Friday 20 July 2012

{الفكر القومي العربي} الثورات العربية سُرقت.. لمصلحة إسرائيل/ سمير كرم



الثورات العربية سُرقت.. لمصلحة إسرائيل

الوضع في المنطقة العربية بالغ الخطورة. يدل على مدى خطورته ان الشعب العربي نفسه يشعر أنه لا يفهم بوضوح ماذا يجري. يزيد من درجة هذه الخطورة ان ما يجري في سوريا لا يقترب بأي حال من الحسم، بل إنه وضع مهدد بخطورة اشد كلما استمر وكلما زاد التهديد بتدخل خارجي يحوّل الصدامات الارضية الى حرب اهلية كاملة الأبعاد والأخطار.
مع ذلك فإن الخطر الأكبر الذي يلوح في الوضع العربي يرجع بالدرجة الاولى الى ان العناصر الفاعلة فيه هي عناصر خارجية تساعد عناصر داخلية ظلت في حالة كمون لسنوات طويلة، بل لعقود متتالية. وهنا تبدو الولايات المتحدة هي اكثر العناصر الخارجية تدبيراً وتأثيراً في الوضع العربي. ويجيء هذا بعد فترة سادها ابتعاد الولايات المتحدة عن التأثير في البلدان التي انفجر فيها ما لا يزال يسمى بالربيع العربي. ويبدو ان القوى السياسية خارج السلطة في البلدان الخارجية التي تلعب دورا مؤثرا في المنطقة العربية تقترب حثيثا من إدراك وفهم التطورات. وبلغ الامر في بعض الحالات نقطة الشعور بأن الربيع العربي تسمية خاطئة وإن كانت هذه القوى نفسها هي التي اطلقت هذه التسمية من البدايات الاولى للاحداث العربية.
ولا تزال اسرائيل حريصة كل الحرص على ان تبدو بعيدة عن الفعل او التأثير في هذه الاحداث. حتى لقد بدا لبعض الوقت ان اسرائيل ربما تكون الأكثر قلقاً على نفسها وعلى امنها مما يجري في هذه المنطقة التي تحيط بإسرائيل من كل جانب.
لهذا بدا، منذ البداية الاولى لهذه الاحداث ان الولايات المتحدة ـ ومعها اوروبا الغربية بل ومعها حلف الاطلسي ـ تسير في اتجاه وتسير اسرائيل في اتجاه آخر، او على الأقل تفهم الاحداث في اتجاه مخالف. مع ذلك فإننا نحن العرب لم نتساءل كيف يمكن ان تكون الامور على هذا النحو، وكيف يمكن ان تختلف الولايات المتحدة مع اسرائيل الى هذا الحد الذي لم تألفه ابدا العلاقات بينهما، وبشكل خاص فيما يتعلق بتحديد المصالح المشتركة بينهما في المنطقة المحيطة بإسرائيل.
السبب الرئيسي وراء هذا الاختلاط في فهم احداث هذا الربيع، الذي آثرنا ان نصفه بأنه «لا هو ربيع ولا هو عربي»، يرجع الى تغيير اساسي في موقف الولايات المتحدة من القوى الداخلية التي تلعب الدور الرئيسي في احداث المنطقة العربية، وكانت قد اعتادت ان تصور نفسها على امتداد زمن طويل يبدأ من ظروف تأسيسها بأنها بحكم التكوين والعقيدة والتاريخ والمصلحة معادية لإسرائيل، وحتى الأكثر عداءً لإسرائيل من القوى الاخرى، وخاصة القوى التي سيطرت على الحكم وقبضت على السلطة في معظم البلدان العربية.
والمثل الأهم بين القوى الداخلية التي عكست مواقفها من اسرائيل، وبصفة خاصة من اولويات القضية ضد الصهيونية، هو مثل تنظيم «الإخوان» في مصر، من ناحية لأنه تعلم خلال علاقاته السرية الطويلة مع الولايات المتحدة ان ينحي الشأن الاسرائيلي جانباً من اجل ان يضمن دعم وتأييد النخب الحاكمة الاميركية والاوروبية لخططه وأهدافه، ومن ناحية اخرى لأن علاقته بالنخب الحاكمة في البلدان التي بقي فيها في اطار العمل السياسي ـ مثل نخبة مبارك ـ استوجبت القبول الذي اظهرته هذه النخبة لوجود اسرائيل وشروطها لممارسة الفعل الاستراتيجي والسياسي في المنطقة، بما في ذلك ما ترتكبه ضد الفلسطينيين من فظائع وتوسعات جغرافية واستيطانية. فكان من الطبيعي عندما دخل «الإخوان المسلمون» بكل ثقلهم في ثورة «25 يناير» المصرية ان لاقوا قبولا من الثوار ومن الذين التحقوا بهم. ولم يلبث «الإخوان» ان اعتبروا ان الثورة المصرية هي ثورتهم وأن القيادة لهذه الثورة هي قيادتهم وان كل من عداهم هم في المجال السياسي قوى جانبية غير مؤثرة، وفي المجال غير السياسي قوى غير مؤمنة بحكم كونها يسارية العقيدة او ليبرالية التوجهات.
زادت الوضع غموضا تحركات اميركا والاطلسي العسكرية في ليبيا التي قضت على القذافي، كما قضت على نظامه قبل ان تقضي عليه. وتضاعف الغموض عندما نشبت الصدامات العنيفة في سوريا وأخذ «الإخوان المسلمون» هناك يبرزون بفضل الدعم العسكري الاميركي والبريطاني والفرنسي والسعودي والقطري. وساد الغموض ليصبح سيد الاحكام عندما تمكن «الإخوان المسلمون» من عقد تحالف اولي مع المجلس الاعلى للقوات المسلحة صاحب الكلمة النهائية في الحكم في مصر، وصاحب الاتصالات المستمرة مع السلطات الاميركية حول كل الخطوات التي يقطعها في سبيل تمرير الفترة الانتقالية لوجوده على رأس السلطة.
ظلت اسرائيل تتذرع بالصمت او ما يشبه الصمت خلال فترة وقوع هذه التطورات، بينما كان يبدو بوضوح ما بعده وضوح ان «الإخوان المسلمين» ـ خاصة في مصر ـ يقدمون للولايات المتحدة كل الضمانات التي تشترطها لتقبلهم وتقبل صعودهم السريع الى السلطة، وكلها ضمانات تتصل بإسرائيل وبالعلاقات مع اسرائيل.
وبينما كان خط الوئام الإخواني مع الولايات المتحدة وما تحرص على الحصول عليه لنفسها ولاسرائيل يتسع ويتصاعد، كان خط الخلاف الى حد الصراع بين «الإخوان المسلمين» والمجلس الاعلى للقوات المسلحة يزداد حدة في نهايات الفترة الانتقالية لحكم هذا المجلس وبعد فوز «الإخوان المسلمين» والتيار السلفي المتحالف معهم من دون تعهد كتابي. وأدى ذلك الى تكبير دور الولايات المتحدة ازاء الطرفين فصارت ـ ربما بصورة فاجأت كثيرين ـ العامل المشترك للتهدئة بينهما. وقد قامت بهذا الدور الخاص جداً السيدة هيلاري كلنتون، وزيرة الخارجية الاميركية، في زيارتها المهمة لمصر.
هل استطاعت السيدة كلينتون ان تعقد اتفاق وئام بين «المجلس العسكري» والنخبة الإخوانية الحاكمة؟ سؤال تبقى اجابته بانتظار وقت اكثر ملاءمة للجانب الاميركي الذي لم يكن حاسماً تماماً في شأن ما اذا كان الوئام السياسي بين المجلس العسكري والنخبة الحاكمة الإخوانية يستجيب لمصلحة اميركا والسياسة الاميركية في الشرق الاوسط. ام ان الاجدى للمصالح الاميركية ان يبقى هذا الخلاف بل ان يتصاعد الى حد الصراع بينهما؟ هذا بدوره امر لا بد ان ينتظر اللحظة الملائمة لأميركا ليحصل على اجابة عملية وواضحة.
ترتفع درجة الحرارة في «ترمومتر» الدهشة عندما يظهر من جانب اسرائيل ما يؤكد انها ترى الامور في المنطقة العربية بمنظار تفاؤل اسرائيلي، يكاد ان يكون تفاؤلا مطلقاً.
«كلما زاد الشرق الاوسط تمزقاً كلما زادت اسرائيل صعوداً الى القمة اقتصادياً أوعسكرياً أو دبلوماسياً». هذه المقدمة ظهرت على رأس مقال كتبه غابرييل ماكس شاينمان لنشرة «رابطة الامن القومي اليهودية» التي تقيم في واشنطن، ولكنها تحتفظ بولاء لا نظير له لإسرائيل. ويقول شاينمان في هذا المقال «ان الربيع العربي ـ وهذه مفارقة اساسية ـ قد جعل اسرائيل اقوى بينما يتحول اعداؤها كل ضد الآخر. وبينما العواصم العربية تحترق فإن «القدس» قد زادت من صلابتها بهدوء وبعناية ضد التدهور الفجائي المحتمل بما يمكن ان يكون له من نتائج هادمة، وهي لهذا تبني الأسوار على طول حدودها المصرية والاردنية وتسارع في نشر نظامها الصاروخي القبة الحديدية. وبينما تبقى الدول العربية منغمسة في قلاقلها السياسية الاقتصادية والعسكرية تتنفس اسرائيل الصعداء على طول الخط، اقتصادها لم يمس، سياحتها في اعلى مستوياتها في كل زمان، وقوتها العسكرية لم تختبر، وحكومتها موحدة».
ويضيف كاتب اللوبي الاسرائيلي العسكري قائلاً «... إن قدرة الدولة المصرية قد تدنت بصورة اساسية. الاقتصاد المصري في ضائقة شديدة، فقد هبطت الاستثمارات الاجنبية المباشرة بنسبة 90 في المئة، والعجز في ميزانية العام الحالي يبلغ اكثر من عشرة في المئة من اجمالي الانتاج القومي والنسبة آخذة في الصعود. وبالاضافة الى هذا فإن حكم مصر العسكري والإخوان المسلمين يركزان انتباههما داخلياً على إعادة تثبيت النظام وتعزيز السيطرة الاقتصادية. وأي تحرك يشبه الحرب من جانب مصر تحت اي حكم اسلامي يمكن ان يؤدي الى قرار سريع بإلغاء المعونة العسكرية الاميركية التي تموّل الآن ما يوازي قرابة 40 في المئة من ميزانية مصر الدفاعية. وربما تكون الحقيقة ان الكيان السياسي لمصر اكثر عداءً للدولة اليهودية ولكن قدراته على الفعل على اساس هذا العداء قد تدهورت بصورة ملحوظة».
ويختتم شاينمان مقاله المثير للانفعال بالعبارة نفسها التي وضعها في صدر مقاله وليضيف إليها قوله: «فيما صعود الإسلاميين غير مرغوب فيه، فأن تدخل الفوضى لا يؤدي الا الى اسرائيل اقوى».
لا مبالغة على الاطلاق اذا اعتبرنا ان ما سبق هو وجهة النظر الاسرائيلية ـ والاميركية ايضاً - في احداث ما يسمى بالربيع العربي لناحية تأثيراتها على اسرائيل من النواحي السياسية والاقتصادية والعسكرية. فرابطة الامن القومي اليهودية في اميركا هي الناطق العسكري باسم اللوبي الصهيوني. وكتاباتها موجهة اكثر ما يكون الى القارئ اليهودي الاميركي المعني بأمن إسرائيل وبالتالي بعلاقاتها العسكرية مع الولايات المتحدة.
اننا لا نبالغ بأي حال اذا قلنا ان المنطقة العربية مشغولة انشغالا تاما، او شبه تام حتى لا نتهم بالمبالغة، عن الشأن الاسرائيلي بما في ذلك الخطر التوسعي الاسرائيلي، بل عن احتمالات استغلال اسرائيل هذه الظروف العامة في المنطقة لتحقيق صعود عسكري وسياسي واقتصادي، الامر الذي يزيد حجم التهديد الاسرائيلي للوطن العربي ككل. ومعنى هذا ان الوضع الذي افترضنا انه وضع ثوري بتكوينه وطبيعته وتأثيراته على الجوانب الداخلية والخارجية في حياة هذا الوطن قد وجه بحيث يؤدي الى نتائج عكسية.
حدث هذا في كل من البلدان التي سُرقت فيها الثورة «ليبيا حيث سرق الثورة حلف الاطلسي ومن ساعده عسكرياً وقدم له الدعم السياسي (السعودية وقطر والإمارات العربية). مصر، حيث سرق الثورة تنظيم الإخوان المسلمين الساعي للسلطة بغض النظر عن اية شروط لذلك. سوريا حيث لا تزال الولايات المتحدة تحاول تمكين الجماعات الإسلامية من سرقة الثورة لحسابها ولحساب اسرائيل.
متى تعود الثورة العربية الى طريقها الحقيقي؟ ومن سيقود الطريق الأصعب الذي يلي ذلك؟

كاتب سياسي ـ مصر


No comments:

Post a Comment