Wednesday 11 July 2012

{الفكر القومي العربي} استراتيجية العسكرية الأمريكية في منطقة آسيا والمحيط الهادئ الجزء الأول والثاني الطاهر المعز


كنعان النشرة الألكترونية
Kana'an – The e-Bulletin
السنة الثانية عشر العدد2938 و 2939
 8و9 تمّوز (يوليو) 2012       
 
استراتيجية العسكرية الأمريكية في منطقة آسيا والمحيط الهادي
الجزء الأول
الطاهر المعز
مقدمة
استراتيجيا الهيمنة: أعلنت وزيرة الخارجية الأمريكية، لمجلة «فورين أفيرز» عن استراتيجية أمريكية جديدة بعنوان "القرن الأمريكى الباسيفيكى"، كما كان القرن الماضى قرن المحيط الأطلنسى، وضاعفت أمريكا خلال السنوات الماضية من التمدد وفرض هيمنتها على القارة الآسيوية، مما سرع من التقارب بين الصين وروسىا لتشكيل تحالف اقتصادى بين البلدين بهدف وصول قيمة التبادل التجاري بينهما إلى 100 مليار دولار سنويا سنة 2015 و200 مليار دولار سنة 2020، وأعلنت الحكومتان عن تحالف استراتيجى فى مواجهة تزايد النفوذ الأمريكى فى جمهوريات آسيا الوسطى، وفي المنطقة العربية، وبدأت أمريكا في تنفيذ هذا التحول الاستراتيجى والأمنى من المحيط الأطلنسى إلى المحيط الهادئ، وانتقال الأولوية من حماية مصالحها فى أوروبا إلى التركيز على شرق آسيا (والصين من وراء ذلك) وكثفت المناورات وزادت من تواجدها العسكري قرب بحر الصين الجنوبي... ودعت حلفاءها الأوروبيين إلى تحمل مسؤوليات الدفاع عن أنفسهم وعن مصالحهم، وذهب وزير الحرب "ليون بانيتا" إلى شرق آسيا لتطمين حلفاء أمريكا هناك وإقناعهم بجدوى المظلة الأمنية التى توفرها لهم، فى أستراليا والفلبين وكوريا واليابان وتايوان... عن برقية أ.ف.ب 09/06/12(بتصرف)
 
ن تحول موازين القوة في القرن الحادي والعشرين، في المجالات الاقتصادية، والسياسية والعسكرية، نحو الشرق، يمهد الطريق للحرب العالمية الثالثة، التي سيكون طرفاها روسيا والصين من جهة، والولايات المتحدة من جهة أخرى... أن أصحاب القرار في الولايات المتحدة أصدروا تعليمات للقوات المسلحة باحتلال سبع دول شرق أوسطية بطرق غير مباشرة، من أجل استغلال مواردها الطبيعية، خصوصاً النفط والغاز، والسيطرة على الطاقة هي أداة للتحكم في دول المنطقة، أما السيطرة على الغذاء فهي السبيل للسيطرة على شعوبها... إن قطع طرق الإمداد عن الصين هي أقصر طريق لهزيمتها..." هنري كيسنغر، مستشار الأمن القومي الأمريكي، ووزير الخارجية في مرحلة الحرب الباردة - آذار 2012

يكمن هدف أمريكا في السيطرة على مصادر الطاقة وطرق الإمداد، ليس فقط لاستهلاكها الداخلي، وإنما للضغط على منافسيها وخصومها، إذ لأمريكا مخزون هائل من الطاقة، وقد طورت في السنوات الأخيرة تقنيات الحفر واستخراج النفط والغاز من الصخور والتراب، لخفض كلفة استخراجه، وقد تصبح أكبر منتج في العالم، وقد تستغني على استيراد الطاقة، وتضل السيطرة على مصادر الطاقة هدفا استراتيجيا أمريكيا لإضعاف الخصوم.... (1)
 
تعتبر أمريكا أن المنطقة العربية هي بوابة آسيا، ولذلك ورغم إعلان انسحاب معظم قواتها العسكرية من العراق، فإنها عززت قواعدها الكثيرة التي تحيط بالخليج وفلسطين، وحسب تقرير لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ ستبقي أمريكا على 13 ألف جندى في الكويت، تحسبا لأى أزمة مفاجئة فى المنطقة، إضافة إلى القواعدة البحرية الهامة في قطر والبحرين، وقواعد السعودية والعراق وتركيا الخ، وشدد وزير الحرب الأمريكي على ضرورة وأهمية التواجد العسكري الأمريكي في الوطن العربي، وتوقع الإبقاء على 40 ألف جندي، بعد "الانسحاب" من العراق، وعلى 68 ألف جندي في أوروبا، القريبة من روسيا ومن الوطن العربي... وأكد تقرير مجلس الشيوخ على أهمية علاقات واشنطن بدول مجلس التعاون الخليجي، "للحفاظ على الاستقرار في المنطقة، وتحسبا لأي تهديد للإقتصاد العالمي، فهي تحتوي على أكثر من نصف مخزون العالم من النفط وثلث مخزونه من الغاز، وتعبر مياهها 40 بالمائة من مجموع التجارة البحرية النفطية العالمية"... ( نشر التقرير يوم 18 حزيران 2012)
 
كان هناك نوع من التوازن الإستراتيجي خلال فترة "الحرب الباردة"، واستغلت أمريكا وحلفاؤها انهيار الإتحاد السوفياتي وحلف وارسو (الذي تأسس بعد 5 سنوات من تأسيس حلف الناتو) وسقوط أنظمة دول أوروبا الشرقية الواقعة تحت الهيمنة السوفياتية، لبسط نفوذها على العالم، وتقوية حلف شمال الأطلسي (الذي تأسس ل"محاربة الشيوعية")، عوض حله، بعد انهيار "العدو"... وسيطرت أمريكا عسكريا وسياسيا على مناطق جديدة من العالم، منها الوطن العربي وافريقيا وجزء من آسيا، إضافة إلى كامل منطقة أوروبا، باستثناء روسيا... وكان الشعب الفلسطيني، بشكل خاص، والعرب بشكل عام، من أكبر الخاسرين والمتضررين من سقوط الإتحاد السوفياتي، الذي وإن لم يكن صديقا، فقد كان يمثل قوة ردع يحسب لها ألف حساب، وله مصالح يدافع عنها... وكانت الحرب على العراق سنة 1991، بمشاركة عربية، وكانت اتفاقية أوسلو وما تعنيه من التخلي عن 80 بالمائة من فلسطين وعن ثلثي شعبها (اللاجئون)... وفي الجانب الإقتصادي تعزز نفوذ صندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة العالمية... وتعزز بالتالي نفوذ الإمبريالية الأمريكية، التي قضت على أي هامش لاستقلالية حلفائها أومنافسيها، وقضت على محاولة بعض القادة الأوروبيين لخلق كيان سياسي أوروبي، يتمتع بنوع من استقلالية القرار...
 
مرحلة جديدة واستراتيجية جديدة
عندما تشتد أزمة رأس المال، تحاول الدول والشركات الإحتكارية والمؤسسات المالية الكبرى إنقاذ حياتها، وحل الأزمة بأي شكل، ولو بإشعال حروب طاحنة، إما لإزاحة المنافسين أو لغزو أسواق جديدة، أو لتحقيق الهدفين معا... واندلعت الحروب الإستعمارية أو بين الإمبرياليات من أجل السيطرة على الأسواق والمواقع الإستراتيجية... وخرجت أمريكا من الحرب العالمية الثانية، أقوى من أي وقت مضى (لأن الحرب العالمية الأولى والثانية خربتا أوروبا وبقية العالم، وبقيت الأراضي والبنية التحتية والمصانع الأمريكية بمنآى عن ذلك) وهيمنت على بقية العالم، خصوصا أوروبا، بواسطة المساعدات المالية ("مخطط مارشال")، والقواعد العسكرية الأمريكية، والأطلسية، وازداد نفوذها في آسيا، حيث ركزت قواعدها في اليابان، وكوريا الجنوبية (بعد الحرب الكورية)، إضافة إلى الجزر التي سيطرت عليها منذ القرن التاسع عشر... ومنذ الحرب العالمية الثانية لم تشتعل حرب بين الإمبرياليات الغربية، وصارت الإمبريالية تؤجج حروبا إقليمية باستمرار، في عدة مناطق من العالم، لتشغيل وتطوير صناعة السلاح، ولتفكيك الدول الوطنية (خصوصا في افريقيا والوطن العربي) والسيطرة على مختلف الثروات واحتلال المواقع الإستراتيجية، أو لإزاحة الخصم الذي كان متمثلا في الإتحاد السوفياتي إلى غاية انهياره سنة 1989، فتغيرت وتيرة الحروب وشكل غزو بنما عملية تدريب أولى للجيوش الأمريكية، قبل المرور إلى حروب محاصرة وتفكيك الدول، في العراق (1991) ويوغسلافيا، ثم أفغانستان والعراق ثانية، باحتلاله، وجربت أمريكا القصف من البحر والجو، قبل احتلال العراق وأفغانستان، ثم استعمال جيوش المرتزقة (خصخصة الحرب)، وخلق فتن مذهبية وطائفية وعشائرية، وحروب داخلية تقضي على أسس الولاء للوطن والوحدة الوطنية والدولة الوطنية والجيش الوطني الخ... وفي نفس الوقت تقوية موقع الحلفاء "الثابتين"، الأوفياء، كالكيان الصهيوني، وقلب أنظمة أخرى بافتعال احتجاجات داخلية، ممولة ومنظمة أمريكيا، بعد حملات التبشير وانتشار المنظمات "غير الحكومية" (الثورات الملونة)...
 
يبدو إذن أن الإمبريالية تخلت عن فكرة إشعال حروب عالمية، وأصبحت تناور على عدة جبهات في نفس الوقت، وتشعل عدة حروب "صغيرة"، تديرها بشكل متزامن، دون مشاركة جيوشها فيها مباشرة، وبالتالي تقليل الخسائر وتضخيم الأرباح، من بيع الأسلحة إلى السيطرة على المواد الأولية والمواقع الإستراتيجية، مع تفكيك الدولة الوطنية والقضاء على مقوماتها، وخلق كيانات هشة، لتسهيل السيطرة عليها... ويستبعد أن تتصارع القوى الإمبريالية "الغربية" فيما بينها في المستقبل المنظور، إذ هيمنت أمريكا على أوروبا وعلى الحلف الأطلسي، وجرتها إلى حروبها في العراق وأفغانستان ويوغسلافيا وليبيا... وليس لأوروبا مشروع مستقل لبناء قوة منافسة لأمريكا، في الوقت الحاضر... مما يضيق رقعة أصدقائنا ويوسع رقعة أعدائنا (كعرب وكشعوب ترزح تحت الإستعمار والإضطهاد والهيمنة)
 
خلفية تاريخية
بعد انهيار الإتحاد السوفياتي، أصيبت روسيا بوهن شديد وعرفت أزمات اقتصادية حادة وانهيار الصناعة والفلاحة والتكنولوجيا، لمدة قاربت العشرين سنة، استغلتها أمريكا لضم دول أوروبا الوسطى والشرقية (التي كانت تحت الهيمنة السوفياتية) إلى الحلف الأطلسي، وفرضت انضمامها إلى الإتحاد الأوروبي، وركزت قواعد عسكرية في دول آسيا الوسطى، الغنية بالنفط والغاز ومختلف المعادن... وعادت روسيا إلى الساحة الدولية باحتشام كبير، بعد أن خسرت مواقعها، وحاصرتها أمريكا بالقواعد وبالصواريخ، وبالدول الصغيرة المعادية، وزرعت داخلها قنابل موقوتة (الشيشان، داغستان...)، بمساعدة الرجعية العربية والصهاينة وقوى الإسلام السياسي...
 
أما الصين التي اتبعت سياسة المهادنة منذ سادت نظريات "دنغ سياو بينغ"، وتطبيقاتها السياسية والإقتصادية، في بداية عقد السبعينات من القرن المنصرم (قبل وفاة "ماو تسي تونغ")، فإنها أصبحت منافسا قويا في المجال الإقتصادي، رغم ضعف الهيكلة والبنية الإقتصادية، لكنها تمكنت من غزو أسواق الإستهلاك، وأسواق الطاقة والبنية التحتية في افريقيا وآسيا وبعض دول أمريكا الجنوبية... وراكمت فائضا هاما من السيولة بفضل الإستغلال الفاحش للطبقة العاملة المحلية والافريقية، واستغلال الفلاحين الذين هاجروا إلى المدن، في ظروف أقرب منها إلى مرحلة العبودية، من الإستغلال الرأسمالي، واشتهرت الشركات الحكومية (والخاصة) الصينة بالإستغلال الفاحش للعمال وللثروات المعدنية والطاقة في افريقيا، وتوقيع عقود مقايضة، كالنفط مقابل سلع صينية، أو بناء سكة حديدية مقابل منتوجات صينية الخ... ولم تفوت الصين الفرص المتاحة، بما فيها في البلدان التي تهيمن عليها أمريكا، مثل أفغانستان، حيث أرادت أخذ نصيبها من ثرواتها... (2)
 
ومنذ انهيار الإتحاد السوفياتي إلى غاية 2011، وتدمير ليبيا وتغيير النظام فيها بالقوة العسكرية من قبل حلف شمال الأطلسي وأوروبا وأمريكا (بغطاء الجامعة "العربية" وأموال السعودية وقطر والإمارات)، أصبحت روسيا والصين تعبران عن احترازاتهما ومخاوفهما من الإستراتيجيا الأمريكية، الأوروبية، الأطلسية التي تهدف محاصرتهما وعزلهما عن الموارد الطبيعية وعن المواقع الإستراتيجية في العالم، بل ومحاصرة أراضيهما بالقواعد العسكرية والجيوش والأنظمة المعادية، والإعلام الذي يركز على "عدم احترام حقوق الإنسان" وعلى "تنامي الإنفاق العسكري" الخ... وكان استعمال حق النقض في مجلس الأمن، من قبل روسيا والصين، ضد التدخل العسكري المباشر في سوريا، تعبيرا عن احتداد الخلافات وعن اعتزام روسيا والصين الدفاع على مصالحهما أو ما تبقى منها، خصوصا بعد تحسن وضعهما الإقتصادي، إذ استفادت روسيا من ارتفاع أسعار النفط والغاز، واستفادت الصين من الأزمة المالية والإقتصادية العالمية، لتعزيز موقعها كأكبر دائن وأكبر مستثمر في العالم، وأصبح اقتصادها يحتل المركز الثاني، عالميا، مكان اليابان، بل أصبحت تستثمر في اليابان، بعد الكارثة الطبيعية والنووية غلتي حلت بها سنة 2011، واليابان هي القوة الإستعمارية المهيمنة في منطقة آسيا، منذ قرون، واحتلت الصين وكوريا والدول المحيطة بها... (3)
 
بعد تدمير العراق وتقسيمه والقضاء على مقومات الدولة الوطنية، وضمان هيمنتها الدائمة، أعلنت أمريكا عن سحب جيوشها، مع الإبقاء على عشرات القواعد العسكرية وعلى كل مقومات سيطرتها الكاملة على البلاد... وأعلنت عن قرب سحب قواتها من أفغانستان، بعد تخريب البلاد، مع الإبقاء على قواعد عسكرية فيها وفي البلدان المجاورة، ومواصلة الإغتيالات والقتل الجماعي عن بعد... وتزامن إعلان "انسحاب" الجيوش الأمريكية من العراق وأفغانستان مع تكثيف تواجدها العسكري في افريقيا، بواسطة القيادة العسكرية الموحدة في افريقيا "أفريكوم"، خصوصا بعد الحرب ضد ليبيا، وفي الجانب الآخر من الكرة الأرضية أعلنت أمريكا عن استراتيجيتها الجديدة، وتحويل ثقل وجودها العسكري إلى جنوب آسيا
 
تحول مركز القوة العسكرية الأمريكية نحو الشرق
جرى الإعتقاد أن السياسة الخارجية الأمريكية تعرف بعض الجمود ولا تتخذ الإدارة الأمريكية قرارات هامة، خلال سنة الإنتخابات الرئاسية... ويكذب الواقع هذا الوهم، إذ نشطت الإجهزة الديبلوماسية والعسكرية الأمريكية، بشكل كبير خلال سنة 2012، على عدة جبهات، في افريقيا، والوطن العربي وآسيا وأوروبا... فبينما كان وزير الحرب يقوم بجولة واسعة النطاق لمدة 7 أيام، شملت 9 دول (منها الفلبين وكوريا والهند وفيتنام وماليزيا وسنغافورة...)، كانت وزيرة الخارجية في أسطنبول، مع أقرب الحلفاء، لدراسة استراتيجيا تطويق روسيا والصين... وقال بانيتا يوم السبت 2 حزيران 2012 في سنغافورة، أمام منتدى أمني سنوي، شارك فيه زعماء سياسيون وقادة عسكريون من 30 دولة، من منطقة آسيا والمحيط الهادي، وهي قمة ينظمها المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، الذي يتخذ من لندن مقرا له: " ستنقل أمريكا غالبية سفنها الحربية الى منطقة اسيا والمحيط الهادي بحلول عام 2020 (فيما أسماه بعملية إعادة التوازن للقوات الأمريكية)... سنعيد نشر اسطولنا البحري وبذلك سنضع 60 في المئة من سفننا الحربية هناك ارتفاعا من 50 في المئة الان مع الاحتفاظ بست حاملات طائرات في المنطقة، وسننشر معظم الغواصات والمدمرات والطرادات والسفن القتالية الساحلية، في هذه المنطقة بحلول عام 2020 "... وكان قد ألمح لهذا البرنامج في كانون الثاني 2012، خلال نفس المدة التي قدم فيها الرئيس باراك أوباما الاستراتيجية العسكرية الأمريكية الجديدة التي تضع آسيا (عوضا عن أوروبا)، كأولوية استراتيجية إلى جانب "الشرق الأوسط" (وهي التسمية التي أعطاها الإستعمار للوطن العربي)...
استغلت أمريكا ظروف الحرب في أفغانستان والمساندة الواسعة التي تلقاها باسم "مكافحة الإرهاب"، لتطوير فنون الإغتيال، بأسلحة فتاكة جديدة، تقاد عن بعد من أمريكا، مثل الطائرات بدون طيار التي تستخدمها يوميا في باكستان، وجهزت عددا منها بمحركات نووية، لتستطيع التحليق لعدة أشهر دون توقف، وبقنابل نووية صغيرة، وتستخدم للتجسس (فوق إيران والصين وروسيا...) وللإغتيالات والتخريب، وتقوم بتصنيعها شركات "جنرال إلكتريك" و "نورثروب غرومن" وغيرها، واستفاد الكيان الصهيوني من هذه التقنيات، لتطوير صناعة الموت والإغتيال، وبيع طائرات بدون طيار إلى الصين وروسيا، بعد مشاركتها في الحرب بين جورجيا وروسيا... وتمتلك وزارة الحرب الأمريكية 7500 طائرة من هذا النوع، وقررت خلال سنة 2012 زيادة أسطولها منها بنسبة 30 بالمائة، وإنفاق 32 مليار دولار، وفرضت على حلفائها في أوروبا وكندا وكوريا الجنوبية واليابان، وغيرها، تزويد جيوشها بها، لكي تزدهر الصناعة الحربية الأمريكية...
 
أهمية المحيط الهادئ
يأتي هذا التحول في التركيز الامريكي بعد اكثر من عقد من الحرب في افغانستان والعراق، ويهدف احتواء ظهور الصين كقوة عالمية وتطويقها، وجاءت زيارة وتصريحات وزير الحرب الأمريكي في وقت تجدد فيه التوتر بشأن بسط السيادة في بحر الصين الجنوبي، وهو مضيق استراتيجي من الناحية التجارية والإقتصادية، إذ تمر حوالي 90 بالمائة من حجم التجارة العالمية من المنطقة المحيطة به (المحيط الهندي والمحيط الهادئ)، ويحتوي قاع البحر على النفط والغاز وعلى عدد هام من المعادن، منها الثمينة جدا، إضافة إلى وفرة الأسماك...
 
تمر نصف عدد الحاويات في العالم عبر المحيط الهندي، وحوالي 70% من المنتجات النفطية، في طريقها من الخليج إلى المحيط الهادئ عبر خليجي عدن وعمان (تمر من باب المندب وهرمز 40% من تجارة النفط الخام)، ومضيق ملقا (تمر من خلاله 40% من التجارة العالمية)... ويتوقع أن تتزايد أهمية المحيط الهندي في المستقبل، مع توقعات تزايد الطلب العالمي على الطاقة بنسبة 45% بحلول سنة 2030، وستستأثر الصين والهند بنصفها... و تشير دراسات البحرية الأمريكية إلى أن المحيط الهندي وما حوله سيكون مسرحا رئيسيا للنزاعات العالمية خلال 10 أو 15 سنة، وعلى هذا الأساس عملت على توسيع تحالفاتها بمنطقة آسيا وكثفت من وجود القطع العسكرية البحرية في المحيطين الهندي والهادئ... ولأمريكا تحالفات عسكرية واقتصادية في المحيط الهادئ، والدول المطلة عليه، تمتد من استراليا إلى اليابان، ومنطقة المحيط الهندي الكبرى، وتكمن أهمية المحيط الهادئ الإستراتيجية كونه يشكل أكبر وأعمق مسطح مائي على ظهر الأرض، ويغطي نحو نصف مساحة جميع محيطات العالم الأخرى، وثلث سطح الأرض، ويمتد من القطب المتجمد الجنوبي حتى جزر منطقة جنوب خط الاستواء، وتصل مياهه إلى سواحل استراليا وآسيا والأمريكيتين... ويمثل المحيط الهندي ثالث أكبر كتلة مائية، ويغطي منطقة تمتد من الصحراء الإفريقية إلى أندونيسيا، ويحيط به بحر العرب وخليج البنغال... وتمثل الممرات المائية القريبة من سنغافورة حليفة أمريكا، أهم الخطوط البحرية التجارية التي تعتمد عليها الصين للتزود باحتياجاتها من النفط والغاز والمعادن الضرورية لصناعتها واقتصادها، خصوصا من افريقيا والوطن العربي... وكذلك لتصدير منتجاتها إليهما وإلى أوروبا...

موازين القوى في المنطقة
اعتدت البحرية الأمريكية في القرن التاسع عشر على الفلبين والصين (وكذلك على ليبيا وتونس والجزائر)، لذا فإن الحروب والإعتداءات العسكرية مرتبطة ارتباطا وثيقا بتاريخ أمريكا، التي بنيت على جثث السكان الأصلانيين والعبيد المختطفين من افريقيا... ومنذ أكثر من قرن ونصف، تشن أمريكا الحروب على بعد آلاف الكيلومترات من حدودها...
 
تواجدت البحرية الأمريكية بكثافة خلال الحرب العالمية الثانية، في المحيطين الهادئ والهندي، ودمرت دولا عديدة قبل إلقاء القاذفات الأمريكية القنابل النووية على ناغاساكي وهيروشيما، في اليابان... كانت للبحرية العسكرية الأمريكية 600 سفينة حربية في المنطقة خلال الحرب الباردة، وانخفض عددها إلى 285 سنة 2008، وانتهجت أمريكا سياسة تدعيم القوة البحرية لحلفائها (الهند في المحيط الهندي واليابان في المحيط الهادئ الغربي)، بهدف الحد من توسع الصين، وفي نفس الوقت تسعى أمريكا إلى تحييد الصين أو ضم قواتها البحرية إلى التحالفات الدولية "لتحقيق الاستقرار في السياسة العالمية"، أو بالأحرى لتتمكن أمريكا من تنفيذ سياساتها العدوانية دون معارضة، أو بموافقة "خصومها" أو منافسيها، كما حصل في العراق، وكما يحصل في فلسطين...
 
أما عودة الإهتمام الأمريكي المباشر بهذه المنطقة (المحيطين الهادئ والهندي) وبهذه الدرجة من القوة، فقد يفسر بظهور عوامل منها العامل الإقتصادي، إذ يتوقع أن تساهم الصين والهند بأكثر من 30% من المنتوج الداخلي الخام العالمي، خلال عقدين أو ثلاثة، وبعد أن تجاوزت الصين اليابان سنة 2010 (انظر الهامش عدد 3)، سيتجاوز اقتصادها أمريكا لتصبح أكبر قوة اقتصادية عالمية، وهي أكبر مصدر عالمي للسلع حاليا، ولديها أكبر احتياطي نقدي عالمي. أما الهند، الحليف الجديد لأمريكا في المنطقة فسيصبح اقتصادها ثالث أكبر اقتصاد عالمي بعد الصين وأمريكا، إضافة إلى ما تمثله الدول الأسيوية من قوة بشرية، يرى فيها المستثمرون قوة استهلاكية هامة... كما بدأت تظهر تحالفات جديدة بمشاركة روسيا (مجموعة شنغهاي)، وطورت روسيا علاقات التعاون مع اليابان وكوريا الجنوبية والصين وسنغافورة، وأنشأت مركزا إقليميا جديدا للطاقة، ويجري مد خط أنابيب النفط والغاز من شرق سيبيريا إلى المحيط الهادئ، وسيوزود كوريا الجنوبية واليابان والصين وبعض بلدان جنوب شرق آسيا، وكذلك أمريكا... كما تسعى روسيا إلى استعادة دور الإتحاد السوفياتي على الخارطة العالمية، وتعيد تحالفاتها بواسطة "منظمة معاهدة الأمن الجماعي" التي تضم سبع دول من الاتحاد السوفيتي السابق، وساهمت روسيا مع الصين في تأسيس "منظمة شنغهاي للتعاون" سنة 1996، كما تحاول الصين تأسيس وقيادة محور يتكون من المتضررين من السياسة العدوانية الأمريكية، مثل كوريا الشمالية وإيران وباكستان، ويلتقي موضوعيا مع مصالح روسيا...
 
خسرت روسيا حليفا هاما في هذه المنطقة وهو الهند التي أصبحت حليفا هاما لأمريكا (وللصهاينة)، وتقود أمريكا محورًا يشمل اليابان وتايوان وكوريا الجنوبية والفلبين والهند، وفيتنام لمواجهة النفوذ الصيني والروسي (بدرجة أقل)... تعد القوة الحربية البحرية الهندية 155 سفينة، وهي من أكبر القوات البحرية في العالم، وتعمل على تعزيزها لمنافسة الصين، والتوسع باتجاه المحيط الهادئ، بإضافة ثلاث غواصات نووية وثلاث حاملات طائرات إلى ترسانتها البحرية بحلول عام 2015، أما الصين فقد بدأت منذ منتصف التسعينات توجيه قواتها البحرية بعيدا عن مضيق تايوان نحو المحيط الهندي، وتعمل الحكومة الصينية على إنشاء ما يعرف باسم "سلسلة اللؤلؤ"، وهي عبارة عن مجموعة قواعد بحرية ستمتد من بحر الصين الجنوبي إلى شواطئ إفريقيا، مرورًا بالمحيط الهندي...
 
ردود الفعل
يعكس القرار الأمريكي بنشر مزيد من السفن في منطقة المحيط الهادئ وتوسيع شراكاتها الدفاعية، المخاوف الاميركية من تزايد القوة الاقتصادية والعسكرية للصين، ورغبة أمريكا في الإستفراد بالقوة والهيمنة على كافة المناطق الإستراتيجية في العالم، مما أثار حفيظة الصين، وهذه عينات من ردود الفعل الصينية على المستوى العسكري وعلى المستوى الدبلوماسي...
 
ذكرت وسائل الإعلام الصينية يوم الأحد 3 حزيران 2012 إن الصين ستزيد من حذرها ولكنها لن ترد على إعلان أمريكا نقل معظم سفنها الحربية إلى منطقة آسيا والمحيط الهادي بحلول عام 2020، وصرح الجنرال "رين هايتشيوان" نائب رئيس الأكاديمية الصينية للعلوم العسكرية: "أعتقد أن أمريكا تدافع على مصالحها الوطنية الخاصة، بسبب مشكلاتها المالية والتطورات الأمنية العالمية... وعلينا أن نزيد من حذرنا من الخطر، والاستعداد لمواجهة كل الإحتمالات والظروف المعقدة والخطيرة"، وقال "ليو ويمين" المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية "إن عملية تعزيز الانتشار العسكري وعقد تحالفات تعزز الاجندة العسكرية والامنية الأمريكية تاتي في غير وقتها... ان بكين تامل في ان يحترم الجانب الاميركي مصالح جميع الاطراف في منطقة اسيا والمحيط الهادئ بما فيها الصين ويراعي مخاوفها" (أ.ف.ب 04/06/2012)... وقد سجلت ميزانية الصين العسكرية زيادة بنسبة 11,2% مقارنة بالعام السابق وبلغت 105 مليار دولارا، مما أثار حفيظة اليابان، والواقع أن الصين لم تقم بتحديث تجهيزاتها العسكرية منذ ثلاثة أو أربعة عقود...
 
أما روسيا فقد أعلنت يوم الأربعاء 13/06/12 أن ثلاث سفن من أسطول المحيط الهادئ التابع لها وصلت جزيرة "هاواي" للمشاركة في مناورات "ريمباك" التي تقودها الولايات المتحدة في منطقة المحيط الهادئ، وتقود القوات الروسية السفينة الحربية المضادة للغواصات "بينتيغليف" التي سبق لها الشاركة في "مكافحة القرصنة قبالة السواحل الصومالية، وتجري مناورات "ريمباك" البحرية مرة كل عامين، في جزر هاواي، وتنفذ بين 29 من شهر حزيران و3 آب 2012، بمشاركة 22 دولة و25 ألف جندي... ويشار إلى أن روسيا مكنت الطائرات العسكرية الأمريكية من استعمال الفضاء الجوي الروسي في طريقها إلى الإعتداء على أفغانستان...
 
وفي ماليزيا (التي يحكمها الإسلام السياسي) أعلن قائد القوات المسلحة يوم الأربعاء 6 حزيران 2012 أن بلاده لا ترى في القرار الأمريكي أي تهديد، قائلا "ان خطوة الأمريكيين ليست مرتبطة بالنزاع على سيادة بحر جنوب الصين بين عدة دول إقليمية، وإنما تهدف إلى المساهمة في جهود الحفاظ على السلم... إن المنطقة تتطور اقتصاديا، ومن الطبيعي أن تركز امريكا على القضايا الأمنية..."، وبارك حلفاء أمريكا هذه الخطوات العدوانية (استراليا، الفلبين، كوريا الجنوبية، تايوان...)
 
استعدادات للحرب؟
يعتبر "هنري كيسنغر" من أكبر المهندسين لمخططات الإمبريالية الأمريكية، على مدى متوسط أو بعيد المدى، وهو مستشار الأمن القومي الأمريكي، ووزير خارجية في مرحلة الحرب الباردة (في عهد الرئيسين نيكسون وفورد)، وأعلن في حديث لصحيفة "ديلي سكيب" الأمريكية أن تغيير ميزان القوى الحالي سيؤدي بالضرورة إلى نشوء معادلة جديدة على المستوى الإقتصادي والسياسي والعسكري، وإن تحول الثقل من الغرب إلى الشرق، يمهد، حسب رأيه إلى نشوب حرب عالمية ثالثة، إذا ما تضررت مصالح أمريكا "أكثر من اللازم"، بين أمريكا وحلفائها، والصين وروسيا وحلفائهما... ويبدو أن هذا الإحتمال قد طرح ونوقش في "مؤسسات اتخاذ القرار" في أمريكا، وفي حال حدوثه، صدرت تعليمات للقوات المسلحة باحتلال سبع دول "شرق أوسطية" بشكل مباشر أو غير مباشر، من أجل السيطرة على الموارد الطبيعية والنفط والغاز، لخنق الصين وقطع الإمدادات عنها... وإذا ما تمعنا في الخطوات العملية التي اتخذتها أمريكا منذ 2008، إن لم تكن قبل ذلك، لوجدنا أنها تطبق سياسة محاصرة الصين وروسيا، في كافة أرجاء العالم، وتشعل عددا من الفتن والحروب قريبا من حدودهما، إلى أن أعلن الرئيس الأمريكي، بشكل صريح، في بداية كانون الثاني 2012، عن الاستراتيجية العسكرية الأمريكية الجديدة التي بمقتضاها أصبحت آسيا (بعد أن كانت أوروبا) تمثل الأولوية الاستراتيجية إلى جانب الوطن العربي أو ما تسميه أمريكا "الشرق الأوسط"...
 
أما تصريحات وزير الحرب الأمريكي فليست الأولى من نوعها إذ أعلن "ليون بانيتا" يوم 18 تشرين الثاني 2011 أن الصين "تشكل تهديدالمصالحنا، وعلينا أن نظل يقظين حيالها ونتأكد أن لدينا ما يكفي من القوة في المحيط الهادي، لمواجهتها"، وليس صدفة أن يدلي بهذا التصريح، أثناء تفقده ورشة لبناء الغواصات النووية الهجومية، في "كونيتيكت"... وقبل سنة كاملة من تصريحات وزير الحرب الأمريكي الحالي في سنغافورة (حزيران 2012)، صرح سلفه "روبرت غيتس" في سنغافورة أيضا (بمحض الصدفة؟)، يوم 4 حزيران 2011، " سيكون تواجدنا العسكري قويا وهاما، في آسيا وسندعمه بأسلحة متطورة، من أجل حماية حلفائنا ومصالحنا وتأمين طرق التجارية البحرية... وسينتشر الجيش الأمريكي، لتعزيز وجودنا في شمال شرق آسيا وفي جنوب شرق آسيا وفي المحيط الهندي... سيتم تدعيم قوتنا العسكرية بفضل التسهيلات التي تمنحنا إياها أستراليا في المحيط الهندي وسنغافورة التي ستستقبل سفننا القتالية الجديدة من نوع "ال سي اس"...
 
وكانت هذه المناطق البحرية حول سنغافورة مسرحا لأكبر المعارك بين اليابان وأمريكا، خلال الحرب العالمية الثانية... وسنغافورة هي جزيرة اقتطعها الإستعمار البريطاني من ماليزيا، ومنحها "الإستقلال" سنة 1965، سنة تذبيح مئات الآلاف من الشيوعيين في أندونيسا وماليزيا، وأصبحت مأوى وملجأ للشركات الوهمية والأثرياء المتهربين من الضرائب والمحاسبة في بلدانهم... وهي بالخصوص قاعدة عسكرية أمريكية هامة... والممرات المائية حول سنغافورة، حليفة الولايات المتحدة، واحدة من الخطوط البحرية التجارية الأكثر ازدحاما في العالم، وتعتمد عليها الصين بشكل أساسي للتزود بالنفط والمواد الخام من منطقتي الشرق الأوسط وأفريقيا وكذلك لتصدير منتجاتها إلى المنطقتين سالفتي الذكر وكل أوروبا الغربية... وفي سياق الإستعداد الدائم للحرب، ما فتئت أمريكا تطور أسلحة جديدة، واعترفت الحكومة الأمريكية في الآونة الأخيرة بتطويرها أسلحة إلكترونية، تستهدف الحواسيب، سواء منها الشخصية أو تلك التي تستعملها مصالح حكومية أو شركات... كما ثبت استعمالها في حرب الناتو ضد ليبيا سنة 2011 لتخريب وسائل الإتصال والإرسال والإستقبال والبث الإذاعي والتلفزيوني، وفي باكستان وإيران، لتخريب أجهزة التحكم في مراقبة الطيران أو مصانع الكهرباء أو خطوط الإتصالات... وحسب صحيفة "نيويورك تايمز" بتاريخ 01/06/2012، تعاونت أمريكا (وكالة الأمن القومي ) مع الكيان الصهيوني (الوحدة 8200) لتطوير واستعمال هذه الأسلحة "الإلكترونية"...
 
وتزامنت تصريحات بانيتا، والجولة الطويلة التي تبعتها إلى عدد من دول جنوب آسيا، مع تجدد التوترات في بحر الصين الجنوبي ومع مواجهة بين مانيلا وبكين بشأن منطقة أرخبيل "باراسيل" القريبة من الساحل الفيلبيني، ويشمل الخلاف كلا من الصين من جهة وسنغافورة والفيليبين وتايوان وبروناي وماليزيا وفيتنام، من جهة أخرى، وتحاول أمريكا تركيز قواعد عسكرية أو مواطئ قدم في كل من هذه الدول، لتوسيع التحالف ضد الصين وتضييق الخناق عليها وحولها...

تنطلق التحليلات الإستراتيجية الأمريكية من فرضية أن الصين استغلت الأزمة المالية والإقتصادية لسنة 2008، لتحاول فرض قوتها في المنطقة وتصعيد الموقف بخصوص مطالبها في بحر الصين الجنوبي... ودعا خبراء وزارة الخارجية الأمريكية اليابان والهند، إلى تصعيد اللهجة تجاه الصين، واعتبرت الإدارة الأمريكية أن "الشراكات الاقتصادية الأكثر استقرارا على مستوى العالم، هي تلك المبنية على قاعدة متينة من التعاون الأمني والعسكري، ويجب تأمين إمدادات النفط التي يعتمد عليها البلدان (وطرق نقلها)، ومنع الصين من السيطرة البحرية على واردات الطاقة من الخليج العربي..."، ووافقت اليابان والهند على إجراء تدريبات بحرية وجوية مشتركة بداية من عام 2012، بالإضافة إلى التعاون المشترك في مجال الدفاع الصاروخي مع الولايات المتحدة والكيان الصهيوني "من أجل الحفاظ على الاستقرار في المحيطين الهندي والهادي"... وقررت الإدارة الأمريكية إرسال 2500 جندي من مشاة البحرية الأمريكية إلى قاعدة "داروين"، شمال أستراليا... وقام باراك أوباما برحلة إلى آسيا خلال شهر تشرين الثاني 2011، لتأكيد إعادة ترتيب أولويات السياسة الخارجية الأمريكية، والأهمية التي توليها أمريكا لهذه المنطقة، ولتوجيه تحذير للصين التي بدأت تجري عملية تحديث كبيرة لقواتها العسكرية، والبحرية منها بالخصوص... أصبحت البحرية الصينية تحتل مرتبة متقدمة منذ سنة 2006، ضمن القوى البحرية الثمانية في العالم، وأصبحت تحتل المركز الثالث، بعد روسيا، وقبل بريطانيا"، وفقا للأهمية التي أصبحت توليها لمراقبة ما يجري حول حدودها البحرية والإستعداد لما قد يحصل من تصعيد...
 
هوامش:
(1) امريكا قد تصبح المنتج الاول للنفط في العالم:
 
تشهد أمريكا زيادة ملحوظة في انتاجها للنفط والغاز ويمكن ان تتقدم على السعودية وروسيا بحلول عشر سنوات، وأنتجت في الفصل الاخير ستة ملايين برميل من النفط في اليوم "ولم يحصل ذلك ابدا منذ 15 عاما"، ومنذ العام 2008، انتجت الولايات المتحدة 1,6 ملايين برميل اضافية في اليوم، وفي العام 2011، سجلت اكبر زيادة في الانتاج بين جميع الدول غير الاعضاء في منظمة اوبك، ويمكن مقارنة هذه الارقام بالانتاج اليومي للسعودية اكبر منتج للنفط بين دول اوبك، والذي زاد الى 9,923 مليون برميل في آذار مارس (2012) و9,920 مليون برميل من روسيا... ويمكن ان تصبح أمريكا سنة 2020 المنتج الاكبر للمحروقات من النفط والغاز في العالم متخطية بذلك روسيا والسعودية"، فمخزون ألاسكا وحدها يبلغ 40 مليار برميل من النفط... ووافقت الحكومة الاميركية خلال تشرين الثاني 2011 على مشاريع جديدة للتنقيب عن النفط والغاز في خليج المكسيك وفي الاسكا وفي القطب المتجمد الشمالي الذي يحظى بحماية كبيرة، لكن وفي الوقت الحالي، لا يزال التنقيب محظورا في الاماكن التي تعتبر حساسة سياسيا مثل سواحل الاطلسي او الهادئ او الساحل الشرقي لخليج المكسيك او على طول سواحل فلوريدا... وستبدأ مجموعة "شل" اعمال التنقيب قبالة سواحل الاسكا في تموز مما يفسح المجال امام الحصول على موارد جديدة غير مستخدمة في اماكن كانت تعتبر محمية حتى الان، وتأمل أمريكا أن تكون هذه التوجهات الجديدة لسياسة الطاقة مفيدة للنمو والتوظيف في بلد يعود نصف العجز التجاري فيه الى واردات النفط، وقد تم انشاء 600 الف وظيفة في صناعة الغاز والنفط بين 2010 و2011
أ.ف.ب 22/06/12
 
(2) أفغانستان توقع أول إتفاق نفطي مع الصين
كابولوقعت أفغانستان أول إتفاق لإستغلال إحتياطاتها النفطية مع الصين والذي يفترض أن يوفر لها اكثر من سبعة مليارات دولار في السنوات الخمس والعشرين المقبلة بحسب الحكومة. ويسمح هذا الاتفاق للشركة الحكومية الصينية باستغلال ثلاثة حقول نفطية على طول نهر امو داريا في الشمال الافغاني، وهي منطقة بعيدة نسبيا عن مناطق الحرب، وبموجب بنود هذا الاتفاق الذي وقعه وزير المناجم وحيد الله شهراني ورئيس الشركة الصينية لو كونغ شون بحضور الصحافيين في كابول، ستحصل افغانستان على 70 في المئة من الارباح الصافية، في حين ستعفى الشركة الحكومية الصينية التي تم اختيارها من بين خمس شركات متنافسة، من نسبة 15% من الضرائب المفروضة على الشركات.
وتبلغ احتياطات النفط التي يستهدفها الاتفاق 87 مليون برميل، وهي كمية متواضعة على المستوى الوطني لكن يمكن ان توفر لافغانستان "ارباحا هائلة"، ولن يبدأ استخراج النفط قبل نهاية 2012.
وتسعى الصين، اكبر مستهلك للطاقة وثاني اقتصاد عالمي، الى التحالف مع الدول الغنية بالنفط لتوفير امن امداداتها،
واسست الشركة الحكومية الصينية في اطار هذا العقد شركة مختلطة مع مجموعة "وطن" الافغانية.
واوضح رئيسها لو كونغ شو من جهته ان شركته التي قبلت ببناء مصفاة في افغانستان، توقعت استثمار 400 مليون دولار في المشروع الذي سيؤدي الى ايجاد مئات فرص العمل وحتى اكثر من ذلك في حال اكتشاف احتياطات اضافية.
وتستورد افغانستان حاليا النفط والغاز، وياتي القسم الاكبر من هاتين المادتين من اسيا الوسطى وايران. وتم اكتشاف ستة حقول نفطية حتى الان في البلاد يقدر احتياط احدها ب1,8 مليار برميل، ويقع في الشمال ايضا.
وتملك افغانستان موارد طبيعية مهمة يتعين ان توفر لها نظريا مليارات الدولارات من العائدات. لكن الحرب المستمرة وحالة عدم الاستقرار المتواصلة وضعف البنى التحتية والفساد المستشري حالت حتى الان دون استغلال هذه الموارد أ.ف.ب 28/12/2011
 
(3) الصينيون يعززون استثماراتهم في الأسواق اليابانية
بعدما استثمرت بكثافة في الديون السيادية الاميركية والاوروبية، توظف الصين جزءا متزايدًا من احتياطاتها الهائلة من النقد في موجودات تعتبرها جديرة بالثقة في اليابان، من أسهم شركات أو سندات دولة على حد سواء، وفي نهاية آذار (مارس) 2012 كان الصندوق الاستثماري الصيني "أو-دي05 اومنيبس" المعروف بعلاقته بالصندوق السيادي الصيني "تشاينا اينفستمنت كوربوريشن" (سي آي سي) يملك حصصا في 174 شركة يابانية تبلغ قيمتها مجتمعة 3500 مليار ين (35 مليار يورو)، كما افاد تحقيق اجرته مجموعة الاخبار الاقتصادية نيكاي، مؤكدة انه رقم قياسي.
وكان يملك الصندوق اومنيبس 1.9 بالمئة من رأسمال تويوتا، الشركة الاولى عالميا لصناعة السيارات، في الفصل الاول من 2012 و2.2 بالمئة من منافستها هوندا و1.9 بالمئة من مجموعة تقنيات الصورة نيكون و2.5 بالمئة من الشركة اليابانية لانتاج آليات الورشات كوماتسو، حسب المجموعة نفسها.
وقال تسويوشي وينو الاقتصادي في مجموعة "ان ال آي ريسيرش اينستيتيوت" في طوكيو ان "الصين تملك احتياطات من القطع الاجنبي كبيرة الى درجة تجعلها بحاجة للاستثمار في شركات كبيرة". واضاف انه "بما ان اوروبا تواجه اضطرابات مالية، فعلى بكين تنويع استثماراتها".
ويقول البنك المركزي الصيني ان احتياطي الصين من القطع وهو الاكبر في العالم ويتجاوز ما تملكه اليابان، بلغ في نهاية آذار/مارس اكثر من 3300 مليار دولار (2630 مليار يورو). وقد جمع هذا الاحتياطي لان معظم المصدرين ملزمين بايداع عائداتهم بالقطع في هذه المؤسسة. وهي تستخدمها لشراء الدين والاسهم في الخارج، في الولايات المتحدة واوروبا، وبشكل اساسي في آسيا.... ويبدو ان المستثمرين الصينيين الذين يحتلون المرتبة الاولى بين مالكي الدين الاميركي العام وجزءا كبيرا من الدين الاوروبي (500 مليون دولار حسب التقديرات)، خففوا من عمليات الشراء باليورو والدولار ويفضلون الاسهم المسعرة بالين العملة التي تعد قيمة ملاذا.
وبذلك تراجعت قيمة محفظة سندات الدولة الاميركية التي يملكها الصينيون للمرة الاولى في الفصل الاخير من 2011 الى 1273.6 مليار دولار، اي اقل بحوالى ثمانية بالمئة عن الفصل الذي سبقه
.وقال لو جيوي رئيس الصندوق السيادي الصيني سي آي سي مطلع حزيران (يونيو) إن مؤسسته تخفض ممتلكاتها من الأسهم والسندات الأوروبية في مواجهة مخاوف من انفجار داخلي لمنطقة اليورو التي لا تنجح في طمأنة الاسواق بشأن قدرتها على الخروج من الأزمة.واضاف لو في مقابلة نادرة مع صحيفة وول ستريت جورنال "هناك خطر تفكك منطقة اليورو وهذا الخطر يتزايد". والصين واليابان في مواجهة دبلوماسية دائمة وتلقيان صعوبات في انهاء ماض حافل بالنزاعات والخلافات على الاراضي، لكنهما برغماتيتان جدا عندما تتعلق الامور بقطاع الاعمال ولا تثير رغبة الصين للحصول على افضل ما تملكه الصناعة اليابانية، مخاوف.
وقال ياسويوشي ماسودا استاذ الاقتصاد في جامعة طوكيو ان "الاستثمارات الصينية لا تطرح اي مشكلة حاليا وليست هناك اموال صينية تملك اكثر من خمسين بالمئة من شركة يابانية كبرى". والصين التي انتزعت من اليابان في 2010 المرتبة الثانية بين الاقتصادات العالمية بعد الولايات المتحدة، هي الشريك التجاري الاول لطوكيو والقوتان تضاعفان مبادراتهما لتنويع المبادلات بينهما.
وللمرة الاولى وافقت بكين في آذار/مارس على ان تشتري طوكيو سندات دولة صينية. وفي الاول من حزيران/يونيو الماضي بدأت الصين واليابان تبادل عملاتهما بشكل مباشر وبدون المرور عبر الدولار، بهدف انعاش الصفقات الثنائية أ.ف.ب 24/06/2012
 
 
 
استراتيجية العسكرية الأمريكية في منطقة آسيا والمحيط الهادئ
الجزء الثاني والأخير
الطاهر المعز
تحالفات جديدة، وإعادة انتشار
 
قالت "هيلاري كلنتون" خلال اجتماع "آسيان" سنة 2009: "ها قد عدنا إلى آسيا، وسنبقى"، مما أحرج بعض "المعتدلين" من حلفاء أمريكا  في اليابان وأستراليا... ولعبت أمريكا دورا هاما في الإطاحة برئيس الوراء الأسترالي "كيفين رود"، الذي حاول إقناع أمريكا بحل مشاكلها مع الصين بواسطة الحوار، وتم تعويضه بالسيدة "جوليا غيلارد"، من حزب العمال (حزيران 2010)، وهي على غرار "طوني بلير" في تبعيتها المفرطة للسياسة الأمريكية... وفي الأسابيع الأخيرة من سنة 2010 عكف فريق عسكري مشترك على توسيع التعاون العسكري الأسترالي الأمريكي، وتم الإتفاق على التحضير عمليا لكبح جماح الصين، باختيار موانئ مدن "بيرث" و"داروين" و "بريسبان" كقواعد بحرية لإيواء حاملات الطائرات الأمريكية المجهزة بالسلاح النووي، لغلق المنافذ البحرية أمام الصين... وخلال شهر تشرين الثاني 2011، اتفقت الحكومتان رسميا على تكثيف الحضور العسكري الأمريكي في أستراليا، تحسبا لتفاقم الخلافات مع الصين، وعززت أمريكا موقع "باين غاب" الواقع قرب "آليس سبرينغس"، المختص في مراقبة الفضاء، وستنفق أستراليا 100 مليار دولارا، خلال  السنوات العشرة المقبلة لتجهيز جيشها بالغواصات والسفن الحربية والطائرات والتجهيزات الإلكترونية (الأمريكية طبعا)... وستوقع أمريكا اتفاقا مع الفلبين لإيواء قواعد لجيش البر، بعد المناورات البحرية المشتركة، التي دامت 3 أسابيع، قريبا من المياه الإقليمية الصينية... وقام الجيش الأمريكي ب 172 مناورة عسكرية في منطقة آسيا والمحيط الهادئ سنة 2011، وارتفع عدد المناورات بشكل ملحوظ سنة 2012 ... ولأمريكا حلفاء ثابتون ضد الصين مثل اليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا والفلبين... وحلفاء من درجة ثانية مثل تايوان وسنغافورة وتايلند وماليزيا، وحلفاء جدد مثل الهند وكميوديا وفيتنام...
 
تحولت العلاقات الفيتنامية الأمريكية من الحرب الضروس إلى التحالف ضد الصين... ووقعت حكومتا البلدين معاهدة تجارية مشتركة، سنة 2001، فتضاعف حجم التبادل التجاري 3 مرات ليبلغ 6,4 مليار دولارا سنة 2005، ، وتجاوز حجم الإستثمارات الأميركية في فيتنام 2,6 مليار دولارا، سنة 2005... وأصبحت أمريكا سوقا هامة للصادرات الفيتنامية، ونظرا لهامش الربح الواسع ولضعف أجور العمال (ثلث أجر العامل في الصين)، ووقوف الدولة (وحزبها "الشيوعي") بالمرصاد لأي احتجاج عمالي، فقد تدفقت الاستثمارات الأميركية الخاصة على فيتنام، التي يقطنها حوالي 80 مليون نسمة، 60 بالمائة منهم من الشباب دون الثلاثين، تجذرت لديهم قيمة الإنضباط العسكري الحديدي، والكدح دون تذمر (رغم عدد من الإضرابات التي قمعتها الشرطة بعنف دموي)... 
 
زار وزير الحرب الأمريكي "ليون بانيتا" فيتنام خلال الأسبوع الأول من حزيران 2012، ضمن جولته في عدد من الدول الأسيوية الحليفة، وبمناسبة الذكرى الأولى لتوقيع مذكرة "التعاون الدفاعي" بين البلدين، ناقش مع الحكومة الفيتنامية إضافة بنود جديدة تتيح استخدام الجيش الأميركي لقاعدة "كام راي بان"، وهي أهم قاعدة استخدمتها القوات الأميركية أثناء احتلالها فيتنام... وتقع  في مكان استراتيجي، على بحر الصين الجنوبي، وللأميركيين معرفة دقيقة بخرائطها...واتسمت علاقات الصين وفيتنام بالخلافات منذ تدخل فيتنام عسكريا في كمبوديا وتنصيب حكومة موالية، في أواخر سبعينات القرن الماضي، إضافة إلى خلافات البلدين حول "جزر سبراتلي" في بحر الصين الجنوبي... ويعتبر ضم فيتنام إلى الحلف المعادي للصين أهم مكسب أمريكي في المنطقة، وهو أكثر أهمية من انتقال الهند إلى صف أمريكا والصهاينة ...
تعتبر بعض الدراسات الأمريكية أن الصين محاطة بنوع أول من الدول التي يؤثر أي تغيير يحصل فيهاعلى الأوضاع في الصين، مثل كوريا الشمالية والدول الضعيفة بآسيا الوسطي، والنوع الثاني يتألف من الدول التي تطمح أن تصبح قوة تنافس الصين، مثل الهند واليابان وفيتنام، ولذلك وجب تعزيز الوجود العسكري الأمريكي فيها أو حولها، فأصبحت القيادة العسكرية الأمريكية في المحيط الهادي أبرز مراكز القوة في قيادات الجيش الأمريكي الستة بعد القيادة المركزية، بهدف ممارسة الضغط المستمر على الصين، وتعزيز التحالف مع "الأصدقاء" وتكثيف التعاون مع البقية، بغاية إضعاف وعزل الصين عن محيطها، قبل الإنقضاض عليها إن استطاعت إلى ذلك سبيلا...

محاصرة روسيا
 
قامت أمريكا (بواسطة الحلف الأطلسي) بثلاث مناورات عسكرية بحرية وجوية ضخمة، على الحدود الروسية (البحر الأسود، البلطيق، أوكرانيا، جورجيا...) بين 25 أيار و 11 حزيران 2012... وبعد انهيار الإتحاد السوفياتي أصبح الحلف الأطلسي (وقيادته الأوروبية بيد أمريكا) يضم إثنتين وعشرين دولة أوروبية من مجموع دول الإتحاد الأوروبي السبع والعشرين، منها تسع دول كانت في حلف وارسو (3 منها كانت تنتمي للإتحاد السوفياتي) و 3 دول كانت ضمن اتحاد (فدرالية) يوغسلافيا... وبعد انتهاء الحرب الباردة ركزت أمريكا درعا ضاروخيا في أوروبا (بولندا وبلغاريا)، على حدود روسيا، وطورت أسلحتها النووية، ونصبت رادارا ضخما في تركيا وصواريخ في رومانيا وبولندا وسفنا حربية إضافية في البحر المتوسط، وأصبحت أوكرانيا وبولندا (المحاذية لروسيا) من الدول التي تعتمد عليها أمريكا في احتلال العراق وأفغانستان، وأصبحت جورجيا معقلا للمخابرات والجنود الأمريكيين والصهاينة... وطوقت أمريكا روسيا وإيران في نفس الوقت بقواعد عسكرية في إذربيجان (الغنية بالنفط)، التي مكنت الكيان الصهيوني من التغلغل في أراضيها ومراقبة شمال إيران، وبلغت ميزانية التسلح 3,1 مليار دولارا، أو 6,2 بالمائة من المنتوج الداخلي الخام، سنة 2011 (حسب واشنطن بوست، بداية حزيران 2012)... وساندت حكومة أذربيجان كل الحروب التي شنتها أمريكا ضد يوغوسلافيا والعراق وأفغانستان، وهي حليف وفي لتركيا الأطلسية، ضد إيران وسوريا...
 
استثمرت أمريكا الأزمة الإقتصادية والسياسية بعد سقوط الإتحاد السوفياتي، واخترقت مجموعة من المجتمعات والدول بواسطة "المساعدات" الإقتصادية والمساعدات الإنسانية، والمنظمات غير الحكومية، التي نظمت "الثورات" الملونة، واستخدمت "منظمة الأمن والتعاون الأوروبية" والإسلام السياسي في عدة نزاعات مفتعلة أو حقيقية، منهاالشيشان والبوسنة وداغستان، وأفضت هذه الجهود إلى تركيز قواعد عسكرية في آسيا الوسطى والقوقاز والبحر الأسود والمناطق المحيطة بروسيا (أزباكستان، قيرغيستان، كازاخستان، جورجيا...) وأجرت مناورات مشتركة مع هذه البلدان، إضافة إلى دول البلطيق ودول شرق ووسط أوروبا التي انضمت إلى الحلف الأطلسي قبل انضمامها إلى الإتحاد الأوروبي... ومكنت أمريكا الكيان الصهيوني من التغلغل في الدول التي هيمنت عليها، وبيع الأسلحة وتدريب الجيوش...
 
تتخوف روسيا من "الإنسحاب" الأمريكي من أفغانستان، لأنه  في واقع الأمر ليس انسحابا وإنما يمثل إعادة انتشار، ومواصلة الحرب بأشكال أخرى منها: نشر المخدرات القادمة من أفغانستان، لتكون ذريعة للتدخل لاحقا... واستعمال المنظمات "غير الحكومية" الممولة أمريكا و"غربيا" لمساندة وتمويل المعارضين في روسيا وللأنظمة الموالية لموسكو، تحت غطاء "نشر الديمقراطية"، إضافة إلى تسييس الحركات الدينية الإسلامية في كل من روسيا والصين واستعمالها كأداة للحرب تعويضا ل"مكافحة الشيوعية"، التي كانت سائدة خلال الحرب الباردة... ويعتبر وصول أحزاب الإسلام السياسي إلى الحكم في كل من المغرب وتونس وليبيا ومصر، إضافة إلى الرجعيات الخليجية، عوامل تخدم الهيمنة الأمريكية، ضد روسيا والصين، وأداة للتدخل في القوقاز وآسيا الوسطى... باسم الدفاع عن الإسلام أو عن حقوق الإنسان أو حرية ممارسة العقيدة الدينية  (التي لا تتوفر في أوروبا للمسلمين) الخ، خاصة وأن أحزاب الإسلام السياسي تتبنى وتطبق "الإقتصاد اللبرالي" وتلهث وراء صندوق النقد الدولي لمزيد من القروض وإغراق البلدان العربية بالديون... أي هناك توافق إيديولوجي مع الرأسمالية بنسختها الأمريكية، والتركية والصهيونية... وبرز اصطفاف أحزاب الإسلام السياسي وراء امريكا بشكل جلي، خلال العدوان الأطلسي على ليبيا وخلال التحضيرات لتخريب سوريا (البلاد والدولة والوطن، وليس النظام)، وهذا ما يخيف روسيا والصين ويجعلها تحاول إيجاد حلول تراعي مصالحها في سوريا وإيران...
 
الحلف الأطلسي، أداة هجومية، والتحالف الصيني الروسي دفاع عن الوجود
 
أدى انهيار الإتحاد السوفياتي إلى تهميش القوى الإقليمية خارج أمريكا الشمالية وأوروبا، مما اضطر كلا من روسيا والصين إلى التعاون فيما بينهما وإلى تأسيس مجموعات تعاون وتنمية اقتصادية مع الدول الصغيرة من حولهما، وأسست الدولتنان "مجموعة شنغهاي"، وكثفتا التعاون الإقتصادي الثنائي (خصوصا منذ استفحال الأزمة الإقتصادية في أوروبا) والتنسيق السياسي والإستراتيجي، منذ توضيح النوايا الأمريكية/الأطلسية للهيمنة المنفردة على كل بقاع العالم، ومكافحة الوجود الصيني والروسي في افريقيا والوطن العربي وأورويا وآسيا... وقد حاولت الصين التوسع اقتصاديا مع مهادنة أمريكا سياسيا، وحاولت روسيا الإهتمام بمشاكلها الداخلية، بعد الكوارث التي حلت بها خلال حكم غورباتشوف ويلتسين، والحروب الداخلية في منطقة القوقاز، وحروب الجيران (دول الإتحاد السوفياتي سابقا)، وحرب يوغسلافيا، وما نتج عنها من تقويض لنفوذ روسيا... ولكن السياسة العدوانية الأمريكية ضاعفت من ضغوطاتها، إلى أن وصلت الجيوش الأمريكية (وحلفاؤها) عتبة روسيا وحاصرتها في آسيا الوسطى وجورجيا وأوكرانيا، إضافة إلى دول البلطيق وبولندا... كما أصبحت الصين مهددة في عقر دارها (بحر الصين الجنوبي) بالجيوش والقواعد والدول المعادية...
 
لم تذهب الصين أو روسيا إلى الحدود الأمريكية للقيام بمناورات عسكرية أو إنشاء تحالفات عسكرية استفزازية، أما أمريكا فإنها ترسل قواتها العسكرية على بعد عشرة آلاف كيلومتر أو ميل من حدودها، وتقوم باستفزاز المنافسين والخصوم وتدفعهم لكي يصبحوا أعداء، وهذا ملخص برقية لوكالة الصحافة الفرنسية، يجسد هذا الإستفزاز (العنوان للكاتب):
 
مناورات استفزازية: بدأت الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية مناورات بحرية كبرى في البحر الأصفر عشية الذكرى الثانية والستين للحرب الكورية، وتستمر ثلاثة أيام بمشاركة عشر سفن كورية جنوبية وحاملة الطائرات الأميركية جورج واشنطن، وثمانية آلاف عسكري ومئات الطائرات الحربية والدبابات وحوامات الأباتشي ومنصات الصواريخ، كما شهد يوما الخميس 21 والجمعة 22 حزيران 2012 تدريبات منفصلة لكل من الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية واليابان باستخدام القذائف والذخيرة الحية، وحسب وزارة دفاع كوريا الجنوبية فإن التدريبات المشتركة تهدف لرفع مستوى الكفاءة والاستعداد لعمل مشترك (ضد كوريا الشماليةونددت كوريا الشمالية بهذه المناورات، ووصفتها بأنها "استفزاز متهور" أ.ف.ب 23/06/2012
 
مكانة الوطن العربي في الإستراتيجية الأمريكية الجديدة
 
إن الدافع الأول للإهتمام بموضوع الإستراتيجيا الأمريكية، والبحث فيه والكتابة عنه، هو ما حدث من انتفاضات في الوطن العربي وما نتج عنها من استيلاء على الحكم من قبل أحزاب الإسلام السياسي، التي لا علاقة لها بمطالب الفئات الكادحة والفقيرة، التي أطاحت برأس النظام في تونس ومصر وليبيا واليمن... لقد سارعت هذه الأحزاب لإعلان ولائها للنظام الرأسمالي العالمي ورموزه: أمريكا والحلف الأطلسي وصندوق النقد الدولي والكيان الصهيوني... لقد دعت قوى الإسلام السياسي إلى التدخل العسكري للحلف الأطلسي في ليبيا وسوريا، وإلى "احترام الإتفاقيات الدولية" التي وقعها نظام مصر والأردن مع الكيان الصهيوني، وقاموا بما لم تتجرأ الأنظمة السابقة على القيام به، واللقاء مع الصهاينة في واشنطن  ودافوس، وخص إجهزة إعلام العدو الصهيوني بالتصريحات والأحاديث الصحفية ، واصطفوا سياسيا وإيديولوجيا وراء السعودية وقطر وتركيا وأمريكا، وأعلن رئيس وزراء المغرب أن الإسلام السياسي يضمن مصالح الشركات الإحتكارية العالمية أفضل من الأنظمة السابقة... ومنحتهم أمريكا "صك براءة" من التطرف والإرهاب ومنحتهم شهادة في الديمقراطية، ما داموا يعترفون بحق الكيان الصهيوني في اغتصاب الأرض العربية وتشريد الشعب الفلسطيني (تصريحات ممثلي الإسلام السياسي في المغرب وتونس وليبيا ومصر وسوريا بأنهم غير معنيين بالقضية الفلسطينية)... تمثل دعوة الدول الإمبريالية للتدخل عسكريا في سوريا (وليبيا من قبلها) خيانة عظمى في حق الشعب السوري (بقطع النظر عن طبيعة النظام) خصوصا بعد ما حصل في ليبيا، ويتماشى هذا الإصطفاف وراء الإمبريالية مع المواقف التي اتخذتها أحزاب الإسلام السياسي من نضالات العمال والعاطلين عن العمل والمثقفين والنساء المطالبات بحقوقهن الخ فمواقف الإسلام السياسي رجعية ومنسجمة مع الموقف الرأسمالي المعادي للفقراء وللطبقات الكادحة، وللشعوب المضطهدة والمستعمرة (بالفتحة)، ويقدم الخدمات الضرورية لرأس المال والإمبريالية (مقتدين في ذلك بالنموذج التركي، قاعدة الحلف الأطلسي)...
 
لم يطرح أي حزب "إسلامي" إعادة النظر في علاقات الهيمنة الإمبريالية بواسطة المنظمات الدولية (صندوق النقد الدولي، البنك العالمي، منطمة التجارة العالمية) أوعلاقات الشراكة (التبعية) مع الإتحاد الأوروبي، التي خربت الإقتصاد، أو إعادة النظر في خصخصة المؤسسات العمومية والخدمات الإجتماعية... لقد حافظوا على لغة الحكام السابقين لهم من قبيل "تحفيز النمو الإقتصادي، والإنطلاق نحو اقتصاد قادر على المنافسة الإقتصادية في السوق العالمية... وتشجيع الإستثمار الأجنبي المباشر والتجارة الحرة..." (عن حزب الحرية والعدالة في مصر)، فلا غرابة إذن أن يتميزوا بمساندة مشاريع الإمبريالية، الأم الشرعية لهذه الأحزاب الرجعية سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، وأن ينأوا بأنفسهم عن "التدخل" في الشأن الفلسطيني...
 
ينفذ الإسلام السياسي أهداف الإمبريالية الأمريكية في الوطن العربي، ويسهر على مصالحها، من المغرب إلى سوريا والخليج، ولذلك يمكن لأمريكا أن تحول ثقلها العسكري من "الشرق الأوسط" إلى "الشرق الأقصى"، تاركة المنطقة العربية للإخوان المسلمين والكيان الصهيوني وتركيا، لتحقيق برنامج "الشرق الأوسط الكبير" أو الجديد... وإذا كانت مصلحة الإمبريالية الأمريكية (والإسلام السياسي وتركيا) في إضعاف الصين وروسيا، فإن مصلحتنا كشعوب ومضطهدين ومستغلين (بالفتحة) وتقدميين، تكمن في إضعاف الإمبريالية الأمريكية التي تغولت وتعاظم نفوذها أكثر من أي وقت مضى، وهيمنت على معظم مناطق العالم وأججت الفتن والحروب، لتعزيز هيمنتها وتنشيط  صناعتها العسكرية، ويجب أن نعمل على إضعافها كعرب، لأن الإمبريالية الأمريكية هي الحليف الأكبر، بل الأم الشرعية للكيان الصهيوني الذي احتل الأرض وشرد الشعب وأصبح يهيمن على المنطقة... ويعتبر تركيز القوى الإمبريالية والرجعية العربية (والإسلام السياسي جزء منها) على سوريا وإيران، عوضا عن تحرير فلسطين، خدمة جليلة للإحتلال الصهيوني... إن كافة الأنظمة العربية رجعية وقمعية ومهادنة للأعداء، وكان نظام القذافي في ليبيا ولا زال نظام آل الأسد في سوريا عدوين لشعبهما، لكن تحرير الشعوب لا يمكن أن يحصل بواسطة الأعداء القوميين والطبقيين، ولا باستدعاء القوى الإمبريالية، ولا يمكن أن تكون أمريكا التي دمرت العراق وأحرقت الفلوجة وشردت الشعب العراقي، وقبله شعوب فيتنام والسكان الأصلانيين في أمريكا (من أطلق عليهم إسم "الهنود الحمر")، وغيرهم، لا يمكن لها أن تكون صديقة الشعب السوري أو الليبي أو أي شعب في العالم...
 
 
تابعوا "كنعان اون لاين" Kana'an Online على:
·       موقع "كنعان" بالعربية:
·       بالانكليزية:
·       "فيس بوك" Facebook:
·       "تويتر" Twitter:
 
·       موقع "كنعان" من عام 2001 الى 2008:
 
 
  • الآراء الواردة في المقالات تعبر عن رأي أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع  أو محرري "كنعان".
·         عند الاقتباس أو إعادة النشر، يرجى الاشارة الى "كنعان".
·         يرجى ارسال كافة المراسلات والمقالات الى عنوان "كنعان" الالكتروني: mail@kanaanonline.org
 


No comments:

Post a Comment