Saturday 7 July 2012

{الفكر القومي العربي} لا تقلقوا على الرواتب

لا تقلقوا على الرواتب

بروفيسور عبد الستار قاسم

6/تموز/2012

مرة أخرى تطل مشكلة الرواتب برأسها، وستبقى كذلك. منذ قيام السلطة حتى الآن، والموظفون يتساءلون عن الرواتب ومواعيد صرفها، وستبقى تساؤلاتهم تخيم فوق رؤوسهم.

 

قلت للموظفين منذ عدة أشهر، وهو قول كررته عبر السنوات: إن الرواتب ستصرف، وظروف توقفها نهائيا لم تأت بعد. والآن أقول لهم إن الرواتب ستصرف لأن موجبات صرفها قائمة، فاصبروا قليلا.

 

وأقول حتى للذين يأخذون قروضا من المصارف إن قلقهم أيضا غير مبرر لأن الولايات المتحدة والمجموعة الغربية قد قررت إقامة صندوق خاص لضمان قروض الفلسطينيين أمام المصارف العاملة في الضفة الغربية وقطاع غزة، ويسمى Loan Guarantee Fund (LGF). ضمنت المجموعة الغربية التي تسمي نفسها المجتمع الدولي تسديد القروض للمصارف مع ضرورة الاستمرار بمطالبة أصحاب القروض بالتسديد، وذلك حتى تستمر المصارف بالإقراض المفرط وتوريط الفلسطينيين ماليا واقتصاديا.

 

المهم بالنسبة للرواتب، أكرر ما قلته للناس منذ سنوات وبصورة متكررة: هذه الرواتب هي ثمن الوطن، الوطن الفلسطيني، وهي تصرف ليس إحسانا وإنما بثمن سياسي. صحيح أن أموال الضرائب التي تتم جبايتها من قبل السلطة تغطي جزءا من الرواتب، لكن إن لم تتلق السلطة المساعدات المالية الغربية، وإن لم تدفع إسرائيل أموال الجمارك والضرائب فإن انسيابية الصرف تصبح في خطر. أي لا تستطيع السلطة القيام بالمهمة إن لم تنجدها الدول الغربية وإسرائيل. شجع أهل الغرب وسرائيل التوظيف المفرط والواسع في السلطة من أجل أن يشدوا الحبل على رقابنا وقتما يرون مناسبا.

 

صرف الرواتب عبارة عن التزام غربي ما دامت السلطة التي تسمي نفسها السلطة الوطنية الفلسطينية ملتزمة بأمرين وهما: الاستمرار في تسيير الحياة اليومية للشعب الفلسطيني في الأرض المحتلة/67، والاستمرار في خدمة الأمن الإسرائيلي من خلال التنسيق الأمني. كان هذان شرطين إسرائيليين منذ عام 1968 أمام أي جهة عربية أو فلسطينية تود تسلم زمام الحكم الذاتي في الأرض المحتلة/67. ولهذا وجدنا الدول الغربية وإسرائيل تنزع أيديها من الدعم المالي عندما فازت حماس بالانتخابات التي قررت الاستمرار في إدارة شؤون الناس المدنية لكن دون تنسيق أمني.

 

فهل من العجيب أن يطلب نتنياهو من البنك الدولي دعما ماليا للسلطة الفلسطينية بمقدار مليار دولار؟ علما أن شمعون بيريس قد سبقه إلى جمع أموال للسلطة من عدة دول غربية. نعم، فالسلطة خففت عن إسرائيل أعباء كثيرة، وأغرقت الأرض المحتلة/67 بالفساد والإفساد والثارات، وتقوم بخدمات أمنية من خلال ملاحقة من يسمون بالإرهابيين الفلسطينيين من حماس والجهاد وشهداء الأقصى وكل من يفكرون بأعمال المقاومة.

 

وهنا يتساءل بعضهم عن سبب توقف الرواتب لفترات قصيرة مرات عديدة. هناك عدة أسباب منها:

1-    قيام جهة معينة بعمل ضد المستوطنين أو جنود الصهاينة دون أن تتمكن السلطة من الملاحقة والتوقيف، ولو إلى حين. إنه نوع من الضغط على السلطة من أجل بذل المزيد من الجهود الأمنية في ملاحقة ما يسمى بالإرهاب الفلسطيني، وهو أيضا بمثابة تنبيه لأصحاب الرواتب وأن عليهم أيضا أن يقفوا ضد الإرهاب ومع ملاحقته والقبض على مرتكبيه.

 

2-    تذكير الناس في الأرض المحتلة/67 بأن عليهم أن يركعوا ويخضعوا إذا أرادوا للرواتب أن تستمر. وعليهم التمسك بشعارات: الخبز أولى من الحرية، لا للجوع نعم للركوع، المذلة ولا الموت.

 

3-    للتأكيد أحيانا أن وجود شخص معين في السلطة ضروري من أجل الحصول على الأموال، وإلا فإن الغرب سيقطع المال، وكذلك إسرائيل.

 

4-    للتأكيد على أن التخلص من شخص معين يؤدي إلى عودة الأموال من جديد.

 

متى يتم قطع الأموال؟ ببساطة، الأموال ستنقطع في حالتين وهما:

 

أ‌-       أن تتوقف السلطة عن التنسيق الأمني كع الصهاينة، وتبدأ بالمحافظة على الأمن الوطني الفلسطيني؛

 

ب‌-  أن ينهار الفلسطينيون في الضفة الغربية وغزة، ويتحول كل واحد منهم إلى الاهتمام فقط بمصالحه الذاتية عازفين عن الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني.

 

وبما أن الحاجة الإسرائيلية للجهود الأمنية الفلسطينية ما زالت قائمة، وأن أغلب الناس في الضفة وغزة ما يزالون أحياء من الناحية الوطنية فإن قطع الرواتب غير وارد الآن. ولهذا لا تقلقوا.

 

أما إذا أردتم ألا تقلقوا نهائيا، فإن علينا تطوير أوضاعنا الاقتصادية والاجتماعية والأمنية والسياسية بطريقة تؤدي إلى الاعتماد على أنفسنا، وتحررنا من نير الآخرين. هذا ليس مستحيلا، وليس صعبا، لكنه يتطلب بعض الصبر وإرادة سياسية فلسطينية حرة.

No comments:

Post a Comment