسرائيل وفي العدوان الأمريكي والحصار علي العراق في إطار حملة "الصدمة والترويع"؟ لماذا يستقبل معارض ناصري سوري السفير الأمريكي المعتدي؟ وكيف نفسر مواقفهم التي تتطابق مع "أصدقاء سوريا" أمثال برنارد هنري ليفي وغليون وقدماني وآخرون من الذين يدفعون في اتجاه العدوان العسكري علي وطنهم تحت البند السابع. ومنذ متي أصبحت الحكومات الأمريكية والأوروبية وحلف الناتو وتركيا (العضو بالناتو) والكيان الصهيوني وأمراء قطر وعائلة سعود التي حكمت الجزيرة العربية ثمانون عاما، مدافعين عن الحريات في الجزيرة العربية أو في مصر أو في تونس أوفي غيرها من الدول العربية؟ بل أن الجامعة العربية أصبحت في الواقع منذ إخضاعها لنفوذ الثروة البترولية العربية أداة لتنفيذ المشروع الشرق آوسطي الذي لا يخدم إلا قوي الهيمنة الغربية والكيان الصهيوني. وحتي نكون دقيقين فإن الشخصيات التي ترفع العنوان الناصري أو القومي أو اليساري وفي نفس الوقت تردد مقولة المعتدين والمتآمرين علي سوريا هم لا علاقة لهم بالعناوين التي يرفعونها. فلا قيمة لعناوين وشعارات جذابة ما لم  يصاحبها دائما مواقف متناسقة معها. فقد أصبحوا في واقع الأمر ليبراليون جدد بإسقاطهم أو إهمالهم للقضايا الوطنية والقومية وتركيزهم فقط علي ديمقراطية زائفة مختزلة في صندوق الانتخاب فلا نندهش عندما نري ناصريون مصريون يشاركون الإخوان المسلمين في قوائمهم الانتخابية لدخول حفنة منهم مجلس الشعب و من المؤسف أن لجنة الشئون العربية بهذا المجلس،والتي يرؤسها أحد هؤلاء الناصريين طالبت بسحب السفير المصري من سوريا. هذا لا يمنعهم من الاحتفال بذكري عبد الناصر أو يوليو52 وإلقاء الخطب حول الناصرية. نعم أصبحت "النخبة" بأطيافها المتعددة نخبة نيوليبرالية وبوعي أو بدونه أصبحت سندا للمخططات الإمبريالية والصهيونية. بالطبع هناك ناصريون حقيقيون من أمثال الصحفي عادل الجوجري الذي وافته المنية وهو يدافع عن سوريا علي قناة عراقية وهناك أيضاً العديد من المثقفين العرب وورائهم الملايين من الشعب العربي ملتزمون بالقضايا القومية ولكن قلما يسمح لهم المشاركة في الإعلام الرسمي أو ينئون بأنفسهم بعيدا عن الإعلام المضلل مثل قنوات الجزيرة والعربية التي جندت إمكانياتها لإسقاط النظام من خلال التعبئة ضده و بث معلومات كثير منها كاذب ومضلل. في الواقع أن الذين يرفعون الشعارات الإسلامية أقل تناقضاً مع أنفسهم فهم يعلنون دوما أنهم أعداء الناصرية واليسار والقومية العربية وبالتالي فهم حلفاء طبيعيون لأعداء سوريا الحقيقيون فهم سويا يريدون تحطيم الوطن السوري لإقامة الدولة "الدينية" التابعة وليس لإقامة مجتمع الحرية والعدل الاجتماعي وبذلك يلتقون مع الثلاثي البغيض في أهدافهم.          
كما أن ممارساتنا السياسية عبر العقود الماضية من رفض اتفاقات كامب دافيد ووادي عربة وأوسلو  والنضال من أجل رفع الحصار علي العراق الذي أودي بحياة المئات من الألوف من الأطفال و الوقوف بحسم ضد دكتاتورية مبارك منذ الثمانينات والدفاع عن حقوق الإنسان في مصر والأمة العربية وإدانة المارسات الوحشية للكيان الصهيوني و رفض التطبيع أو الاعتراف به وتعرية الآثار المدمرة للانفتاح الاقتصادي بمصر ومعارضة الهيمنة البوليسية في سوريا والممارسات الاقتصادية التي أثرت القليل علي حساب مئات الألوف من السوريين تؤكد أنه لم يكن لنا طموحات شخصية ايا كان نوعها معنوية أو مادية وأن مواقفنا منبثقة من الإدراك الثابت بالمصير المشترك للأمة العربية ومن وضوح الرؤية حول من هم أعداء الأمة ومن هم أصدقاؤها الحقيقيون. ولذلك طرد بعضنا من جامعاتهم  واعتقل البعض وكبلت أياديهم ووضعت أسماؤهم في القوائم السوداء وحتي وجه للبعض منا اتهام بالعمالة لنظم عربية وكأن الأمة العربية تخلوا من أناس مخلصين  يتمسكون بمبادئهم . هذا  بالطبع لا يمكن أن يقارن بمن أفدوا أرواحهم في سبيل قضايا الحريات والقضايا القومية والاجتماعية. كنا دائما نربط بين القضايا، فالحريات والمسار الاقتصادي العادل والمستقل وتحرير الوطن من التبعية كلها قضايا متشابكة ولايمكن بأي حال من الأحوال فصلها عن بعض. كما أن ما يجري في مصر وفي العراق وسوريا هم مشترك ومن يفصله يعبر عن مفاهيم اختزالية بالإضافة عن عدم إدراك ونقص معرفي. كما أن التهديدات الحالية وتحليل الدماء والقوائم السوداء من قبل بعض من يرفع شعارات حرية الرأي في سوريا لا يمكن أن تثنينا عن مواقفنا المبدئية  المعتمدة علي المعرفة والتحليل الموضوعي والبعيد عن الأهواء.
 يذكرنا محاربون قدماء من ابطال اكتوبر 1973 بالدور البطولي للجيش السوري الوطني كما أن التاريخ يثبت مرارا أننا أمة واحدة فاحتلال مصر من قبل نابليون دفع مواطن من حلب (سليمان الحلبي) أن يجيء لمصر ويقتل قائد الاحتلال الفرنسي الجنرال كليبر؛ والعدوان الثلاثي علي مصر 1956 دفع مناضلون سوريين بتفجير انابيب البترول بسوريا مما كانت له رمزية هائلة. فكيف يعيب علينا البعض اهتمامنا الكبير بسوريا في محنتها الآن وكأنه ليس من الممكن الاهتمام بالقضايا المصرية أو البحرانية أو العراقية وفي نفس الوقت أن نضع نصب أعيننا علي ما تتعرض له سوريا من عدوان خطير.إننا نرفض دائما منهج التجزيء والاختزال الذي لا يخدم إلا قوي الهيمنة الداخلية والأجنبية.ومن المدهش أن قوي الهيمنة الأجنبية تتعامل مع الأمة العربية ككل بل أن مخططاتها تشمل العالم الثالث كله. إن من لا يدرك تداعيات نجاح المخطط الإمبريالي في سوريا علي مصير الأمة العربية كلها ،ولعدة عقود، فهو يجهل الأمور أو لا يهتم بها إلا سطحياً،أو مشارك ضمنيا مع العدوان تماما مثل من استعد لحكم مصر بعد توقعهم سقوط ناصر عام 56.
إن واجبنا الآن هو الوقوف بصلابة ودون تردد أوخشية في وجه العدوان السباعي الآثم علي سوريا والذي يمثل أكبر تهديد ليس لسوريا فقط وإنما للأمة العربية كلها كما يشكل ضربة موجعة للمستقبل الفلسطيني. ولا يقل خطرا عن احتلال العراق. إننا بصدد مرحلة جديدة من تفكيك وتفتيت الأمة العربية أكثر خظورة من مرحلة سايكس بيكو. ولنتسائل لمصلحة من محاولات تدمير وتفكيك الجيش الوطني السوري الذي يقوم بواجبه في حماية الوطن من متمردين يسلحهم ويمولهم أعداء الأمة العربية؟ وما هو واجب أي جيش وطني في مواجهة تمرد مسلح مدعوم أجنبياً؟
 إن التأييد المعنوي له أهميته رغم أنه أضعف الإيمان. فلنعبر بكافة الوسائل عن تأييدنا للدولة وللوطن وللشعب السوري الذي يواجه الآن هذا الإعتداء الغاشم والمعلن صراحة والمخطط له منذ سنوات من قبل قوي الإمبريالية والصهيونية والرجعية العربية. ولنستمر في مناداتنا بتحقيق مطالب الحرية والكرامة والعدالة الاقتصادية مع تمسكنا الشديد باستقلال وحرية الوطن العربي، فلنتذكر أنه لا حرية لمواطن في وطن غير حر أو مسلوب الإرادة أو منتقص السيادة.


No comments:

Post a Comment