الكلمة تحت المقصلة
أكتب كى يتورد العُشب وتورق الأشجار ويتلألأ قوس قزح مُبهرا فى السماء . الكلمة هى ردنا الوحيد على القُبح المُتمدد . هى دليلنا العملى أننا مازلنا بشرا فى ذلك الزمن السادى الذى ينسف القيم ، ويطارد التحضر ، ويُصلُب الإبداع فوق الجُدران .
قبل أسابيع صدر الحُكم باعدام الشاعر والفنان الفلسطينى أشرف فياض بتُهمة الإلحاد لأن مباحثيين لم يفهموا كلماته أو يعوا إبداعه فحوّلوا أشعاره إلى أوراق اعتماد لدى المقصلة . كان أحد أصدقائه السعوديين قد تشاجر معه وتحداه أن يُرحله من المملكة ، وقدم تقريرا لجماعات الأمر بالمعروف هُناك يتهمه بنشر الإلحاد فى كتاباته .وسرعان ما قُبض على الشاعر وحُكم عليه بالسجن 4 سنوات والجلد 800 جلدة . واستأنف الشاعر الحُكم فما كان من المحكمة السعودية إلا أن شددت العقوبة لتُصبح الإعدام بحد السيف .
كان من الغريب أن مُحاكمى الشاعر لم يقرأوا قصائده ولم يُناقشوا كتاباته وهو ما استفز إيهاب بسيسو المتحدث باسم الحكومة الفلسطينية ودفعه للتساؤل قائلا : " أين هى القصائد التى قادت الشاعر إلى المُحاكمة ؟ " . لقد ضاقت الحياة بعينى الشاعر ، وطارد الألم أهله تخوفاً من تنفيذ حُكم الإعدام والوصم بالإلحاد حتى سقط والده صريعاً بجلطة فى القلب حُزناً على فلذة كبده .
أى عبث وأى جنون وأى تعصُب ! ولِمَ نلوم داعش ونُشهر بقسوتها ؟ إننى أتعجب حتى لو كان للشاعر كلمات يُمكن تأويلها بأنها دعوة للإلحاد ، مَن الذى وكّل رجال الأمر بالمعروف إلى سفح دم الرجل ؟ مَن الذى منحهم تفويضا للحديث باسم الله ، بل وزهق روح إنسان يُمكن أن يتوب ويئوب إلى ربه ؟ وما هى الفائدة التى ستعود على الإسلام لو تم قتل مُلحد أو مُتشكك يكتب شعرا ؟
إنها غوغائية القهر ، ونفاق التعصب والتطرف . الكلمة لا تُحاكم ولا تُعذّب ولا تُجرجر نحو ساحات السلخ . الكلمة لا تُصلب ولا تُذبح من أجل توهُم أو بناء على تقرير مُخبر . الكلمة هى غرسُ الوعى ، وعُشب المحبة ، وسلالم التحضر.
لا يُمكن أن نصمُت نفاقاً لأصدقائنا فى المملكة السعودية . لا يُمكن أن نغُض الطرف عن قمع الكلمة و مفارقة التحضر وتشوية الإسلام . لا أتصور أن التعاطف مع الشاعر يجرح شعور أشقائنا ولا اعتبر السكوت سوى مُشاركة فى الجريمة . اللهم إنا بُراء مما جرى .
يكتب أشرف فياض فى إحدى قصائده أنه لن يغيب أبدا . يقول لحبيبته فى نقاء :
" تبحثي عني؟ سأكون موجودًا عند كل رشفة قهوة.
عند استرخائك أثناء جلسة روتينية لتنظيف البشرة،
عند رغبتك بالضحك أو البكاء.
عند عجزك عن مقاومة الأرق الذي أعرفه جيدًا،
عند عدم رنين هاتفك المحمول أثناء ساعات نومك الطويلة،
عند دخولك غيبوبة الكتابة،
عند عدم رغبتك بالكلام،
عند مشاهدتك لفلم سينمائي بغض النظر عن مستواه الفني،
عند دغدغتك للأرض أثناء ممارسة رياضة المشي،
عند سماع أغنيتنا المشتركة التي لم نتفق على تحديدها حتى الآن! " .
وأنا أقول لكم : إننى مازلت أعتقد أن " القصائد أقوى من الطائرات " على حد قول عصفورنا الراحل محمود درويش ، لذا لن تمُت كلمات أشرف فياض أبدا . والله أعلم .
مصطفى عبيد
No comments:
Post a Comment