Friday 13 July 2012

{الفكر القومي العربي} سمير كرم / الرئيس مرسي يولّي وجهه شطر المملكة



الرئيس مرسي يولّي وجهه شطر المملكة


سمير كرم
لم يتردد الرئيس المصري محمد مرسي في ان يتخذ قراره بان تكون اول زيارة خارجية له الى المملكة العربية السعودية .
فأن تكون المملكة هي مقصده الاول امر طبيعي ويتفق مع افكار الرئيس وتوجهاته السياسية والثقافية والفكرية، بل والدينية على وجه التحديد. وهي ـ في الوقت نفسه ـ ترضي تنظيم «الاخوان المسلمين» الذي يحيط به من كل جانب بصرف النظر عما يصرح به بشأن تشكيل الحكومة الجديدة او بشأن تكوين اي مجموعة جديدة في مجال الرئاسة او في مجال السلطة على اي مستوى كانت.
هذا التوجه نحو المملكة السعودية يتفق مع توجهات الرئيس الاخرى المتعلقة بالسياسة الخارجية، او حتى بالسياسات الداخلية . وأول ما يمكن ان يتبادر في ذهن الرئيس، في مثل هذه الظروف، هو ان عليه ان يثبت لقادة المملكة، ابتداءً من العاهل السعودي خادم الحرمين الشريفين، ان العلاقات السعودية المصرية لا يمكن ان تكون قد تأثرت بأي حال بالثورة المصرية ـ ثورة 25 يناير 2011 ـ ولا ان هذه العلاقات يمكن ان ينالها اي تأثير من وراء تخلي الرئيس المخلوع حسني مبارك عن الرئاسة. يعرف الرئيس مرسي جيدا الى اي حد كانت العلاقات السعودية المصرية في احسن احوالها، وان شروط هذه العلاقات كما تحددها المملكة كانت مصونة على اكمل وجه في عهد مبارك الذي طال لثلاثين عاماً. بل لعل طموح الرئيس مرسي ومعرفته المباشرة من خلال الخبرة الاخوانية الطويلة تدله على ان بإمكانه ان يترك انطباعا بأن العلاقات الثنائية يمكن ان تكون في عهده وفي عهدته افضل مما كانت في عهد الرئيس المخلوع. فالرئيس مرسي يدرك جيدا انه يمكن كرئيس، ان يكون اهم من مبارك للمملكة السعودية. فالرئيس المصري بحكم ارتباطاته بـ«الاخوان المسلمين» سياسيا وفكريا وبحكم معرفة المملكة لأفكار «الاخوان» من خلال علاقات طويلة ارتبطوا خلالها بالقادة السعوديين ارتباط حياة ووئام في سنوات سادت فيها علاقات متوترة بين المملكة ومصر، وتوجهات السياسية الداخلية والخارجية. كذلك خلال سنوات سادت فيها شروط السعودية للعلاقات مع مصر وقام الوئام الثنائي على اساس هذه الشروط.
اليوم والمملكة السعودية هي زعيمة «الربيع العربي» والموجّه العربي الاول والاهم لأحداث هذا الربيع حيثما كان، فإن دورها في الثورات الاسلامية يعطيها الحق كل الحق في ان توجه الدول التي حلت في عواصم الربيع العربي بأنظمة جديدة نحو سياسات وعلاقات تفرض المملكة حدودها وآفاقها واهدافها. يعرف الرئيس محمد مرسي هذه الحقائق جيدا ولا بد ان يكون قد بنى عليها قراره بأن يبدأ مسلسل رحلاته الخارجية بالمملكة السعودية.
في الوقت نفسه فإن زيارة الرئيس المصري للسعودية تغني عن البدء بزيارة للولايات المتحدة. بل ان الولايات المتحدة تعرف ان البدء بزيارة السعودية يحمل اليها رسالة طمأنة بأن سياسة مصر في ظل رئاسة محمد مرسي ستتبع مساراً يجعلها تتلاءم مع سياسات الولايات المتحدة لأن هذه السياسات ـ في جوانبها العربية ـ تنسق تنسيقاً دقيقاً وكاملاً مع سياسات المملكة. وفضلا عن هذا فإن التنسيق الاميركي مع المملكة السعودية انما يبنى على معلومات وأفكار تنقلها المملكة الى الولايات المتحدة وعلى معلومات وافكار تنقلها الولايات المتحدة الى المملكة السعودية، عن المسار الذي ترى كل منهما ان الجمهورية الثانية المصرية تسير فيه في ظل رئاسة الرئيس محمد مرسي.
فأن تحدد اطر السياسات المصرية على ايدي السلطات السعودية يكفي لان يترك لدى الولايات المتحدة القدر الذي تطلبه من الاطمئنان الى سياسات مصر. وينطبق هذا بصفة خاصة لان الولايات المتحدة ادت دورها التقليدي في جمع المعلومات عن النظام المصري الجديد من خلال اتصالات لم تنقطع ابدا طوال الفترة منذ تخلي مبارك عن الرئاسة في 11 شباط/ فبراير 2011، بل انها لا تزال مستمرة بوتيرة غير مسبوقة. وهذا احتياج يفرضه الوضع المصري بشكله العام حيث يبدو غامضا وقلقا وغير مستقر على اقل تقدير. ولا بد من الاشارة هنا الى ان تنسيق امر زيارة الرئيس مرسي للسعودية مع الولايات المتحدة لا بد ان يكون قد تم خلال تلك الاتصالات، ولا بد ان تكون الولايات المتحدة قد أعطت اشارة ضوء اخضر لهذه الخطوة، وتلقت بالمقابل وعدا بنقل صورة كاملة الابعاد عن تلك الزيارة بعد نهايتها مباشرة.
ان ضغوط الولايات المتحدة على القيادتين السعودية التقليدية والمصرية الجديدة بشأن هاتين المسألتين، السورية والايرانية، قد بلغت اقصى مستوياتها في الفترة الاخيرة. وقد تبدو المواقف المصرية غير واضحة بما فيه الكفاية ازاء سوريا وإيران بشكل يدعو الى قلق الجانب الاميركي، اذا قورنت هذه المواقف بالتزامات السعودية القاطعة للولايات المتحدة بموقف سعودي حاسم بل ومندفع تجاه احداث سوريا وتجاه خطط اميركا واسرائيل فيما يتعلق بالشأن الايراني.
والامر المؤكد ان مصر لا تستطيع في ظروف الهيمنة الحالية لتنظيم «الاخوان» على اجهزتها ان تحدد سياساتها ومواقفها ازاء سوريا وايران بعيدا عن السعودية. حتى ليمكن القول إن تلهف الجانب السعودي على تكوين موقف مصري محدد المعالم ضد سوريا وضد ايران يشكل احد اهم القضايا التي تناقش الآن بين الرئيس مرسي وقادة المملكة. والموقف الاميركي ازاء المسألتين لا ينقصه اي وضوح، فهو الموقف الذي يحدد اين ينبغي ان يكون التوجه السعودي وبالتالي اين ينبغي ان يكون التوجه المصري. وليس خافيا ابدا ان الموقف المصري في الايام الاخيرة من احداث سوريا آخذ في التبلور بعد تردد طال لأشهر عديدة. اتضح ذلك في موقف مصري اكثر موالاة للمعارضة السورية وأشد معارضة للحكومة السورية في اجتماعات القاهرة وفي اجتماعات باريس. واذا كان احد قد توقع موقفاً مصرياً تختلف ملامحه او تتناقض مع هذا التوجه المصري فإنه وقع في خطأ بالغ وبلا مبرر. وينطبق هذا ايضا على الموقف المصري من ايران. تبدو هناك مقاومة شديدة من جانب الحكم الاخواني المصري للسير في اتجاه مطلب جماهيري واضح بضرورة ادخال العلاقات المصرية الايرانية في الاطار الطبيعي والمتوقع مع دولة اسلامية تقوم بدور اقليمي يقف في صف المصالح العربية. ان هناك من يدرك في مصر انه في حالة وقوع حرب بين إيران وإسرائيل فستكون هذه اول حرب تشنها إسرائيل على بلد غير عربي. ولهذا يبدو الابتعاد عن ايران بمسافة تمنع قيام علاقات دبلوماسية معها امراً غير مبرر بل انه مدان من جانب الجماهير المصرية. مع ذلك فإن من المؤكد ان توجه الرياض تحذيراً او ربما انذاراً بأن لا تذهب ابدا باتجاه تحسين العلاقات مع ايران. ذلك ان مثل هذا الاتجاه من شأنه ان يضعف الدور السعودي الراهن في المنطقة الذي يجعل منها قوة اقليمية وإن تكن لا تملك مقومات هذا الدور السكانية والعسكرية.
ويبقى السؤال بعد ذلك: ماذا ينتظر من رئاسة محمد مرسي وعلاقاته الاخوانية ان تفعل ازاء ما تتعرض له من ضغوط من الجانبين الاميركي والسعودي بشأن مسألتي سوريا وإيران؟
يدل إقبال الرئيس المصري الجديد على السفر الى المملكة السعودية على انه اكثر استعداداً مما يظن اكثر المتفائلين لمقاومة الضغوط السعودية والاميركية على مصر لاتخاذ مواقف معادية لسوريا ولإيران. ان العلاقات الثنائية بين مصر والسعودية وهي الاساس في كل المحادثات والاتصالات تترتب على مواقف مصر من القضايا الاخرى الخارجية، التي تأتي كل من سوريا وايران في المقدمة منها، فبقدر ما تقترب مصر من المواقف السعودية والاميركية من هذه القضايا بقدر ما يمكن توقع كل ما هو ايجابي في العلاقات الثنائية بين البلدين. ولقد حرص السفير السعودي في القاهرة احمد القطان على ان يؤكد ان»خادم الحرمين الشريفين وجه الدعوة للرئيس مرسي لزيارة السعودية لتدعيم العلاقات بين البلدين في جميع المجالات... ان العلاقات بين البلدين اوسع من العلاقات الاقتصادية». وتدل عبارة في جميع المجالات على هذا المعنى الخاص لتأثير القضايا الخارجية والمواقف منها على العلاقات الثنائية. وتكتسب عبارة قالها السفير نفسه عن لقائه مع الرئيس مرسي اهمية اكبر حيث قال إن «اللقاء تطرق الى العلاقات بين البلدين والهموم التي تواجهها منطقة الخليج».
وتملك المملكة السعودية من اوراق الضغط على مصر الكثير، وليس اقل هذه الاوراق اهمية وجود نحو 350 مواطناً مصرياً في سجون المملكة «لاعتبارات أمنية»، وليس أقلها اهمية ايضا اهتمام مصر في ظروفها المرتبكة الراهنة بتأمين الحصول من السعودية على مساعدات او قروض تخرجها من الازمة الاقتصادية والمالية الحالية.
وحين يبدأ الرئيس مرسي علاقاته العربية بزيارة للسعودية فإن اعتراض الجماهير المصرية انما ينصب اكثر ما ينصب على المقارنة بين دور مصر الذي تتطلع اليه هذه الجماهير ودور مصر كما تحاصره سياسات السعودية، ليس لمصالح عربية محددة انما لمصالح اميركية واسرائيلية . وتعرف الجماهير المصرية ان دفع العلاقات المصرية السعودية بهذا الاتجاه انما يعني استمرار سياسات النظام القديم الذي اسقطته ثورة 25 يناير، وتعرف ايضا ان المملكة لم تكن تفضل ان تخسر نظام مبارك الطيع المرتشي. ولكنها ترى في صعود التيار الديني الى الرئاسة المصرية، والى ما هو اوسع من سلطة الرئاسة فرصة لا يمكن تعويضها لمواصلة الدور السعودي المهيمن ذاته ولمواصلة إبعاد الخطر على حكام المملكة ونظامهم.
ترى اي نوع من المكافأة ينتظره الرئيس مرسي من مضيفيه السعوديين؟ اي نوع من المكافأة ينتظره رئيس مصر الجديد من العاهل السعودي؟
هذا سؤال من المؤسف ان إجابته تتوقف على رغبة سعودية لا شك فيها في ربط مصر بعجلة السياسات السعودية التي ترتبط بدورها بعجلة السياسات الاميركية، وبالتالي الاسرائيلية. وهي إجابة تفرض بدورها على من يعي مدلولها ان يدرك ان مصر الثورة ليست مصر «الاخوان المسلمين». وإذا دخل الاخوان المسلمون هذا المضمار فإنهم لا يستطيعون الإبقاء على سلطة لهم ... ليس فقط في المدى البعيد بل حتى في المدى القريب.

كاتب سياسي ـ مصر.


No comments:

Post a Comment