Friday 20 July 2012

{الفكر القومي العربي} article

الكارثة السورية والحسم المستحيل
صباح علي الشاهر
 
 
لم ينته الخبراء والمعنيون بعد من تحليل أبعاد المناورات العسكرية  بالعتاد الحي التي أشرف عليها قادة خلية الأزمة السورية، حتى كان الرد صباح الثامن عشر من تموز الحالي بتفجير مبنى الأمن القومي في دمشق، والذي لا يبعد سوى بضعة أمتار عن منزل السفير الأمريكي الذي أصبح ومنذ أمد مقراً للعديد من المعارضين والمنشقين، الذين كانوا – وفق ما قيل- يديرون ويوجهون التحركات المعارضة من هذا المنزل المتمتع بالحصانة الدبلوماسيّة، والذي زُعم أن له ضلع في عملية التفجير المأساوية، ويذهب البعض أن كبسة الزر وبالريمونت كونترول تمت عبره ومن خلاله .
عُدّت المناورات، وبالأخص في جانبها الصاروخي رداً على التهديدات، الأمريكية والإسرائيلية، حول ما عُرف بالخشية من وصول السلاح الكيمياوي المزعوم إلى أيدي غير مسؤولة، وبالأخص إلى حزب الله، وكانت حسب تحليل العديد من المراقبين مناورات نوعيّة كشفت عن التطور غير المسبوق للقدرات العسكرية السورية الردعيّة، في مختلف الإصناف وتحديداً الجانب الصاروخي، وهو السلاح الذي يُخيف إسرائيل أكثر من غيره، بعد ثبوت نجاعته في حرب تموز2006، والذي عملت جهدها المُعلن وغير المُعلن للتخلص من خطره بشتى الوسائل.
ويمكن القول أن تفجير خلية الأزمة السورية يُعد في العديد من الأوجه، رداً على هذه المناورات التي عدّها البعض تحدياً بالغ الدلالة، يشير بوضوح إلى إستعداد سوريا ومن معها للذهاب بعيداً في المواجهة، وهو ( أي تفجير المبنى)  خطوة إستباقية، قصد منها ليس فقط إيصال رسالة واضحة للحكومة السورية، ومن معها، وإنما شل وإرباك القيادة السورية، وإحداث شرخ عميق فيها، وإشعارها أنها، وعلى مختلف المستويات، ليست بعيدة عن متناول يدها الضاربة، هذه اليد التي بإمكانها الوصول إلى مركز القرار، وقتما تشاء ، وبالكيفيّة التي تشاء.
كانت الخسارة السورية فادحة، وكانت الضربة موجعة بلا ريب، وليس أدل على أهمية ما حدث إن صباح الأربعاء هذا أصبح عيداً إسرائيلياً، تم فيه، تبادل التهاني والتبريكات عبر مختلف وسائل الإعلام وقنوات التواصل الإجتماعي، ولم يُوقف هذه الموجة الإحتفالية الإسرائيلية إلا حدث مقتل ثمانية إسرائيليين سواح في بلغاريا عصر اليوم نفسه، مما حوّل فرحة الإسرائيليين إلى مناحة.
كل الدلائل تشير إلى إختراق من العيار الثقيل حدث في جبهة السلطة السورية، ولا يمكن للخطابات الحماسيّة التي دأب عليها الإعلام السوري، ولا محاولة إعتبار إستشهاد القادة العسكريين، وهم رأس الهرم في المواجهة الحالية، جزءاً من التضحيات التي تستلزمها المواجهة، لأن هؤلاء القادة لم يستشهدوا في سوح المعارك، ولا في مواجهات الميدان، وإنما قتلوا وهم يحتمون بأهم معاقلهم التي ينبغي أن تكون من أكثر المواقع أمناً لأنها مركز القيادة، التي ينبغي أن تكون كاملة التحصينات والمنعة، أما وقد تم إختراق مثل هذا الموقع الحصين، فالقيادة والحال هذه تبدو عارية، وهذه أهم الرسائل التي سعى ويسعى من خطط لهذه الواقعة إيصالها، ليس إلى الناس العاديين فقط، وإنما إلى المسؤولين، والعسكريين تحديداً، للتأثير على المعنويات.  
ورغم أهمية هذه الحادثة، وعظم الخسارة التي مُنيت بها السلطة السورية، إلا أن هذا الأمر سوف لن يتعدى كونه عملية إغتيال، إذا لم يترافق مع عمل آخر مُكمل في الميدان، ألا وهو إستثمار هذا الحدث بالهيمنة على الآرض، والتحكم في مفاصل هامة من العاصمة، وهو الأمر الذي إستعدت له المعارضة، ولوّحت به، لكنها عملياً لم تستطع تنفيذه، مما يشي بأن قدرات هذه المعارضة تظل محدودة، قياساً إلى إمكانيات السلطة، التي من المتوقع أن تستثمر هذا الحدث لتوجه ضربات قاسية إلى المسلحين، بعد أن أصبح لديها المبرر الكافي، وبعد أن لم يعد بإمكانها إلا الرد وبعنف، ولعل الأيام القليلة القادمة ستكون حاسمة بالنسبة للطرفين، ولكن الدلائل تُشير إلى أن المسلحين فقدوا المبادرة بعد أن إستوعبت السلطة الصدمة، وبعد أن لم يستطع المسلحون السيطرة على الأرض بالترافق مع فوضى الحادث، وبهذا فقد ضاعت الفرصة امامهم، ولم يبق أمامهم سوى خيارين، الصمود، أو التقهقر، وكلا الأمران له عواقبه، فالصمود باهض الثمن والكلفة، خصوصاً وأن الجيش حالياً هو كالنمر المجروح، ويعتقد أنه سيستعمل كامل قوّته، أما التقهقر فهو يعني نهاية العمل المسلح، وتغيير المعادلة في الداخل، بأخراج القوّة العنفية من ساحة التفاهمات وإحلال العناصر التي تدعوا إلى الحوار مكانها.
الوقائع على الأرض هي من سيحدد مآلات الأحداث، وهي التي ينبغي الإنطلاق منها، لمعرفة مجريات الأمور، والحقائق على الأرض ليست متطابقة مع ما تعرضه شاشات التلفاز، والذين يتحركون على الأرض، عليهم إستقراء الأرض، وفهم ما يجري عليها، لا تتبع ما يُرسم أو يخطط على شاشات القنوات الفضائية.. مهمة المقاتل على الأرض التحكم بالأرض، لا إمداد القنوات الفضائية بالمادة الإعلامية، ولعل هذا هو الفارق الأبرز بين المقاتل على الأرض، والصحفي أو المراسل الإذاعي أو التلفزيوني.. الأول يصنع الحدث، والثاني ينقل الحدث، وطالما كانت هذه هي الصورة، فسيظل هناك ثمة من يصنع الحدث، وثمة من ينقله، أما إذا أصبح صانع الحدث وناقله شخص واحد، فعندها سيكون الحدث مُفبركاً، أو ناقصاً، ويكون النقل غير مهنيّاً، وفي هذه الحالة سنفتقد المقاتل، مثلما نفتقد المراسل.
لقد أساء الإعلام إلى المسألة السورية إساءة بالغة، من حيث تصور البعض أنه يخدمها.. لقد خدم الإعلام كل شيء، المعارضة، والسلطة، الدول الداعمة للمعارضين والدول الداعمة للسلطة، أصحاب الأجندات الخاصة، ومصالح الدول الكبرى والإقليمية، لكنه لم يخدم الشعب السوري، ولا قضيته الأساسية في الحرية والديمقراطية والتغيير، وأسهم، وبشكل واضح، في إدامة الكارثة، وجعل من الدم السوري مادة يعتاش عليها ويُتاجر بها..
لقد تحدث الجميع عن الحسم المستحيل.. قالت السلطة أنها ستحسم الأمر خلال بضعة أسابيع ومن ثم بضعة أشهر، وقالت المعارضة إنها ستحسم الأمر هذه الجمعة، وفي كل مرّة تضع سقفاً زمنياً، لكن أي منهم لم يحسم شيئاً، ولم يفعل شيئاً سوى الإسهام في إدامة الموت والدمار.. لقد كان الحل ممكناً عندما كان عدد الضحايا بالعشرات، وكان ممكناً عندما أصبح بالمئات، والآلاف، وعشرات الآلاف، وهو مازال ممكناً قبل أن يصل إلى مئات الآلاف، وربما الملايين، ولكن ثمة إرادة جهنمية لاتريد مثل هذا الحل، ثمة إرادة تريد إنهاء سوريا.. تريد سوريا فاشلة، مهشمة ومُحطمة، لا قدرة لها حتى على لعق جراحها..
 

No comments:

Post a Comment