عماد جاد نموذجا لمثقف الأمن!
مجدى خليل
منذ أيام مبارك يخرج كتاب الأمن، وخاصة من الأقباط، قبل كل زيارة للرئيس المصري لأمريكا، وبتعليمات من الجهات الأمنية التى ترعاهم، للهجوم على أقباط المهجر وشيطنتهم. وحيث أن هناك زيارة مرتقبة للرئيس السيسى لواشنطن لمقابلة الرئيس ترامب فهاهي تتكرر نفس اللعبة القديمة الممجوجة.
فى يوم 5 مارس 2017 ظهر د. عماد جاد فى لقاء مطول على قناة «صدى البلد» الأمنية، استهله بهجوم وقح وسلسلة من الأكاذيب ضد نشطاء أقباط المهجر. وصف عماد جاد النشطاء الأقباط بأنهم مجموعة من المتطرفين (!!) الذين «يقتاتون على الهجوم على مصر لأن ده أكل عيشهم وبدونه ملهمش لازمة» (!!)، ولم يقل لنا يقتاتون من من؟، ولماذا لا تخرج الأجهزة المصرية وتتهمهم رسميا بذلك لو كان لديها دليل واحد؟ والأهم من ذلك لماذا يعتبر عماد جاد أن مناصرة المظلومين ورفع شكواهم العادلة هي «من التطرف»؟
ثم يواصل عماد جاد تبجحه فى الأكاذيب ويتهمنى شخصيا ـ بالإسم ـ بأننى «هددت الرئيس السيسي ومرافقيه بأننا سنقذفهم بالبيض والطماطم» فى أثناء زيارته للأمم المتحدة فى سبتمبر 2016 !!!
وللتوضيح فإن الرئيس السيسي زار نيويورك ثلاثة مرات لحضور اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، وقد كان تحركنا كالآتى: فى الزيارة الأولى في سبتمبر 2014 ولدعم شرعيته المهزوزة وقتها فى مواجهة الإخوان، ولتشجيعه على أن يحقق أهداف 30 يونيه فى المواطنة والإندماج الوطني، ولتوضيح أن الحركة القبطية ليست فى عداء مبدأي مع الرئيس، نظمنا تظاهرة حاشدة لاستقباله فى نيويورك شارك فيها حوالي سبعة آلاف شخص. وفى زيارته الثانية فى سبتمبر 2015 كانت ملامح حكمه قد بدأت تتضح، لتبدو كامتداد لسياسة مبارك تجاه الأقباط، ولهذا قلنا أننا لن نخرج للترحيب بالرئيس السيسى وأن شهر العسل بينه وبين الأقباط قد انتهى، (ونشرت بعض الصحف والفضائيات هذا الكلام على لساني)، ومرت زيارته ولم يخرج للترحيب به سوى بضعة مئات معظمهم جاءوا من القاهرة خصيصا لهذا الغرض.
فى الزيارة الثالثة لجأت الدولة للكنيسة للحشد، وقامت الكنيسة بحجز 60 أتوبيسا على مدى يومين، من أموال تبرعات الأقباط، للترحيب بالرئيس أمام مقر إقامته وأمام الأمم المتحدة. وهذا ما اعترضنا عليه بشدة لأن هذا العبث المخزي ليس دور الكنيسة على حساب حقوق الشعب القبطى. ولكننا لم نعلن مطلقا أننا سنخرج ضده، رغم أن هذا حقنا فى ظل تدهور أوضاع الأقباط، ولكننا اكتفينا فقط بتحذير الكنيسة من مغبة هذا التصرف المعادي للشعب القبطي. ورغم محاولات الكنيسة لحشد الأقباط بكافة الطرق وكأنهم خرفان فإن الغالبية الساحقة منهم كانوا على درجة من الوعي، ولم يخرج لاستقبال الرئيس والتهليل له سوى بضعة مئات فقط، بما في ذلك من تم تسفيرهم من القاهرة على حساب رجال الأعمال الموالين للسلطة.
ولكن عماد جاد يتحدث طبقا لتوجيهات الأجهزة المخابراتية التى ترعاه، ويكرر نفس اتهام السادات للدكتور شوقي كراس بأن الأقباط قذفوه بالبيض والطماطم، رغم كذب السادات... أي ذات الجملة المخابراتية الكاذبة يكررها عماد جاد كذبا وبالحرف الواحد!!.
ولم ينس عماد جاد فى حديثه أن يمدح كلمة البابا تواضروس أمام أنجيلا ميركل، والتى نفى فيها البابا وجود اضطهادات أو مشاكل تواجه الأقباط، حيث وصف عماد كلمته بأنها «قطعة فى حب الوطن» !!!
لكن ما يوضح الدور المرسوم لعماد جاد وغيره من أقباط الأمن، هو ما كتبه فى صحيفة الوطن بتاريخ 18 سبتمبر 2016 (أثناء زيارة السيسي لنيويورك) في مقال بعنوان «نفقات الوفد البرلماني» يرد على من اتهموهم بأنهم مجموعة هتيفة للسيسي ممولة رحلتهم من جهة ما. الذي يهمنى فى رد عماد هو توضيحه بشكل سافر دور الأقباط المرافقين للسيسي فى الشهادة للزور ضد شعبهم المضطهد حيث كتب بالنص:
(أيضاً تحرك عدد محدود للغاية ممن يسمون «نشطاء أقباط المهجر» لشن حملة على الرئيس والادعاء بأن مصر تمارس سياسات اضطهاد بحق الأقباط وأن قانون الكنائس الصادر عن مجلس النواب مؤخراً هو قانون لمنع بناء الكنائس، ومن هنا كان مهماً للغاية أن تتسع المشاركة لتشمل وفوداً كنسية ونواباً أقباطاً للتصدى لمثل هذه الادعاءات، فهؤلاء يزايدون على الأقباط ويعتبرون أنفسهم أوصياء على أقباط مصر، هذا بينما تمارس الكنائس المصرية دوراً مهماً فى التعبير عن هموم الأقباط ومشاكلهم الروحية).
فى هذه الفقرة لا ينكر عماد جاد وجود اضطهاد للأقباط فحسب، ولكنه يبارك دور الكنيسة فى أن تكون المتحدث بأسم الأقباط، ويتغنى بقانون بناء الكنائس!!، وهو بهذا لحس كلام سابق له اعترض فيه على مشروع قانون الكنائس وأيد خروج الأقباط من عباءة الكنيسة!، ويبشرنا بدوره الحقيقى كبوق أمني يصاحب الرئيس فى كل رحلاته لكى يشهد بالزور ضد الأقباط.
وفى مقال آخر لعماد جاد فى صحيفة الوطن بتاريخ 9 يناير 2017 يعود ويكرر نفيه لوجود اضطهاد للأقباط وبأن هذا يشكل إجماعا مصريا، بل هو يشكك فى وجود تمييز أصلا ويقول أن الأراء تتراوح بين وصفه بالتمييز أو التهميش:-
(هناك شبه اتفاق بين الكتاب والمفكرين المصريين على أن ما يحدث فى مصر تجاه الأقباط لا يمكن وصفه بالاضطهاد، ويحدث قدر من الاختلاف بعد ذلك حول التوصيف الدقيق لواقع الحال، فهناك من يراه تمييزاً، وهناك من يراه «تهميشاً» وهو وصف يُعبّر عن سياسات أقل حدة وشمولاً من التمييز) !!!!!.
ولكن ما هو هدف عماد جاد في الهجوم على أقباط المهجر؟
من الواضح أن عماد جاد يقوم بتنفيذ تعليمات الأجهزة التي تواصل ما بدأه اللواء عمر سليمان سابقا من محاولات القضاء على الحركة القبطية فى المهجر بمختلف الطرق، مثل الشيطنة والمحاصرة والاختراق والاستقطاب والشراء والابتزاز، لكى يتم حصار الأقباط فى الداخل بدون صوت يدافع عنهم فى الخارج. وهذا التوجه هو ما أصبح جزءا من «عقيدة المخابرات» والتي تضغط بكل السبل، بما في ذلك على البابا تواضروس لتوريطه فى العداء للحركة القبطية فى المهجر بهدف إنهاء نشاطها والتلويح بأن المؤسسات الكنسية (للكنائس الثلاث الرئيسية) هي الممثل الوحيد للأقباط ...
وقد كتب عماد جاد بوضوح بأنه يريد إنهاء دور الحركة القبطية فى المهجر فى مقال له فى صحيفة الوطن بعنوان «الحل المصري» بتاريخ 19 سبتمبر 2016 (لا حظوا أنه خلال نفس فترة زيارة السيسي لنيويورك أيضا)، يقول في هذا المقال:-
(طبعاً فى عهدى السادات ومبارك تم تحجيم قوى الأقباط المدنية وجرى اختزال الأقباط فى الكنيسة، وهنا برزت أصوات قبطية فى الخارج، تحديداً فى الولايات المتحدة وكندا وأستراليا وبعض الدول الأوروبية، بدأت توجه النقد للنظام وجعلت من نفسها قيادة قبطية مدنية فى الخارج ، ولأنهم يعيشون فى الخارج كانت أصواتهم عالية ودرجة النقد شديدة ومن ثم بات بعضهم نجوم فضائيات ومنهم من اعتبر نفسه الزعيم المدنى للأقباط ومبعوث العناية الإلهية لإنقاذهم من براثن نظام متشدد. وكان توجههم الأساسى للعواصم الغربية والمنظمات الدولية يشكون النظام والدولة، ومنهم من استجاب لإغراءات أجهزة نظام مبارك وحصل على مقابل للصمت ومنهم من تمنع وكان يرغب فى المزيد.
مع ثورة ٢٥ يناير، برزت نخبة قبطية مدنية أو بمعنى أدق حصلت على فرصتها فى العمل، ساعدها فى ذلك جيل جديد من الأقباط خرج خارج أسوار الكنيسة وبدأ يطلب حقوقه كمواطن من مؤسسات الدولة، أيضاً فإن ثورة ٣٠ يونيو التى أعادت الاعتبار للهوية المصرية خلقت حالة من الحيوية على نحو لم تعد معه حاجة ولا مبرر لوجود ولا مجال لنشاط «نشطاء المهجر» فكل ما تريد قوله بإمكانك أن تقوله فى بلدك، وكل ما ترغب فى تحقيقه لك الحق فى المطالبة به).
فى هذه الفقرة المطولة يقر عماد جاد صراحة بأنه يريد إنهاء دور نشطاء المهجر، مدعيا كذبا بأن كل ما تريد قوله وتحقيقه متاح فى مصر!!!، ومن الواضح أنه يكتب هذه الفقرة المليئة بالغمز واللمز وعينه على شخصي، فهو يقارن بين من «استجاب لإغراءات أجهزة مبارك» (أي مايكل منير «الذى حصل على مقابل للصمت» كما يقول عماد جاد) وبين من «تمنع» لأنه كان «يرغب في المزيد» (!!) وهي حالة من الإسقاط النفسي المرضي، إذ يعتبر أنه أي شخص قابل للشراء، والاختلاف فقط على الثمن، ولا يفهم كيف يوجد من يحترم ذاته ويرفض الإغراءات تمسكا بالمبادئ !! ولو كنا نتربح ونقتات على القضية القبطية كما يزعم عماد جاد لكان بالأولى لنا قبول إغراءات الدولة المصرية!!!
وبذات التوجه وأثناء نفس رحلته لنيويورك فى سبتمبر 2016 مع داعمي السيسي كتب عماد جاد مقالا أشاد فيه بالهيئة القبطية الأمريكية بعد أن تم استقطابها بواسطة أجهزة الأمن المصري. هذه الهيئة، التى أسسها رائد الحركة القبطية فى أمريكا د. شوقى كراس عام 1972، ولكن بعد وفاته عام 2003 ضعف نشاطها، ثم انتهى فعليا ووصل الأمر بأن يستولي عليها بعض الشخصيات الضعيفة (سواقين تاكسى) ويتعاونون مع أجهزة الأمن المصري ضد توجهات وأهداف تأسيس الهيئة.
ما هى حكاية عماد جاد؟
د. عماد جاد هو باحث متخصص فى الصراع العربي الإسرائيلى في «مركز الأهرام للدراسات السياسية والأستراتيجية»، وهو مركز حكومي، وبطبيعة عمله فى ملف يُصنف كأمن قومى فكان من الضرورى أن يكون على تماس مع المخابرات العامة المصرية، وهذا شئ طبيعي ولا يعيبه، ولكن بعد ثورة 25 يناير 2011 تم دفعه للعمل العام ليلعب دورا جديدا محددا له، وحصل على الضوء الأخضر للكتابة فى الشأن القبطي ورفع « سقف كتاباته» حتى يتم تقديمه للمجتمع القبطي كبطل جديد يدافع عنه. وفجأة تحول إلى ثوري (رغم أنه لم يعرف عنه ذلك أيام حكم مبارك!)، وإلى ناشط قبطي، (رغم أنه كان صامتا صمت القبور على مدى عقدين، هى فترة عمله فى المركز، عن التطرق للشأن القبطي). وتم فرض عماد جاد ككاتب يومى فى صحيفة الوطن لصاحبها محمد الأمين المقرب للأمن، وفي المصري اليوم واليوم السابع والعديد من المنابر، ثم أصبح ضيفا دائما على فضائيات الأمن، ثم تحول إلى صاحب جريدة وصاحب فضائية ورئيسا لمجلس إدارتها. أي تحول ـ بقدرة قادر ـ من باحث مرتبه الفي جنيه شهريا إلى مشارك فى ملكية فضائيات (؟؟!!). ألا يوجد قانون «من أين لك ذلك» في مصر لمعرفة كيفية التحول من باحث مغمور إلى ثري؟
وبعد ذلك تم ترشيحه لعضوية مجلس النواب على قائمة رجل المخابرات سامح سيف اليزل «قائمة فى حب مصر» مع مصطفى بكرى وأسامة هيكل وشخصيات أخرى أختيرت بعناية من قبل الأمن، وهكذا دخل البرلمان. (وبالمناسبة عندما نشرنا بيانا ننادى فيه بالتمثيل النسبي العادل للأقباط، نشر سمير مرقس وعماد جاد وآخرون بيانا ضد التمثيل النسبى.. وهكذا استفاد عماد بعد ذلك من مادة التمييز الإيجابى للأقباط ـ لكن لدورة واحدة كما جاء فى الدستور!!)
وبالطبع فإن الجهات التى قادت كل هذه التحولات فى حياة د. عماد جاد ونقلته من طبقة إلى طبقة، ومن باحث معروف بالكاد وسط نخبة صغيرة إلى نجم ثري، تعرف كيف تستثمر فى كوادرها ولا تعطي شيئا مجانا. لقد أعطته حرية الكلام عن الأقباط بنغمة عالية، ولكن فى الوقت المناسب عليه القيام بدوره في ضرب القضية القبطية برمتها وتمييعها وتحويلها إلى مجرد جزء من مشاكل مصر العامة، أي لا توجد خصوصية للقضية القبطية، ولا يوجد اضطهاد، ولا توجد مسئولية للنظام عن ذلك، ولا حاجة لنشطاء بين أقباط المهجر.. فكل شئ تمام فى عهد السيسي رغم أن الواقع يختلف عن ذلك تماما.
صدقوني أنني ـ كالكثيرين ـ لا أتابع مقالات عماد جاد لأنه ببساطة يكتب كمجرد موظف حكومي لا ينتج أفكارا جديدة، ولكني اضطررت عند كتابة هذا المقال لتصفح 280 مقالا له في صحيفة الوطن، وبعض مقالات المصري اليوم وصعقت من نمطية وتكرارية أفكاره المستهلكة، لدرجة أنه كرر فكرة عن دور السادات فى خلق الجماعات الإسلامية في حوالي مائة وخمسين مقالا، وهى فكرة مستهلكة منذ ثلاثة عقود تطرق اليها عشرات الكتاب والباحثين.
ولكن خط كتاباته الأساسي يتمحور حول مهاجمة وتخوين نشطاء حقوق الإنسان، ودعاة الديموقراطية، ونشطاء المهجر، وكل ناقدي التوجه الأمني والعسكري للنظام، وكل من يختلف مع السيسي.
وطبعا فالسيسي عنده هو كالمهدي المنتظر والبطل القادم من السماء. فالسادات ومبارك استثمرا التوتر الطائفي ووظفاه سياسيا، أما في عهد السيسى فحدث تعاف من داء الطائفية والتعصب وتراجع الاحتقان الدينى كما يزعم (؟؟!!).... وذلك رغم أن عهد السيسي أصبح الأكثر نشاطا من كليهما فى توظيف الإعتداءات على الأقباط لتثبيت شرعيته داخليا وخارجيا.
باختصار د. عماد جاد هو مثال للتوظيف الأمني للمثقف القبطي، وعندما سينتهى دوره المنوط به سيتم حرق ورقته والطلب منه أن يصمت كما فعلوا مع غيره من قبل..
أما محنة الأقباط الحقيقية فهي إنهم يفتقرون لمن يدافع عنهم ويتبنى قضيتهم بصدق وإخلاص وبدون متاجرة، سواء من بين رجال الدين أو من العلمانيين.
حقا إن الأقباط «أقلية تحت الحصار».
No comments:
Post a Comment