Thursday, 23 March 2017

{الفكر القومي العربي} يحيى حسين: أما لهذا الهراء من نهاية؟

أَمَا لهذا الهراء مِن نهاية ؟
بقلم المهندس/ يحيى حسين عبد الهادى
(البداية- الخميس 23 مارس 2017)

بدأت المسألةُ قبل أكثر من عامٍ بتحويل الرجل إلى نُسخةٍ مصريةٍ من سيدنا الخِضْر، الذى يجب ألا نناقشه حتى إذا خَرَقَ السفينة أو قَتَلَ الغُلام أو فَرَّط في الجزيرتين أو بعثرَ الموارد، باعتباره (دون أَمارةٍ واحدةٍ) شبيه الخِضر الذى قال عنه الله (عَلَّمناه مِن لَّدُنا عِلما) .. ثم انتقلت المسألةُ إلى مرحلة جيمس بوند أو رجل المستحيل الداهية باختلاق بطولاتٍ تتصاغر إلى جوارها أفلام الخيال العلمى .. كل ذلك أيضاً دون أَمارةٍ واحدة .. أتحدث عن موضوعٍ شائكٍ ما كنتُ أُحبُ أن أتطرق إليه لولا أنه تكرر بصورةٍ تدعو للسخرية وتُسئُ إلى مؤسساتٍ وطنيةٍ لها مكانتها فى قلوب المصريين .. وأتشرف وأعتز شخصياً بالانتماء لها .. أتحدث عن تلك المنشورات التي يتم إطلاقها على الواتساب والفيسبوك لمجموعة منتقاة من الضباط المتقاعدين فضلاً عن الكتائب الإلكترونية والأذرع الإعلامية ليتولوا نشرها .. فإذا قلت ما هذا الهراء؟ اتُهِمتَ في وطنيتِك .. وإذا لُذتَ بالصمتِ اتُهمت في عقلك .. لا أتحدث عن الكذب في هذه المنشورات، فمعظم (الأجهزة) في العالم تكذب .. ولكنها التفاهة والفجاجة في الكذب .. إذ أنه حتى الكذب له أصول .. خذ عندك مثلاً مما جاء في آخر منشور: يُجمع الخبراء على أن مصر ستبدأ في جنى ثمار السيسى مع نهاية هذا العام مع تدفق الغاز والبترول وإعلان الاكتفاء الذاتي (لم يحدد في أي شئٍ بالضبط) وعندها سوف يتساوى الدولار/ اليورو/ الدينار الكويتي/ وغيرهم من العملات مع العملة المحلية وهي الجنية المصرى (أرجو المساعدة في فك لغز كيف يمكن أن يساوى الجنيه دولاراً أمريكياً ويورو أوروبياً وديناراً كويتياً في نفس الوقت؟).
خذ مثلاً آخر يتحدث عن اختراقٍ مخابراتى مصرى للبيت الأبيض وتسجيل حديث سرى بين أوباما وكلينتون يعترفان فيه بصناعتهما لداعش وحسرتهما على فشلها فى تدمير مصر .. وهو ما يمكن إضافته إلى الحديث الهزلى عن المذكرات المزعومة لهيلارى كلينتون وكلمة السر 360، وهى تلك المذكرات المسخرة التى تم تأليفها بالكامل فى مصر ورددها بعض الأذرع الإعلامية ولم يسمع عنها أحدٌ فى العالم غيرنا .. ناهيكم عن حكاية الأسطول السادس وقائده الأسير .. أما ما حدث مع معركة جبل الحلال فهو نموذجٌ لكيف تؤدى مثل هذه الأكاذيب التى لا معنى لها إلى التشكيك فى مصداقية الإنجاز الحقيقى .. فضلاً عما بها من ابتذالٍ وخِفَّة فى التعامل مع معارك حقيقيةٍ بُذِلَت فيها دماءٌ غالية .. وبادئ ذي بدء فإننى أثق فى كفاءة القوات الخاصة المصرية وفدائيتها وقدرتها على تنفيذ ما تُكَلَّف به من مهام قتالية، مستنداً في هذه الثقة إلى خدمتى في هذه القوات لفترةٍ من أكثر سنوات عمرى ثراءً واعتزازاً .. لذلك أثق تماماً في صدق أنباء اقتحام هذه القوات لكهوف جبل الحلال وسحقها للإرهابيين المختبئين في هذه المغارات الصعبة .. إلى هنا فالإشادة واجبةٌ والثناء مستحق .. لكن المنشور أضاف خزعبلاتٍ من عينة أن رجال القوات الخاصة قد داهموا واسروا ضباط مخابرات من أمريكا وألمانيا والأردن وإسرائيل وبريطانيا ودولٍ أخرى في غرفة عمليات المؤامرة الكونية على مصر في أحد الكهوف وهذا هو السبب في الزيارات المفاجئة وغير المخططة لكلٍ من ملك الأردن والمستشارة الألمانية ووزير الخارجية البريطاني ووفدٍ أمنى إسرائيلى وقائد القيادة المركزية الأمريكية في أسبوعٍ واحدٍ .. جاءوا يقبلون الأيادى ويطلبون من السيسى الستر وتسليمهم ضباطهم الذين تم اعتقالهم (!) .. ثم يضيف المنشور بهاراته المكررة والممجوجة من عينة أن العالم أصبح يشهد ويعمل ألف حسابٍ للداهية المخابراتى الأول الذى أسقط رؤساء أقوى ثلاثة أجهزة مخابراتٍ في وقتٍ قصير .. المخابرات الأمريكية .. والبريطانية .. والإسرائيلية (!).
الرئيس السيسى بالمناسبة لم يكن في يومٍ من الأيام رجل مخابراتٍ (وهذا لا يعيبه) وإنما تولى منصب مدير إدارة المخابرات العسكرية لا العامة (وكلاهما مُقَّدَر) في العام السابق لثورة يناير .. ثم إن أوصاف الدهاء والمخابراتية والخوارق لم تطلق على الدُهاة وأصحاب الخوارق الحقيقيين في الجيش والمخابرات أمثال محمد نسيم ورفعت الجمال وإبراهيم الرفاعى وسعد الشاذلى وعبد المنعم رياض وغيرهم.
سيقول قائلٌ لماذا تفترض أن (الأجهزة) هي التي تُطلق هذه الخزعبلات؟ والإجابة البسيطة هي أنها مسؤوليتها على كل حال .. تماماً مثل التنصت والتسريبات .. فإن لم تكن هي التي تطلقها فهى مسؤولةٌ عن التوصل لمطلقيها وإغلاق الغُرَز التي تُكتب فيها، بتهمة الإساءة للجيش المصرى والمخابرات المصرية والعقل المصرى .. في الجيش المصرى مؤسساتٌ علميةٌ رصينةٌ وعُلماء حقيقيون، ولكن المرء يتعجب من الإصرار على إزاحة هؤلاء وإفساح المشهد لنموذج عبد العاطى وجهازه للمشويات .. تماماً مثلما نوقن أن فى الجيش خبراء استراتيجيين حقيقيين، فلماذا الإصرار على دفنهم لصالح الخبراء المهرجين الذين يحتلون الشاشات وقاعات البرلمان؟.
أعتقد أن كثيرين يشاركوننى الغضب، فالغيرة على الجيش ليست حكراً على العسكريين .. يا مُثَّبِتَ العقل يارب.



No comments:

Post a Comment