استدعاء الحاكم " المَفرَمة "
أتفهم جيداً دعوات التكاتف والتضامن والإحتشاد مع الدولة لمواجهة أخطار عديدة تُحدق بالوطن ، لكننى أستغرب دعوات مُصاحبة تستغل الوضع الحالى فى التحريض على الإستبداد .
تُزعجنى صيحات عديدة منثورة بين السطور فى صفحات كبار الكتاب وضمن تويتات رموز النُخبة من عينة " أُفرم يا ريس . اسحل يا افندم " ، وكأن القمع والقهر هو الأداة الوحيدة لتحقيق الإستقرار ، وأن القبضة الحديدية هى التى تعبر بالوطن نحو ضفاف التقدم .
يتصور هؤلاء أن تخويف وإرهاب المُشككين والمُنتقدين كفيل بإخراس الأصوات المُغايرة وحل أزمات الوطن . إلى هؤلاء أحكى قصة وردت ضمن سيرة الرئيس الراحل صدام حسين التى كتبها فؤاد مطر . فى سنة 1979 استقال الرئيس أحمد حسن البكر ، وبعد ستة أيام بالتمام عقد الرئيس صدام حسين مؤتمرا قوميا لحزب البعث ، وفوجئ الحضور بمحيى عبد الحسين أمين عام مجلس قيادة الثورة العراقية يقوم ليقرأ بيان اعتراف بالتآمر ضد صدام حسين مع 68 قيادة من قيادات الحزب ، وكلما ذكر اسماً يتم اخراجه من بين الحاضرين واطلاق الرصاص عليه خارج القاعة . ثم ارتفع العدد إلى 450 قيادة من بينهم مهندسون ومحامون وضباط بالجيش وأساتذة جامعة . وكان من المُثير أن يخرج واحدا بلا قيمة ولا كفاءة أوتعليم ، كان يعمل صبى توصيلات هو على حسن المجيد لينتقد صدام مؤكداً أنه "رحيم أكثر من اللازم ، وأن الوطن لن يتقدم إلا بتصفيات أوسع " . وكانت مكافأة ذلك الشخص مُنعدم الخبرات والإمكانيات أن تم تعيينه وزيراً للدفاع والداخلية ورئيسا للإستخبارات .
وباقى القصة تعرفونها جميعا ، حيث ساد أهل الطاعة والثقة وحازوا المناصب والنفوذ على حساب أهل الكفاءة والموهبة ، وأهدرت العراق التى حقق اقتصادها فى ذلك الوقت أعلى معدلات نمو فى العالم مواردها فى حروب وتصفيات وبطولات وهمية حتى انتهت العراق الحُلم إلى شراذم وطوائف مُفككة .
أى تنمية ينشدها هتيفة الأنظمة سوى زيادة حساباتهم فى البنوك الأجنبية ؟ وأى استقرار يبغونه سوى تحصين فسادهم من المراقبة والمُساءلة باعتبارهم رجال الحاكم والموالين لذاته المُقدسة !
إن موبوتو سيسيكو حكم الكونغو الديمقراطية ثلاثين عاماً إنتهت فى 1995 بفوضى صاخبة ومجاعة اقتصادية فر على أثرها إلى المغرب حيث توفى هُناك . لقد كان تلفزيون بلاده يقول كُل يوم للمواطنين " تعلموا أن تطيعوا وتغلقوا أفواهكم " . وكان من الطريف ما ذكره فى إحدى حواراته الصحفية فى المنفى بأنه ظل على رأس السُلطة ثلاثين عاما ـ لكنه لم يشُق طريقاً واحدا لأن الأهالى كانوا سيستخدمونه للوصول إليه والإطاحة به .
لا تنمية أو استقرار حقيقى فى ظل صوت واحدا ، ورأى واحد ، وتوجه واحد . لا تقدم للأمام ولافتات التخوين تطارد كُل مُختلف . لا تحديث لهذا الوطن ، وُهناك مَن يُخوّن كُل مَن يتحدث لُغة أخرى .
خلق الله الحُكام لقضاء حوائج الناس ، لمعاونتهم ، لحل مشاكلهم ، لرأب جراحهم ، لتحقيق مصالحهم ، ولدفعهم إلى الرُقى والتحضر .
أيها المُحرضون على القهر : الحاكم ليس " مَفرَمة " ، إنه خادم ، وموظف ، وأجير عند الشعب .
والله أعلم .
مصطفى عبيد
No comments:
Post a Comment