Sunday 8 July 2012

{الفكر القومي العربي} غسان كنفاني وأعاصير "الربيع العربي"


 
  غسان كنفاني وأعاصير "الربيع العربي"
  بقلم :حسين الربيعي
 
تتصادف الأحداث مع بعضها ، وتتداخل الأمور وتتعقد للدرجة التي تجعلها على البعض غير قابلة للفك أو التحليل ، فمع أعاصير ما يسمى كذبا ونفاقا "الربيع العربي" ... التي تكاد الذاكرة العربية ان تفقد بسببه كل ذاكرتها ... ووجدانها ، بأستثاء ساتر الممانعة العربية ، وهو الذي يمثل مركز إعادة الوعي للأمة ، فإن كل متاعب الحياة ، وقساوة الأوضاع ، وضخامة الهجمة ... لم تستطع أن تقتلع ، ولن تستطيع أن تقتلع ، فلسطين من وجدان المنتظمين خلفه ... ببساطة ، لأنهم يتمسكون بمقولة فلسطين محور نضال الأمة العربية وان ما أخذ بالقوة لن يسترد بغير القوة .
أثناء هذه الأوقات ، وفكر الحريصين على الأمة مشتت ، فعين من صوب القاهرة ، وأخرى صوب ليبيا ، وأنشغال بالحدث التونسي ، وبالثورة اليمنية ، وقلقٌ على السودان ، وقلوب تهفو على الشام ، فإننا نكاد أن نفقد خصوصياتنا ... بل ربما الأصح في القول أن تلك الخصوصيات قد ذابت نهائيا في الشأن القومي العام ، وإذا استدركت ، أن ليس للمناضل القومي شأن خاص ، قد أجد من يتهمني بالتطرف ، مع أنني كلما أتهمت بهذه التهمة ، تنامت في نفسي رغبة التصاعد فيه ، حتى سماني اخوة يوسف بالتكفيري الناصري  ، فالتطرف عندي إعلان صارم في رفض الواقع المزري والمهين الذي تحياه أمتنا ، ودون أن يدري الأخرون ، فإن علاقاتنا ... كل علاقاتنا ... حتى الأسرية ... والعاطفية ... والأخوية ، قد نبعت من الشعور بالغبن والمهانة ... ليس في طريقة معيشتنا وعملنا ، وليس في ملاحقة رجال الأمن لنا ، وليس في كدنا وكدحنا حتى نحصل على قوتنا وقوت عوائلنا ، فكل تلك الأمور سببها الصهيونية التي أحتلت أرضتا في فلسطين ، فالمؤامرة وملاحقها التي سميت بالربيع العربي ، إنما هدفها الأول أن ننسى فلسطين .
وفي هذا الزمن الذي تحيا فيه القيم غربتها ، يكون من الخير أن نتصفح بعض فصولها في تقاويم مسيرتنا ، وإن تكن ليست بالناصحة البياض كلها ، فهناك من يكدح ويناضل ويستشهد ، وهناك من يترصد كي يحصد ويأكل ويستفيد ، هناك من يعطي كل مايملك حتى روحه وجسده ، وهناك من يأخذ ولايعطي وينزعم على اشلاء المناضلين، ورغم أنه شتان بين هذا وذاك ، فلقد خبرت وأيقنت مؤخرا أن الطليعة العربية كانت مخترقة بشكل لم يسبقه أختراق ، ادى إلى كل هذه التضحيات والخسائر الجسام ، فضحته أتهامات أطلقت تحت عناوين اليسارية تارة ، وفي لبس قميص الناصرية تارة أخرى ، إذ لم يكن شهيدنا الذي تمر ذكرى استشهاده الأربعون ، غسان كنفاني ، إلا واحدا من اعضاء ـ حركة القوميين العرب ـ التي أتهمت من داخلها وعلى يد "مخترقين" لصفوفها بالفاشية ـ بسبب التكوين الطبقي والأيدلوجي ، البرجوازي اليميني الأصيل للحركة " وفق بيان يحمل نفس لوكو وعنوان ... ثم نذرف عليه الدموع ، ليس إلا لغرض أستخدامه غطاءا لخيانة أو سلسلة من الخيانات !!!
ولم يلبث الأمر عند هذا الزمن ، لم يتوقف عند أغتيال غسان كنفاني ، واغتيال عرفات ، ولن ينتهي حتى يتم أغتيال فلسطين كلها لمصلحة الأعداء ، فإن ماتعانيه سورية من مؤامرة ، وفق حديث بيني وبين حسن عبد العظيم ، حضره أخ عزيز ، سببها على حد قول عبد العظيم ، تمسك النظام على حد قوله بالثوابت القومية وعدم التنازل عن فلسطين !!! وللعجب أن السيد حسن عبد العظيم ، يناوء النظام ، ويحشر نفسه في ما يخطط من فوضى لسورية بسبب مواقفها تلك ، والتي اضاف عليها : لو تنازل النظام عن تلك الثوابت وطلق المقاومة ، وصف نفسه مع النظام الرسمي العربي المعترف "بأسرائيل" لما صدرت ضده كلمة "إدانة" واحدة حتى من دول العالم وإن قتل الشعب السوري كله . هكذا فإن هدف المؤامرة يحتم على عبد العظيم الذي يرتدي ثوب الناصرية كما حتم على غيره من الناصريين أن يصف نفسه مع النظام  لاضدها  ... أم إننا مخترقون بحق ، أختراقا ما بعده أختراق ؟؟؟
ما اشبه اليوم بالبارحة ، كتب "ديل ديورانت" في كتابه "تأريخ الحضارة" يصف أنهيار الحضارة البابلية : "كان الشباب يصبغون شعرهم ، ويعقصونه ، ويعطرون أجسامهم ويحمرون خدودهم ، يزينون أنفسهم بالعقود والأساور ، والأقراط والقلائد ، ولما فتح الفرس بلادهم وقضوا على عزتهم النفسية ، تحرروا أيضا من جميع القيود الأخلاقية ، وسرت عادات العاهرات إلى جميع الأوساط ، وأضحت نساء الأسر الكبيرة يرين إظهار  محاسنهن أيا كانت ليسمتع بها أكبر عدد مستطاع ، اصبحن لايرين في هذا شيئا أكثر من مجاملة عادية " .
هذا ما كان قبل الاف السنين ، أما اليوم فإنه في الوقت الذي كان يجب أن يكون أحتلال العراق وهزيمته عنوانا لكل من أدعى العروبة والحرية ولبس قمصان عبد الناصر أن يصطف في موكب المبادئ التي استشهد من أجلها غسان  كنفاني وكوكبة من امثاله ، لا أن يتحرروا من القيود والثوابت القومية ، وتسري عادات .... بينهم ، جعلتهم صنوان لأنور السادات الذي ظل يردد شركته لعبد الناصر رغم إنحرافه عن اهداف الثورة ، وخيانته الأمة العربية ... ولعلها مجاملة عادية ، على حد مقولة نساء بابل آنذاك .
عذرا لجمال عبد الناصر ممن يرتدي ثوبه على أجساد تنفث عطر الخيانة .
وعذرا لغسان كنفاني الذي أرادت اعاصير الربيع العربي أن تنسينا ذكرى  أستشهاده .
وعهدا أن تظل فلسطين محور نضال الشرفاء العرب .
                                                                            
    بغداد العروبة الثامن من شهر تموز 2012
 
 
 

No comments:

Post a Comment