Saturday 14 July 2012

{الفكر القومي العربي} وحده القادر على إنقاذ سوريا / جان عزيز



وحده القادر على إنقاذ سوريا
جان عزيز
ليس بسيطاً ما يحصل في سوريا، رغم كل محاولات اختزاله وتبسيطه. فللأحداث السورية الدائرة منذ أشهر طويلة، بعدٌ منظور محسوس وحيّ للأزمة. إنه بُعد الخبز والحرية، مع تحقيق العدالة في الاثنين. العدالة الحقيقية في توزيع «الخبز»، والعدالة المسؤولة في عيش الحرية. وهو بُعد كاف ظاهرياً لتفسير الأحداث.
لكن، في المقابل هناك بعدٌ آخر أقل ظهوراً، من دون أن يكون أقل خطورة. إنه هذا التطابق بين بعض مسارات الأحداث، وبين حرفية نص كتب في واشنطن، قبل أكثر من عشرة أعوام على بدايتها...
كان ذلك في عين العاصفة التي اضطرت اسرائيل إلى الانسحاب من لبنان في ايار العام 2000، بلا تفاوض ولا أثمان. يومها التقىت مجموعة من أركان «العقل» الصهيوني المعلن في أميركا. بينها ريتشارد بيرل، تشارلز فيربانكس، دوغلاث فايث، دايفيد وورمسر وآخرون. فكروا، حللوا، قبل أن يقرروا أن على اسرائيل التعويض عن نكستها باعتماد استراتيجية «القطع النظيف»، أو «القطع الكامل» مع السياسات السابقة. يبدأ التقرير بعرض أوضاع اسرائيل والمخاطر الحقيقية على وجودها نتيجة تعثر عملية السلام وفشل مشروع «الشرق الأوسط الجديد»، وتسجيل نقاط عدة لصالح «الأعداء» دولاً وهيئات. قبل أن يخلص الاستراتيجيون إلى توصيات ثلاث: أولاً التعاون الوثيق مع تركيا والأردن لزعزعة سوريا. ثانياً، تصعيد الهجوم الشامل على الفلسطينيين لكسر أحادية السلطة الفلسطينية المتمثلة بأبي عمار. وثالثاً تعزيز العلاقة بين اسرائيل وأميركا، على قاعدة العمل لتقدم «قيم الغرب الأصيلة».
من المستحيل وأنت تقرأ الفصل المخصص للتوصية الأولى، ألا يمر أمام عينيك شريط الأحداث السورية الراهنة، ببعض ملحقاتها الإقليمية من لبنان إلى مختلف الجوار السوري، فتحت عنوان «حماية الحدود الشمالية» كتب التقرير عن ضرورة الرد الاسرائيلي المثلث، على حزب الله، سوريا وإيران، وذلك عبر «ضرب شبكة المخدرات والتهريب السورية في لبنان»، وكذلك «ضرب الأراضي السورية انطلاقاً من لبنان بواسطة قوى حليفة لاسرائيل»، و«ضرب أهداف عسكرية سورية في لبنان، وإذا لم يكف الأمر، ضرب أهداف منتقاة داخل سوريا نفسها».
ويؤكد التقرير ضرورة تنسيق هذه الخطوات «بالتعاون مع تركيا والأردن، لإضعاف سوريا واحتوائها، وحتى قلب الأوضاع فيها». لكن بداية يجب «تركيز الجهد على إزاحة صدام حسين من الحكم في العراق، كهدف اسرائيلي استراتيجي مهم في ذاته، ولضرب الطموحات السورية في المنطقة في الوقت نفسه». فالضغط عبر «الخاصرة اللبنانية» من جهة، في ظل توتر «الجبهة الطبيعية» مع اسرائيل، و«العراق المركزي» وتركيا من الجهة الأخرى، إضافة إلى الأردن في الوسط، قد يكون كل ذلك «المقدمة لإعادة رسم خريطة الشرق الأوسط، بما يهدد وحدة الأراضي السورية». وإذ يشدد التقرير على أهمية دور الأردن في تلك الاستراتيجيا، يوصي بسلسلة من الخطوات المطلوبة من اسرائيل مباشرة، إضافة إلى خطوات أخرى يمكن أن تطلبها اسرائيل من الأردن عبر أميركا، مع الإشارة إلى ضرورة «تحويل اهتمام سوريا عن ذلك باستخدام عناصر المعارضة اللبنانية لزعزعة السيطرة السورية». بعدها تدعم اسرائيل «دبلوماسياً وعسكرياً وعملانياً، أنشطة تركيا والأردن في حماية القبائل المتداخلة بينهما وبين سوريا، والمعادية للنظام في دمشق».. حتى أن التقرير يذهب في التفاصيل إلى إمكان الطلب من الملك الأردني العمل على محاولة شق الشيعة المعادين لاسرائيل في لبنان، عبر السعي إلى استمالة بعضهم إلى مرجعية النجف المغايرة لمرجعية قم الإيرانية، وذلك عبر «شغل الملك الأردني» على هذا الخط عبر العلاقة الهاشمية التاريخية مع العراق.
وبعد عرضين مسهبين للفصلين المتعلقين بالخطة المطلوبة اسرائيلياً حيال كل من الفلسطينيين وواشنطن، يخلص التقرير إلى التنبؤ بأن سلوكاً استراتيجياً كالذي يقترحه، سيجعل اسرائيل قادرة على الخروج من مرحلة «إدارة النزاع العربي ــ الاسرائيلي، وصولاً إلى تخطيه كلياً»، «فاسرائيل فخورة بذاتها، سليمة، صلبة وقوية، ستكون الأساس لشرق أوسط جديد مسالم وحقيقي»، كما تؤكد العبارة الأخيرة من التقرير.
ثمة مسؤولية أخلاقية بلا شك عند استذكار كلام كهذا. لا بل إنها مسؤولية مزدوجة. فمن جهة أولى لا يمكن التذرع بهذا الكلام الصهيوني، لإغفال حق الناس في الخبز والحرية. كذلك لا يمكن من جهة أخرى تجاهل ذاك التخطيط، أياً كان رفضك العقلاني لنظريات المؤامرة. بين المسؤوليتين تدرك أكثر كم أن ما يحصل في سورية يحمل البعدين معاً: بعد حرية الناس من داخل، وبعد ضرب سوريا من خارج. وحده القادر على الفصل بين البعدين، بمعنى إجابة تحدي البعد الأول ورد تعدي البعد الأخير، يكون قادراً على إنقاذ سوريا، وإنقاذنا معها.
سياسة
العدد ١٧٥٧ السبت ١٤ تموز ٢٠١٢


No comments:

Post a Comment