Wednesday, 15 February 2017

{الفكر القومي العربي} يحيى حسين: تعديل وزارى فى الغابة


تعديلٌ وزارىٌ فِى الغابة
بقلم المهندس/ يحيى حسين عبد الهادى
(البداية- الأربعاء 15 فبراير 2017)

يُحكَى أنّ أسَداً كان يَحكُم الغابةَ بِهَيْبَتِه التى لم يكتسبها بِقُوّته فقط، وإنما بِهالةٍ من الغموض حول حِكمَتِه أيضاً .. وبمرور الوقت ظَنّ الأسدُ أنّ رصيدَ الهَيْبَةِ أَبَدِىٌ لا يَنْفَدُ، فصارَ لا يَكْتَرِثُ باستشارة أُولِى الخبرةِ فى أمُور الغابة .. أو لَعَلّه كان يستشيرُ ثعلباً يُشيرُ عليه مُتَعَمِداً بما يَضُرُّه ويَخصِمُ مِنْ رصيدِه لدى الشعب، أو منافقاً لا يُسْمِعُه إلا ما يُطرِبُه غَيْرَ مُبَالٍ بالعواقِب .. وذات يومٍ مات الوزير، فهرعت الحيواناتُ إلى الأسد الملكِ تسألُه أن يُعَيِّنَ وزيراً .. ومَرَّت الأيام والأسابيع، والغابة في انتظار التعديل الوزاري .. والأسدُ غيرُ مكترثٍ بما يسرى في الغابة من قلقٍ واضطراب .. وإذا به يُفَاجئهُم بعد طول انتظارٍ بآخِرِ ما يُمكِنُ أن يتخيلوه .. تعيين الحِمارِ وزيراً .. تَلَقّى الشعبُ خَبَرَ التعديل الوزارى غَيرَ مُصَدِّقٍ، مُتسائلاً في دهشةٍ: الحمار؟! .. ماذا رَأَى فى الحِمار من مزايا ليستوزره في هذه المرحلة العصيبة من تاريخ الغابة؟! .. وعندما تأكدوا مِن صحةِ الخبر، انقلبت الدهشةُ إلى صدمةٍ .. ثم تَحَوّلَت الصَدْمةُ إلى سُخريةٍ .. وما هى إلا أسابيع قليلة حتى تَضَاءلَ رصيدُ الهيبة .. وصارت الحيوانات تلهو في حضرته بعد أن كانت تَهابُه على البُعد .. إلى أن أسَّرَ القردُ في أُذُنِه بالسبب وراء هذه المهزلة .. وأصبحت القصةُ تُضرَبُ مَثَلاً على عواقب سُوء الاستوزار.
وقد صَاغَ أميرُ الشعراء أحمد شوقى هذه القصةَ شِعراً فى قصيدةٍ بديعةٍ فى ديوانه للأطفال بعنوان (الأسد ووزيره الحمار)، أنقلها لكم لَعَلّ أحَداً يلتفتُ إليها فَيُضّمِنُها منهجَ اللغة العربية أو العلوم السياسية فيَتَشَرّبُ أطفالُنا حِكْمَتَها فى الصِغَرِ حتى لا يقعوا فيما تَوَرّطَ فيه الأسدُ عندما يكبرون ويتبوأون المناصبَ الكُبرى فى الغابة.

الــلَّيــــثُ مَلْكُ القِفـــــــــارِ وما تضمُّ الصًّحــــــارِى
سَــعَــتْ إليــه الرعــايــــا يــومــاً بكلِّ انكســــــــــارِ
قــالت: تَعيــشُ وتَــبقَى يــا دَامــِىَ الأَظــفـــــــــارِ
مــاتَ الوزيـــرُ فــمنْ ذا يَسوسُ أَمرَ الضَّوارى؟
قال: (الحِمـــارُ وزيـــرى قَضَى بهذا اختيــــارى)
فاستَضْحَكَتْ، ثُم قالت (ماذا رأَى فى الحِمارِ؟)
وخَـــلَّفَتـــْـهُ، وَطـَـــــــــارَتْ بِمُضحِكِ الأخبــــــــــــــــــارِ
حتى إذا الشَّـــهْرُ وَلَّى كَليْــــــلَة ٍ أَو نَهــــــــــــــــــارِ
لَمْ يَشــعُرِ اللَّيـــــثُ إلا ومُلـْـكُهُ فى دَمــــــــــــــــــارِ
القِردُ عِندَ اليميــــــــــنِ والكلــبُ عِند اليســــــــارِ
والقِـــطُّ بَيْـــنَ يَدَيــْــــــهِ يَلهُو بِعَظْمَة ِ فــــارِ !
فقالَ: مَنْ فى جدودى مِثلى عديـــــمُ الوَقارِ؟!
أينَ اقتدارِى وبَطشِى وَهَيْبَتِى واعتبــــــــارى؟!
فَجَــــاءَهُ القــردُ سِــــرّاً وقـــــــال بعدَ اعتــــــــذارِ
يَــا عالِىَ الجــاهِ فِينا كُنْ عـــالِىَ الأنـــظــــــارِ
رأَىُ الرعِيَّـــة ِ فِيــــكُم مِنْ رأيِكُم فى الحِمــــارِ
رَحِم اللهُ أمير َالشعراء أحمد شوقى .



No comments:

Post a Comment