فى نَعْى فريد إسماعيل .. الإنسان قبل الإخوان
بقلم المهندس/ يحيى حسين عبد الهادى
(الوطن 19/5/2015)
أنعى لكم الصديق العزيز الدكتور/ فريد إسماعيل الذى وافته المَنِيّةُ منذ عدة أيامٍ .. كان واحداً من أولئك الذين قد تختلف معهم ومع قناعاتهم السياسية، ولكن لا يُمكن لِمُنصفٍ ممن تعاملوا معه أن يختلف على دماثة خُلُقِه وفِطرته النقيّة وشجاعته التلقائية فى الدفاع عما يعتقد أنه حَق .. بَدَأت معرفتى به فى السنوات الأخيرة لمُبارك من خلال حركة (لا لبيع مصر) .. وكان فريد واحداً من قيادييها .. أعرب لنا عن رغبته فى استغلال عضويته فى مجلس الشعب فى تقديم استجوابٍ عن فضائح الخصخصة .. حاول البعضُ إثناءه عن بَذْلِ مجهودٍ فى استجوابٍ لا نتيجة له .. لكن فريداً أصّر على أن يفعل الواجب بِغَضّ النظر عن النتيجة .. أَعددتُ له ملّفاً كاملاً عن كوارث الخصخصة فَقَدّمه فى صورة استجوابٍ شهيرٍ ودافع عنه بصلابةٍ دَفَعت رئيسَ المجلس إلى التعجيل بمقولته الخالدة (جاءنى طلبٌ من عشرين عضواً بالانتقال إلى جدول الأعمال .. موافقة؟ .. موافقة!) .. ومِن المُفارقات المُثيرة للأسى بعد مرور خمس سنواتٍ على الاستجواب أن يفلت مجرمو الخصخصة من أى مُحاسبةٍ أو عقابٍ، ويعود الأمل للعشرين نائباً إيّاهم للعودة للبرلمان القادم، ويموت فريد إسماعيل فى مَحبَسِه!.
كان ممن يفصلون بين الخلاف السياسى مع إدارة المجلس العسكرى بعد ثورة يناير وبين واجب المحبة والدعم لجيش مصر .. وهو موقفٌ وطنىٌ يستحق الإشادة لا الإدانة، وهو ما لم يفهمه بعض المُرجفين وقتها وهاجمه بسببه آخرون بعد وفاته فى الأسبوع الماضى دون اعتبارٍ لِحُرمة الموت، فى غِلظةٌ لا يُعادلها إلا مُتاجرة البعض الآخر بحَدَث الموت.
عندما تَوَلّت جماعتُه السُلطة كان فريدٌ مِن أولئك الذين تَعَففوا عن المغانم ولم يفُزْ بمنصبٍ من المناصب التي فاز بها غيرُهُ وتنازَعَ عليها آخرون .. اختلِفْ مع قناعات فريد إسماعيل كيفما شِئتَ، ولكن عليك أن تنحنى احتراماً لرجلٍ لم يتكسب من قناعاته بل على العكس دَفَع ثمناً لانتمائه لها فيما بعد.
اعتَدتُ ألاّ أُجادلَ فى أحكام القضاء، لا سيما والرجل الآن بين يدى قاضى السماء الذى هو أرحَمُ من قُضاة الأرض .. كما أننى ممن يُصَدّقون البيانات الرسمية إلى أن يثبت العكس، ولا أعتقدُ أن أحداً تَعَمّد إماتته، إذ ليس من مصلحة الداخلية أن يموت لديها سجينٌ فتجلبُ لنفسها الشكوك والاتهامات، وبالتالى فأنا أُصَدّقُ أن الفقيد كان مريضاً وتُوفّىَ فى مستشفى المنيل الجامعى، ولكن البيان الرسمى لم يكشف لنا ما حَدَث قبل ذلك ولم يَنْفِ ما قالته أُسرتُه من أنه أُصيب بغيبوبةٍ فى حَبْسِه الانفرادى بسجن العقرب وتَأخّر إسعافه بسبب الإجراءات، ونُقِل بسيارة إسعافٍ وهو فى غيبوبةٍ كاملةٍ إلى سجن الزقازيق العمومى ليحضر جلسةً له بمحكمة جنايات بلبيس ولمّا تَبَيّن استحالة حضوره المحكمة بهذه الحالة تم نقله إلى مستشفى سجن طُرَة ومنها إلى مستشفى المنيل الجامعى حيث صَعَدَت روحُه إلى بارئها.. إذا صَحّت هذه الرواية المُخزية فلن يعيب الداخلية أن تُحاسب المُهملَ .. وأُناشدُ الأصدقاء فى المجلس القومى لحقوق الإنسان (ومُعظمُهم كانوا سُجَنَاء فى يومٍ ما) أن يتحققوا من حقيقة ما حَدَث، ليس لعقاب المُخطئين فقط، وإنما لتطهير الإجراءات من كل ما من شأنه تكرار هذا الفِعل، ففريد إسماعيل إنسانٌ قبل أن يكون إخواناً .. والدستور والقانون يضمنان للسجين أَيّاً كان انتماؤه، بل وأَيّاً كانت جريمته، كامل الحقوق الإنسانية ومِن بينها حقُ الرعاية الصحية الكريمة.
رَحم الله الدكتور فريد إسماعيل وغَفَرَ له وجَعَلَه فى ظِلِّه يومَ لا ظِلّ إلا ظِلُّه .. وألهَم آلَه الصبر.
No comments:
Post a Comment