Monday 16 July 2012

{الفكر القومي العربي} لماذا تفجّر الحراك السعودي مجدداً؟



لماذا تفجّر الحراك السعودي مجدداً؟


عندما كان يُطرح السؤال عن وصول موجة الحراك الشعبي إلى السعودية خلال العام الماضي، كان يُتهم صاحبه إما بالتوهم أو المغالاة. كثيرون كانوا يعتبرون أن بعض مؤشرات الحراك أو المطالبة بالتغيير لا يمكن التعويل عليها، حتى بعض مؤيديها، اذ سرعان ما ستبتلعها قدرة النظام الديني على امتصاص احتمالات تفجر الغضب الشعبي.
مع تفجر الأحداث في القطيف مجدداً، وتوسع دائرة الاحتجاجات، يؤكد السعوديون أن "الربيع" وصل، لكن ذلك لا يعني وصوله ناضجاً. المملكة اليوم تعيش مرحلة استيعابه، بتمظهرات متنوعة تختلف بين مناطق اعتاد البعض منها على التعامل مع الشؤون السياسية، كالمنطقة الشرقية، فيما تعيش أخرى دخول السياسة حديثاً.
واستمرت الأحداث في المنطقة الشرقية بالتفاعل، وبعدما تمّ اعتقال رجل الدين الشيعي البارز الشيخ نمر النمر مصاباً، ثم مقتل اثنين، اتسعت موجة الغضب الشعبي حيث ألقى مجهولون زجاجات حارقة على مقر محكمة القطيف. علماً أن الأخيرة بدأت النظر قبل مدة في "عشر قضايا على خلفية أحداث الشغب"، متوقعة صدور أحكام أخرى خلال الأسبوع الحالي. وكان مسؤول امني سعودي رفيع المستوى أعلن قبل يوم عن هجوم مسلحين على مركز للشرطة في بلدة العوامية في محافظة القطيف.
هكذا تعيش المنطقة الشرقية غليانها، بين تجمعات حاشدة، تضم النساء بشكل لافت، وأحداث متفرقة ومطالب بإطلاق المعتقلين ورسائل تنديد تنقلها وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي والتسجيلات المصورة على "اليوتيوب".. وهكذا تتوسع الدائرة مهددة بتفجير الوضع.
الكثير من الأمور تغيرت عن العام السابق عندما بدأ الحراك. أولها، وفق ما يذكره المعارض السعودي حمزة الحسن لـ"السفير"، هو بدء التأكيد على انتقال احتجاجات المنطقة الشرقية إلى خارجها. في البداية، كانت أحداث الشيعة في المنطقة الشرقية تكبّل الآخرين، فـ"السنة والسلفيون تحديداً لم يودوا أن يحاكوا الشيعة في حراكهم.. اليوم اختلفت الأمور وبدأنا نشهد صدامات في عرعر، واحتجاجات في الرياض ولا تكاد تمر فترة من دون أي حراك في السعودية".
وفي تحليل لخلفيات تفجر الأزمة حالياً، وهو ما يمكن أن ينبئ بمستقبلها، يشرح الحسن قائلاً إن الحكومة اختارت التوقيت السيئ لتفجير الوضع عبر اعتقال الشيخ النمر. عندما كان الشيخ ناشطاً في الحراك العام الماضي، لم تكن السلطات تجرؤ على القبض عليه، فظنت أنه مع خمود الحراك لن يثير الأمر زلزالاً، كما أنها أرادت أن "تستعرض عضلاتها" بتوجيه رسالة إلى الشيعة والسنة على السواء، مفادها أن النظام ليس ضعيفاً حتى لو أنه يخسر "أعمدته" الواحد تلو الآخر (موت الأميرين سلطان ونايف في فترة زمنية قصيرة).
الجانب الآخر المختلف هذه المرة، هو "عدم قبول وجهاء المنطقة الشرقية بتقديم أي تنازل"، يضيف الحسن شارحاً أن "هؤلاء قبلوا بتسويات في المرة الماضية لكن شيئاً لم يتغيّر". وعلى ذلك تؤكد "واشنطن بوست" قائلة إن خوف المملكة جعلها تبذل الكثير من المال والوعود، ولكن "برغم كل الوعود لم يقدّم أي حلّ لمعالجة المشكلات التي يشتكي منها الشعب".
وفي هذا الإطار، يشير المعارض السعودي إلى أن المملكة فوجئت بتداعيات قرار الاعتقال، ولجأت إلى التصعيد (مقتل الشابين) لكنها تعرضت لضغوط أميركية ترتكز بشكل أساسي على خوف من حراك قد يهدّد موارد النفط الموجودة على بعد أمتار. ويلفت، من جهة ثانية، إلى أن النمر اعتقل على خلفية خطاب هلّل فيه لموت الأمير نايف، "لكن كثيرين قبله من السنة والسلفيين قالوا أسوأ منه كلاماً بعد وفاة ولي العهد".
ولكن ماذا عن توقيت الاعتقال "المريب"؟ يسأل تقرير لـ"فورين بوليسي" مشيراً إلى ثلاث فرضيات: الأولى وجود مؤامرة داخل العائلة المالكة حيث كان الأمير نايف قد استخدم الشيخ نمر لإخافة سنة المملكة والإطاحة بخطاب الملك عبدالله الداعي لحوار مع الشيعة. وفي السياق، يلفت حمزة الحسن إلى "حديث النظام عن مؤامرة، هي بنظره إيرانية من دون شك". الثانية هي انه في السابق لم يكن ممكناً اعتقال النمر من دون التسبب بسقوط ضحايا كثر، حيث كان مختبئاً ولا يظهر إلا في المساجد أو المناسبات العامة. الثالثة وفقاً لوثيقة من "ويكيليكس" تؤكد أن "النظام أعلن سابقاً أنه سيرد لكن وفقاً لتوقيته الخاص الذي يراه مناسباً".
أما الأكثر إثارة للقلق، وفقاً للمجلة الأميركية، فهو أن هذه الأحداث تأتي في ظلّ حشد أميركي في منطقة الخليج واشتعال أحداث مماثلة في البحرين المجاورة. وفيما كان متوقعاً أن إبعاد النمر عن الواجهة سيعود بأثر إيجابي، ذهبت الأمور في اتجاه مختلف لا يمكن توقع خواتيمه، ولكن من المؤكد أنه "سيكون صيفاً حاراً جداً في السعودية"، حسب الباحث في "مجلس العلاقات الخارجية" إليوت أبرامز.

("السفير")


No comments:

Post a Comment