إلى أين نحن سائرون؟
صباح علي الشاهر
يسار تأمرك، وبعثيون تنقشبندوا ، وقوميون وحدويون تحولوا إلى دعاة أقاليم شرسين، فجأة صحى الجميع، الناصريون والماركسيون والليبراليون، الوطنيون والكوموسبولتيون، الإسلاميون واللادينون، الموالون للغرب وأعدائه، عشاق أمريكا ومن لا يشتريها ببعرة، فإذا بهم سنه نواصب، وشيعة روافض، ولا شيء سوى هذا، أسود أو أبيض، ولا شيء رمادي، ولا بين بين، لم نعد مسلمين، ولا عرب، ولا عراقيين، ولا مواطنين من أي بلد عربي، ولا نبتعد عن الحقيقية إذا قلنا لم يعد بعضنا بنظر بعض من جنس البشر، علينا تحل اللعنة التي سيتبعها القلع من الجذور.
أصبح الشيوعي يتحاشى ذكر ماركس وأنجلس، أما لينين فأصبح مما يُستحسن عدم التطرق إلية، أما ستالين فأصبح سُبة، واليسار نسى أو تناسى رموزه اليسارية العربية، فمن يتذكر سلامة موسى، أو حسين مروة، أو مهدي عامل، وأنزوت رموز اليسار العالمية في الزوايا المُعتمة، بات كاسترو عجوزاً مُخرفاُ، وجيفارا مُغامراً منسياً، وبعد أن كانت كوبا جزيرة الحرية، باتت موطن ديناصور العصر المُستبد، لم يعد أحد يهتم بمن تجاوزه الزمن، حتى سارتر وأضرابه، لقد بات البعض مشغولاً بالنبش في الماضي، وإلباس شخوصه الموغلة في القدم لبوس الحاضر، ورغم أن الصورة ليست مما يناسب الإطار، إلا أن المرحلة تستلزم زاداً كهذا، ومن يعمل عكس هذا يبور زاده، وعبثاً تبحث عن يساري في هذا الزمن، فمهما بحثت فإنك بالمحصلة سوف لن تجد سوى سني أموي، أو شيعي رافضي، بإستثناء قلة مُهمشة، دفعت قسراً إلى الزايا المعتمة ، وأضحت برغمهما عديمة الفاعلية .
دلوني على حزب يساري، منظمة يسارية، مؤسسة يسارية، قناة تلفزيونية يسارية، جريدة يسارية، مجلة يسارية، ناد يساري، يسار بالمعنى اليساري، معاد للإمبريالية والإستغلال والرجعية، ساع للعدالة الإجتماعية، لا يسار بأمرة رأسمالي مهادن للطغاة، أو سابح في نعيم أشد الأنظمة تخلفاً وهمجية .
أما الناصري فقد أضحى ناصره اليوم شيوخ النفط، والملكيات التي تعيش خارج العصر، بات همه نصرة العروبة بقيادة أعداء العروبة، بمواجهة خصوم مُفترضين، فبركوا على نار هادئة، أما القلة القليلة المتبقية ممن لا زالوا يحملون الراية فقد حُشروا في نطاق ضيق، وأجبروا على أن يكونوا مبررين لمرحلة بدل من أن يواصلوا مهمتهم في تعميق وتطوير الرؤية التي زكتها الأحداث .
من يرى أني أتجنى على من أحب وأحترم فعليه متابعة خطابات الأكثرية الساحقة من القوميين والناصريين، وبعدها عليه أن يحكم لي أم عليّ .
أما "الإسلاميين"، وبتعبير أدق "المتأسلمين"، بكل صنوفهم، من السنة والشيعة، فيبدو أنهم بعد أن إستبعدوا قروناً عن الحكم، صحوا على لذة الحكم، فنسوا دينهم، وإستقبلوا دنياهم، فتفوقوا على غيرهم ليس في الإستبداد فقط، وإنما في الإستئثار والنهب والفساد، بحيث أصبحوا بذاتهم حكاية عجب، فاقت ما عداها، وستكون السبب الأرأس في إبعادهم عن الحكم بقرار شعبي أبدي لا إسئناف له .
لقد أضحينا جميعاً أحفاد هند بنت عتبة ماضغة الأكباد، ولا أدري كيف يصبح الشركسي والتركي والقفقاسي، وذاك الذي لاتربطه صلة بجزيرة العرب من أحفاد هند بنت عتبة، أو شعوبيين، صفويين، فرس، مجوس، ولا أدري كيف يصبح التميمي، والكعبي، والطائي والشمري، والربيعي، واللامي، والعنزي، وكل من هم سنام العرب، شعوبين أعداء العروبة، وفرس مجوس!
أي هبل هذا الذي أصبحنا فيه؟!
No comments:
Post a Comment