Wednesday 11 July 2012

{الفكر القومي العربي} إن نجحوا فالجزائر بعد سوريا


جزائريات
إن نجحوا...فالجزائر بعد سوريا
للعداء التركي تاريخ عدائي عميق
(2)
عادل سمارة
 
حين تقترب من أجواء الجزائر تنتفض فيك عزة غادرت الكثير من بقاع الوطن العربي لكنها بقيت في الجزائر رغم جراحها في العقدين الماضيين. هي عزة دافقة ينبوعها تضحيات الثورة الجزائرية وهي الأكثر عراقة وحضوراً واحتراماً بين مختلف الثورات في الوطن العربي. ولهذا تحديداً فالجزائر مستهدفة.
 
الجزائريون متواضعون تواضع الثوار، لا يصرخون ولا يستعرضون كما يحصل لدى كثيرين منا في المشرق العربي. من هنا لا يمكننا أن لا نحب دُرَّة المغرب العربي بالدم وقلعته بالكفاح.
 
لا أخفي القراء، كلما فكرت في الجزائر أتذكر المخروقين من أهل الثقافة. ليس ذلك حقداً بل شعورا بالخزي أن يكون في أمتنا من ينحاز لحاكم أو حزب منحرفين مرتبطين بالأجنبي. فلا يمكنك أن لا تقارن بين الحالتين.
 
يدور في الجزائر اليوم نقاش أو حوار أو جدل حول وضع الجزائر ودورها وعلاقاتها. ولأنهم اقرب إلى الصمت والصبر، لا يسهل أن تسمع منهم قناعاتهم بالضبط سوى تلميحاً وعليك ان تستنتج.
 
لن أُقوِّل الجزائريين ما لم يقولوا، بل ساقول ما يمكنني استنتاجه، وربما هذا أفضل لأنه يرغم المرء على التحليل الدقيق والهادىء ولا ينسب للآخرين ما لم يقولوه صراحة، بادئاً  بالمقدمات التي جرى تنفيذها لاستهداف الجزائر.
 
لا دولة مركزية للعرب:
 
لا يكون لمشروع نهضوي عربي معنىً إن لم يقم على،  وأن تقوم به دولة عربية مركزية. ومعنى الدولة المركزية اليوم لا ينطبق على عاصمة أو حاضرة كبيرة العدد السكاني وتقوم بدور تجاري وخاصة في التجارة بعيدة المدى كما كان في القرون الوسطى أو ما قبلها. فمواصفات الدولة المركزية عربياً اليوم أن تكون إحدى القُطريات الكبيرة والتي فيها قاعدة صناعية اسستها قيادة وطنية/قومية تنموية الاتجاه. وحين تتواجد هذه القيادة/والسلطة/ والدولة فلا بد ان تكون مضادة للغرب الرأسمالي والصهيونية والأنظمة التابعة (اي الثورة المضادة) وستكون مستهدفة بالضرورة.
 
فقراءة  لتجربة محمد علي  تعلمنا درسين لا ينفصلان:
 
الأول: أن النهضة إما أن تكون عربية شاملة أو لا تكون، وأنه مهما كانت هناك قُطرية كبيرة ذات توجه تنموي، بل لأنها كبيرة فهي بحاجة بالضرورة لبقية الوطن كي تحقق سوقاً قومية لمنتجاتها وتحقق درجة من التخصص لكل جزء وآخر. وهذا ما دفع محمد علي للقيام بحملاته الثلاثة إلى الجزيرة والسودان والشام. أي أن أية قطرية تنأى بنفسها عن بقية الوطن تضع نفسها محط استهداف وستكون بلا مشروع تاريخي وستصل إلى مأزومية داخلية  مآلها تجزئتها هي نفسها.
 
والثاني: إنه بسبب مواصفات وسياسات وعمل دولة مصر محمد علي كان العدوان عليها من الغرب الراسمالي وتركيا لتدميرها. وهذا ما نراه اليوم ضد سوريا. ما اشبه اليوم بالبارحة حينما تتشابه المناخات والمصالح. وتركيا التي شاركت تدمير مصر آنذاك ولاحقاً مزقها حلفاؤها الغربيون، تشبه في موقفها آنذاك دول مجلس التعاون الخليجي التي شاركت الغرب الراسمالي تدمير ليبيا تحت غطاء الجامعة العربية وعلى رأسها عمرو موسى (الذي للمفارقة ترشح لرئاسة مصر الحالية!!!)  ومحاولة تدمير سوريا من نفس الجامعة ويرأسها نبيل العربي (الذي كان وزير خارجية في مصر الحالية!!!)!
 
وفي حين كانت مصر محمد علي الضحية الأولى، فإن مصر الناصرية كانت الضحية مرة أخرى. وكانت مصر الناصرية قد اقامت قاعدة صناعية (وهي القاعدة العمالية التي كانت محرك الحراك الشعبي في مصر كمحرك لإسقاط مبارك)  ووضعت سياسات تنموية وتبنت سياسات قومية وحدوية البعد ومن بينها مساعدة الثورة الجزائري[1] والثورة اليمنية بقيادة عبد الله السلال. وقد اصطفت ضد مصر نفس قوى الثورة المضادة التي اصطفت ضد العراق 1991 و 2003 والتي تصطف اليوم ضد سوريا أي الغرب الراسمالي جميعه والكيان الصهيوني والأنظمة التابعة وخاصة في الخليج وقوى الدين السياسي. وبيت القصيد أنه كان لا بد من تقويض قوة مصر لتغدو إجهاضاً ضخماً. وهذا ما حصل.
 
أهمية، بل خطورة تدمير مصر أتت للتخلص من قلب الوطن العربي، وهذا ما نلاحظ التركيز عليه بإلحاح خطير حتى اللحظة، اي خاصة بعد الحراك الأخير.
 
وبعد تدمير القلب، كان لا بد من تدمير الأجنحة اي الدول العربية التي يمكن أن تلعب دور الدولة المركزية، لذا بُدء بتدمير العراق 1991 و 2003، وكان أن تمت إعادة العراق إلى القرون الوسطى أو أكثر غرقاً. وفي الشأن العراقي لا بد من التفريق بين هزيمة الإمبريالية الأميركية على يد المقاومة، وما بين آثار تدمير العراق وبقاء وجود عسكري ومخابراتي أميركي فيه ناهيك عن إنهاكه وتقسيمه ومحاولات استخدامه ضد سوريا.
 
علينا أن نتذكر درس فيتنام الذي أكد أن امريكا اينما طُردت كانت تترك خراباً بلقعا جوهره وضع البلد  في حالة يضطر معها للبحث عن التبعية للمركز الرأسمالي!!!
 
واللافت أن عملية تدمير العراق منذ بدء التسعينات تزامنت معها عملية محاولة تدمير الجزائر مما يؤكد أن الهدف كان بعد تدمير القلب في مصر تدمير الجناح المشرقي في العراق والجناح المغاربي في الجزائر. وكانت قوى الثورة المضادة نفسها. وفي حين لعبت أنظمة الخليج دور الطرف الرسمي العربي ضد العراق لعبت المغرب نفس الدور ضد الجزائر سواء بتسليح وتدريب  وتهريب قوى الدين السياسي ضد الجزائر.
 
وأذكر انني كتبت منذ عقدين أن القواعد المباشرة للثورة المضادة في الوطن العربي تتكون من أربعة كبرى في شكل دول: تركيا في أقصى الشرق والمغرب في أقصى الغرب، والكيان الصهيوني في القلب، ومجلس التعاون الخليجي في اقصى الجنوب.
 
وفي الشأن الجزائري، تشكل ليبيا اليوم نموذجاً على القاعدة الصهيونية باسم الدين السياسي وخاصة ضد الجزائر، تساندها تونس رغبة ورهبة وطمعاً معاً، وقد لعبت المغرب  نفس دورها سابقاً وما تزال. ولعل إجراء انتخابات برلمانية فيها نموذجاً هزلياً فريداً ويزيد هزاله مديح الرئيس الأميركي له كباحث في دماء الليبيين عن بضعة أصوات انتخابية!
 
وكما ورد اعلاه، لا يتحدث الجزائريون عن هذا بوضوح ولكن من يحكمون ليبيا اليوم مدينين للناتو بكل شيء، وملتقين معه بأهداف الدين الإسلامي السياسي في هجمة تحالفية ضذ:
 
القومية العربية ومختلف الوطنيات العربية، وضد العلمانية وبشكل خاص ضد اي قطر عربي فيه اية درجة من الإصلاح الاقتصادي  والحماية الاقتصادية ومحاولات وقف تسرب التبعية والفساد والشركات الأجنبية التي دخلت الجزائر بعد رحيل بومدين. ولذا غدت ليبيا قاعدة لتهريب الأسلحة حتى بالسيارات وتهريب المسلحين إلى الجزائر وليست هذه سوى مقدمات لما هو آتٍ.
 
من الواضح أن الجزائر ، تقديراً لحساسية مرحلة السقوط الرسمي العربي وخاصة بعنوان هذا السقوط اي الجامعة العربية وحرب الإعلام وتورط قطاعات مثقفين واسعة في استدعاء الأجنبي، تحاول الجزائر قدر الإمكان النأي بنفسها وذلك على الأقل لسببين:
 
الأول: محاولة التركيز على الإصلاح الداخلي  بدءاً بالانتخابات الأخيرة. ولا شك أن على الجزائر الانتقال من الشرعية الثورية إلى الشرعية الاجتماعية الاقتصادية الطبقية والقومية والإفريقية وهذا يتطلب ضرورة العمل على محاربة الفساد والتخلص من السياسات النيولبرالية ممثلة في وصفات صندوق النقد الدولي، وتقليل الاعتماد على تصدير النفط الذي تبلغ حصته من صادراتها ما بين 95-99 بالمئة واستعادة حيوية  القطاع العام والقاعدة التصنيعية التي أقيمت حتى 1978. فلم تعد الشرعية الثورية كافية لإقناع الجيل الجديد، ولا حتى مجانية التعليم والطبابة طالما هناك تهميشاً لقطاعات واسعة من الشباب وبطالة بينهم.
 
والثاني: عدم التبرع بتبريرات للثورة المضادة كي تعلن هجمتها ضد الجزائر وذلك بالنأي بنفسها قدر المستطاع عن الوضع السياسي العربي الرديىء وخاصة ما يُدار ضد سوريا.
 
وبالطبع، للجزائريين تقديرهم لظروفهم في المستويين الداخلي والقومي. لكن هذا لا يزيح الإشكالية القومية بل يُبقيها كي تتفاقم. فالجزائر عضو في الجامعة العربية التي جرى اغتصابها من قطريات النفط وتوظيفها لإعادة الاستعمار المباشر  للوطن العربي مهمة يجري تنفيذها بايدي عربية هي قوى الدين الإسلامي السياسي التي تعتبر وطنها هو مشروعها السياسي ومن أجله تتحالف مع أعتى أعداء الأمة العربية وتقوم بمهمة تدمير البلد واحتلاله نيابة عن الاستعمار ولصالح شركاته.
 
إن قراءة للضياع الذي تعيشه مصر والعدوان المتواصل والمتفاقم ضد سوريا والمقاومة وخاصة حزب الله تقول للجزائر: لقد اصبنا القلب بالشلل وها نحن نعمل على شل الجناح الشرقي للعنقاء العربية وحينذاك سنشل الجناح الغربي المغاربي، اي ألجزائر.
( *** )


[1]    كانت فرنسا المحرض الرئيسي للعدوان الثلاثي ضد مصر 1956 حيث أملت من ذلك إسقاط عبد الناصر لضمان تدفق النفط عبر السويس.. أنظر
Jonathan Nitzan & Shimshon Bichler
The Global Political Economy of Israel، Pluto press 2002:240
كان هدف فرنسا كذلك أن تتمكن من سحق الثورة الجزائرية التي كانت تساعدها مصر، وحينها عرضت فرنسا الوحدة مع بريطانيا لرشوتها لقبول المشاركة في العدوان.
 


No comments:

Post a Comment