Thursday 5 July 2012

{الفكر القومي العربي} VB: مصر و حقول الألغام



مصر  و حقول الألغام
 
عاش الشعب المصري هذه الأيام فرحة وبهجة عارمة بعد نجاح د. محمد مرسي بإختراق جدار العسكر و الفلول بفضل الله ومن ثم وعي شباب مصر الأحرار ، وهي فرحة غامرة وأُنس عاطر لا يستطيع أيُّ سويٍّ كتمانه ، بل صفقت الطير بأجنحتها والحوت بزعانفها والدواب بجوانحها فرحاً بزوال حكم مبارك وزبانيته  وفرار مرشح الرئاسة احمد شفيق الى ابوظبي و قد سبقه اليها مدير المخابرات السابق عمر سليمان، ولكن  النصر على الفلول لا بد أن يوزن بميزان الكتاب والسنة مع اعتبار مقاصد الشريعة دون تأثر بميل الهوى ورغائب النفس كما قال تعالى (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينً) [الأحزاب : 36].

وبادئ الأمر ؛ أن لله دركم يا شعب مصر فقد صبرتم على الذل دهرا طويلا حتى أمام الكفر البواح الذي عندكم من الله فيه برهان مع الظلم الصراح في الدين والمال والعرض ، فعاد الناس بانتخاب محمد مرسي يتلمظون طعم العز والعدل ، وكنتم  سيدي الرئيس من أول من امتثل قول الله تعالى (وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ) [الشورى : 39] ، وقد كان أهل العلم وما زالوا يخافون على الناس شر هذه الفتن ، ووالله خفناه عليكم لكن صبرتم صبر الرجال وضرب الله قلوب الملأ الظالمين عندكم بعضها ببعض فتحقق أول مرادكم ، بتعين د. محمد مرسي رئيسا لمصر حتى يحكمكم بالعدل والإيمان .لقد استمعنا لخطابات السيد الرئيس في ميدان التحرير و في جامعة القاهرة و توسمنا خيرا بأن مصر ستخرج منتصرة و تعود لها كرامتها السليبة.

واليوم  تعيش أرض الكنانة بعد هذا على نار السفود حتى تعود المؤسسات المنتخبة الى و ضعها القانوني وخاصة مجلسي الشعب و الشورى والله وحده العالم بما ستؤول إليه الأمور ، وعسى الكريم الرحمن أن ييسر للمصريين خيرها وبركتها ويكفيهم شرها وضرها .





و حتى تستقر الأحوال بمصر نقول هناك ثلاثة امور يجب ان تكون واضحة بالتعرف على صفة الحاكم وهي إما أن يكون عادلا أو جائرا أو كافرا .و الحمدلله فقد اختار الشعب المصري إماما  مؤمنا و عادلا و هذا لا يختلف عليه اثنان. و اتفقت الأمة جمعاء على وجوب طاعته في غير معصية الله وعلى حرمة الخروج على ولايته ، وجاءت النصوص المتكاثرة في الثناء عليه :
ففي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله : إمام عادل .." فذكره أولهم . وفي صحيح مسلم مرفوعاً : "مَنْ أَطَاعَ الأمير فَقَدْ أَطَاعَنِى وَمَنْ عَصَى الأمير فَقَدْ عَصَانِى".
وأخرج أبو داود عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيَّ قال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم : "إِنَّ مِنْ إِجْلاَل الله .. إِكْرَامَ ذِي السُّلْطَانِ الْمُقْسِطِ" ، وقد روي موقوفاً وإسناده أثبت . وفي آية النساء (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم) .

الإسلام  أوجب على الحاكم أمرين عظيمين : 1-أداء الأمانات .     2-والحكم بالعدل . وهذان جماع السياسة الربانية .

فمن لم يؤد الأمانة أو لم يحكم بالعدل بأن مثلا :

1-
ولى شخصا لقرابة أو معرفة وغيرُه أكفأ وأصلح منه ، وقد قال عمر بن الخطاب : من ولى من أمر المسلمين شيئا ، فولى رجلا لمودة أو قرابة بينهما فقد خان الله ورسوله والمسلمين .

2-
أو لم يقسم المال العام بالعدل بل استأثر به هو أو قرابته أو حاشيته بما ليس لهم ، وقد قال صلى الله عليه وسلم كما في الصحيح "مَنِ اقْتَطَعَ حَقَّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ بِيَمِينِهِ فَقَدْ أَوْجَبَ اللَّهُ لَهُ النَّارَ وَحَرَّمَ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ » فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ وَإِنْ كَانَ شَيْئًا يَسِيرًا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ «وَإِنْ قَضِيبًا مِنْ أَرَاكٍ".
3-
أو ظلم أو بغى ، أو أمر بمنكر أو نهى عن واجب أو نشر الفساد أو حماه فقد قال صلى الله عليه وسلم : « مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْتَرْعِيهِ اللَّهُ رَعِيَّةً يَمُوتُ يَوْمَ يَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ إِلاَّ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ ».

4-
أو لم يقم بأمر الصحة أو التعليم أو المواصلات أو الاتصالات ونحو ذلك ؛ كما يجب .

والمقصود انه انتقص شيئا من ركني الولاية العادلة ولنفترض أنه : استشرى في عهده الفساد السياسي أو الإداري أو المالي أو الاجتماعي أو غيرها .
فعندئذٍ ما الواجب على الشعوب .. على الناس للخروج من هذا المأزق ؟

هل يستسلمون للواقع المرير ، ويكتفون بالحوقلة ، وينتظرون الفرج من الله دون مدافعة وعمل ، هذا خلاف العقل والشرعِ معاً .

فما العمل إذا جار الحاكم على الناس ؟

في حديث أم سلمة رضي الله عنها في صحيح مسلم قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : سيكون بعدي أمراء فتعرفون وتنكرون فمن أنكر فقد برئ ، ومن كره فقد سلم ، ولكن من رضي وتابع ، قالوا: أفلا ننابذهم بالسيف؟ قال : لا ما أقاموا فيكم الصلاة . وفي صحيح مسلم أيضاً في حديث الأمراء : « ثم إنها تخلف من بعدهم خلوف يقولون ما لا يفعلون ويفعلون ما لا يؤمرون ، فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن ، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن ، و من جاهدهم بقلبه فهو مؤمن ، وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل » .


بعد التجربة المصرية الناجحة بإنتخاب رئيسا  من عامة الشعب نجد لزاما على الأقطار العربية التي تحكمها ديكتاتوريات  في هذه الأيام فرصة عظيمة للتصحيح والتغيير للأفضل في العلاقة بين الحاكم والمحكوم .
 
 
فالواجب هنا أن تمتد جسور الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بين الحكام والشعوب (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ) [آل عمران : 110] كل بحسبه :

من كان يستطيع إيصال النصيحة مباشرة إلى المسؤول فهذا واجبه ، فإن كان الرفق أحرى بقبول النصيحة فليترفق ، وإن كانت الشدة أبلغ في تأثير النصيحة فلا عليه فإن "أَفْضَلُ الْجِهَادِ كَلِمَةُ عَدْلٍ عِنْدَ سُلْطَانٍ جَائِرٍ".

ومن لم يستطع فليوصل نصحه عبر شبكة التواصل الإجتماعي و تويتر و الشبكة العنكبوتية أو بلقاء مدير الديوان وغير ذلك من الوسائل ، مع تتابع النصح على الحاكم أو من ينيبه بخصوص هذا الفاسد .

فإن لم يجدِ ذلك مثل حاكم سوريا الذي طغى و تجبر واتكب المجازر يحق شعبه فيجري التشهير به وفضحه في كل ميدان كما قال تعالى (لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ) [النساء : 148]  وسرقة أموال المشاريع العامة من الظلم البين ، وإذا كان الزاني والزانية يأمر الله بالتشهير بهما (وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) [النور : 2] ، فكيف بالإسراف بالقتل و بالفساد المالي وسرقة الملايين التي رصدت لحاجة الناس الضرورية ومرافقهم الهامة من المستشفيات والمواصلات والاتصالات وغيرها ؛ فهذه من باب أولى .
وهؤلاء الفاسدون لن يردعهم إلا الخوف على كراسيهم.
 
محمود الدبعي


No comments:

Post a Comment