Friday 27 July 2012

{الفكر القومي العربي} الباحثون الغربيون وديانة العرب في الجاهلية


الباحثون الغربيون وديانة العرب في الجاهلية

(يصدر خلال أيام قليلة عن دار الأهلية بعمان كتابي: "ديانة مكة في الجاهلية: الحمس والطلس والحلة". وهذه مقتطفات من مقدمته- زكريا محمد)

من الصعب على الباحثين الغربيين، أو المستشرقين إذا أردت، أن يصلوا إلى فهم معقول لديانة الجاهلية، رغم كل جهودهم. ربما يتمكنون، بسبب تربيتهم البحثية الصارمة، أن يضعوا التصانيف المنضبطة، لكنهم لن يتمكنوا، في أغلب الظن، من العثور على جوهر الديانة الجاهلية. فَإضافة إلى الفرضية الغريبة التي تعلق بها أغلبهم، والتي تقول أن العرب تعبدوا لثالوث مكون من الشمس والقمر والزهرة، والتي تزيد من تشوش فهمهم، فهناك أمران يمنعانهم من التقدم نحو هذا الفهم:
الأول: اقتناعهم الكامل أن القرآن ليس إلا نتاجا ثانويا للعهدين القديم والجديد. أي أن الإسلام ذاته مجرد نسخة محرفة لهذين العهدين. وهذه في الواقع قناعة الغالبية الساحقة، بدءا من الرصينين مثل نولدكه: (يستطيع المرء أن يستخلص من كل ذلك أن الإسلام، في جوهره، دين يقتفي آثار المسيحية، أو بعبارة أخرى أن الإسلام هو الصيغة التي دخلت بها المسيحية إلى بلاد العرب كلها) (نولدكه، تيودور تاريخ القرآن، 2004، ص 8)، وانتهاء بفليكوفسكي المتعصب المهووس: (لم يكن محمد... يعرف سوى ما سمعه- بصورة عشوائية- على بوابات مدارس أحبار اليهود في المدينة. وكان هذا مختلطا في عقله) (فليكوفسكي، البشرية تفقد الذاكرة، 2003، ص 129).
الثاني: التشوش المركزي الذي تعاني منه الثقافة الغربية عموما، والنابع من تشوش أصلي في الثقافة اليونانية- الرومانية، بشأن الديانات القديمة. فهذه الثقافة خلطت، ولسبب يجب البحث عنه، بين وجهي الإله الذكر، أي بين وجهي الكون الصيفي والشتوي، الفيضي وغير الفيضي، الخمري والقمحي. هذان الوجهان يمثلهما أصلا ديونيسوس وباخوس. أي أن ديونيسوس يقف في مواجهة باخوس. لكن هذه الثقافة أدخلت باخوس في ديونيسوس ودمجته فيه، بحيث أصبحا شيئا واحدا. يصير الخمر (ديونيسوس) والخبز (باخوس) أمرا واحدا. ومن هذه النقطة يستحيل التقدم إلى الأمام في معرفة أديان المنطقة، أي في الواقع ديانة إيزيس وأوزيريس. فهذه الديانة هي ديانة المنطقة، مع تغيير في الأسماء هنا وهناك.
بناء على هذا، فالدعم الذي يقدمه الباحثون الغربيون في مجال ديانة الجاهلية، وعلاقتها بالإسلام، دعم قليل، ويتعلق بالجزئيات لا بالصورة العامة. في الصورة العامة كانت أبحاث المستشرقين عامل تشويش وإحباط لا عامل دفع ودعم للبحث العربي في ديانات ما قبل الإسلام.
لكن المهم ليس ما يقوله الباحثون الغربيون، والتعليق عليه، بل ما نقوله نحن. دحض الاستشراق القديم والحديث يكون بإنتاج معرفة مضادة لمعرفته بالعصر الجاهلي، أي بإنتاج معرفة حقيقية. يجب عن أن نكف عن التذمر مما يصنعه الباحثون الغربيون، وأن نكف عن (فضح) دوافعهم غير البريئة. لقد انتهت ضرورة مثل هذا الجهد، وأصبح تكراره مملا. ما نحن بحاجة إليه هو معرفة تتجاوز معرفة هؤلاء الباحثين. واعتقادنا أن هذا الكتاب يتقدم خطوة نحو هذا الهدف.

No comments:

Post a Comment