قراءة في العلاقات العربية الايرانية
والسعي الصهيوني للتعاون مع دول عربية
كمال شاتيلا
رئيس المؤتمر الشعبي اللبناني
تتوالى التصريحات الاسرائيلية منذ مدّة عن علاقات اسرائيلية عربية مفتوحة على تعاون اقتصادي وبخاصة مع دول خليجية، في الوقت الذي ينشط فيه العدو لتهويد القدس الشريف ومعها الضفة الغربية وزرعهما بمستوطنات تطمس الوجود الفلسطيني، مع ما يترتب على ذلك من تشريد وتهجير ومصادرة أراضٍ واستيلاء مبرمج على مدينة القدس بعد تفريغها من أهلها الأصليين. وتزداد وقاحة العدو حينما يطرح ويعمل منذ وقت طويل على إحتواء ما يسميه بأقليات دينية وعرقية ومذهبية، لتقسيم الكيانات الوطنية وفق مقرارات المؤتمر اليهودي العالمي عام 1982 والتي نشرتها مجلة كيفونيم الصهيونية.
إن العدو الصهيوني يطرح اليوم تعاوناً مع الدول العربية التي يصفها بـ"السنيّة" لاحداث فتنة مذهبية كبرى في المنطقة تحت شعار محاربة ايران، ويعتبر ان اندلاع هذه الفتنة على مستوى المنطقة سيؤدي الى نجاح مشروع الاوسط الكبير لنقل اسرائيل الى دولة كبرى واخضاع المنطقة لسيطرتها بعد أن تتحوّل الى أشلاء متصارعة.
ونحن نقول من منطلق قومي عربي، ومن منطلق الاسلام الحضاري الجامع والمنفتح على كل المعتقدات والطوائف والمذاهب والاعراف: إن هذا الحلم الصهيوني مستحيل التحقيق، ومهما استفادت اسرائيل من الظروف السوداء التي تعيشها المنطقة، فان لدينا من المناعة بحيث لا يستطيع العدو تحقيق مراميه، وسيبقى أسير توازن الردع مع المقاومة، وغير قادر على التوسّع، وإن كان قادراً على استثمار قوى متطرفة وغيرها ممن يقبلون التعاون معه.
إن هناك حقائق لا بد من التركيز عليها الآن وهي:
اولاً: ان الادارة الساداتية التي حكمت أكبر بلد عربي، صالحت العدو عام 1979 وأبرمت معه معاهدة كامب دايفيد، لكن الشعب المصري أسقط كل أنواع التطبيع مع العدو. وباستثناء الادارة الاردنية واتفاق أوسلو الساقط، فإن الرأي العام العربي وبخاصة "السنّي" منه بقي صامداً ومقاوماً للاحتلال الاسرائيلي.
ثانياً: لقد تشكلت لجنة عربية رسمية باسم لجان متعددة الاطراف لاقرار برنامج اقتصادي تطبيعي شامل مع اسرائيل وضعه رئيس الوزراء الأسبق شمعون بيريز في التسعينيات، وسقط هذا البرنامج وإنتهى مشروع بيريز.
ثالثاً: لقد حاولت اسرائيل بكل طاقتها وبعدوان مباشر وصل الى بيروت عام 1982 تقسيم لبنان وابرام معاهدة باسم 17 أيار، فاستطاع احرار لبنان اسقاط هذ التقسيم بضرب التقسيميين وتم انقاذ لبنان بالمقاومة الشعبية ضد الاحتلال وباتفاق الطائف العربي عام 1989 الذي اكد على معاداة اسرائيل واستعادة وحدة لبنان، فسقط المشروع الاسرائيلي.
رابعاً: لقد تم تحرير معظم مناطق الجنوب اللبناني من الإحتلال الصهيوني بالمقاومة وبمساندة شعبية واسعة على قاعدة الوحدة الوطنية، حتى أصبحنا امام توازن ردع مع العدو الذي لم يعد يستطيع استباحة لبنان بعد تحرير العام 2000 والصمود الاسطوري عام 2006.
خامساً: ان دعوة الصهاينة للتعاون بين دول عربية (سنية) مع اسرائيل، لا يستطيع ان يقدم عليها زعماء هذه الدول المعنية، بسبب مقاومة الرأي العام لهذا التطبيع المشين، فقضية فلسطين تبقى عند الجماهير العربية هي معيار وطنية أو عدم وطنية اي نظام أو حرب او مجموعة.
المشكلة مع ايران
في الوقائع، هناك اشكالات وأزمات بين دول خليجية عربية وبين ايران، وهناك مخاوف خليجية من قوة ايران المتنامية، ووهناك تهم توجّه لايران بالتدخل في الشؤون الداخلية. وهناك في المقابل مخاوف ايرانية من القواعد الاطلسية المتواجدة في الخليج بما فيها الاسطول الخامس، بما تعتبره ايران تهديداً لامنها القومي.
ومن الحقائق، أن ايران دولة اقليمية ذات تاريخ وحضور، وكانت متواطئة مع اسرائيل ضد العرب في زمن الشاه البهلوي، وكانت جزءاً من الاحلاف الاستعمارية التي أسقطتها حركة القومية العربية.
ومنذ قيام الثورة الإسلامية في إيران في العام 1979، فإن إيران تعادي الحركة الصهيونية وتدعم المقاومات اللبنانية والفلسطينية ضد العدو، وتعتبر اسرائيل عدوها الاول في المنطقة، وبالتالي وبرغم الخلافات الخليجية مع ايران فلا يمكن مساواتها باسرائيل، ولا يمكن اعتبارها عدواً وجودياً كما يطرح الجهلاء. بل إن ايران هي جزء اساسي من المنطقة، في حين ان اسرائيل عنصر دخيل غاصب لحقوقنا في المنطقة.
لقد طالبنا منذ عقود بحوار عربي – ايراني بعد ثورة ايران بقيادة الإمام الحميني سنة 1979، وقلنا اذا كان القائد جمال عبد الناصر قد قرر في بيان 30 مارس 1968 عدم تصدير الثورة، ووقف اي تدخل سلبي في الشؤون العربية للوصول الى تضامن عربي قائم على الثقة المتبادلة لمواجهة العدو الصهيوني والسيطرة الاستعمارية، فان ايران إن رغبت في تصدير الثورة فانها لن تستطيع النجاح، وان رغبت في التعاون مع العرب على قاعدة الاحترام المتبادل فانها ستلقى التجاوب الشامل من الرأي العام العربي قبل الحكومات الرسمية، لان ثورتها اطاحت بنظام الشاه الاستعماري المعادي للعرب وقررت دعم قضية فلسطين، الامر الذي يفتح كل أبواب العرب للتعاون معها في اطار تكامل قوى العالم الاسلامي، من اجل التحرر من التبعية والتنمية الشاملة والدفاع عن رسالة الاسلام العظيم.
صحيح ان العلاقات العربية وبخاصة الخليجية باتت معقدة جداً مع ايران، لكن بالامكان ايجاد الحلول السلمية لهذه المشاكل، وذلك من خلال تشيكل لجنة من الجامعة العربية ومنظمة التعاون الاسلامي وعدد من الشخصيات الحكماء العرب والمسلمين لمباشرة حوار جدي بين العرب وايران، يأخذ بعين الاعتبار:
1- المصالح المشتركة للمسلمين، ويطرح وفق برنامج مدروس مواجهة الحملة الاطلسية الصهيونية على الاسلام، ويواجهه حالات التطرف المذهبي الخطير لدى جميع الجهات لتعطيلها من أجل التقريب بين المذاهب وازالة كل الشوائب السلبية الدخيلة على الاجتهادات الصالحة في الوسط الاسلامي.
2- تشخيص المخاطر على العالم الاسلامي ووضع خطة لمواجهتها حسب اولويات مصادرة التهديد.
3- الالتزام بقضية فلسطين قضية مركزية لاستعادة حقوق شعب فلسطين واتخاذ مواقف مشتركة من الداعمين لعدو الامة.
4- تنظيم العلاقات بين الدول الاسلامية وبخاصة بين ايران والعرب على قواعد احترام السيادة ووحدة الكيانات واحترام الحقوق المتبادلة وتحريم التدخل السلبي الداخلي المتبادل بين الدول الاسلامية، مع الالتزام بوحدة كل كيان وخصائصه وتكويناته الاجتماعية، حتى يكون التعامل قائماً على اساس علاقات الدول مع بعضها، وليس علاقات دول بطوائف أو مذاهب أو أعراق او فئات.
5- ابتعاد الدول الاسلامية عن محاور إقليمية او دولية من شأنها الاضرار بأمن او مصالح دول اسلامية أخرى.
إن هذه العناصر مجتمعة توفر الثقة بين الدول الاسلامية والتي على أساسها يمكن تجاوز الخلافات بين ايران العرب، لأن استمرار هذه الخلافات وتحوّلها الى صراعات إقليمية او مذهبية سيؤدي الى تحطيم رسالة الاسلام، ويحوّل أراضي المسلمين الى فوضى شاملة، ولن يكون بوسع اي طرف ان يربح هكذا معارك التي ستكون بمثابة كوارث تطيح بالبشر والعمران والحضارة وتفتح كل الابواب للصهاينة والمستعمرين للسيطرة المطلقة مع مقدراتنا.
ملاحظات:
1 – لقد جرّب العدو الصهيوني استمالة المسلمين الشيعة في لبنان عام 1982 وبعده، فكان أحرار الشيعة في طليعة المقاومين ضد العدو الصهيوني.
2 – لقد جرّب اتباع الاطلسي في لبنان دفع المسلمين السنّة الى فتنة مذهبية مع الشيعة واستخدموا الاموال الهائلة ومجموعات متطرفة مسلّحة ففشلوا، لان معظم الشيعة والسنة وبرغم الحساسيات اجهضوا الفتنة ولم يشكل اي منهم بيئة حاضنة للتطرف.
3 – ان الادارات التركية المتعاقبة أبرمت ستين اتفاقاً مع اسرائيل وهي دولة "اسلامية سنيّة"، لكنها عجزت عن دفع باكستان واندونيسيا وافغانستان وغيرها للاعتراف باسرائيل.
4 – ان المسيحيين العرب وبخاصة المشرقيين وعلى الاخص الفلسطينين منهم، وبرغم اضطهاد المتطرفين الطائفيين لهم في العراق وسوريا، اعلنوا عبر مؤتمراتهم وأبلغوا دول الغرب انهم متمسكون بأرضهم وبالعيش المشترك مع المسلمين ويرفضون الفدراليات والانفصال ومشاريع الكانتونات الطائفية.
5 – لقد لاحظنا خلال الحرب السورية المفتوحة السعي الاسرائيلي المحموم مع إعلانات صريحة بحماية الدروز، الاّ ان الدروز تمسكوا بوحدة الدولة السورية ورفضوا اي تعامل مع الصهاينة، كما فعل دروز لبنان.
6- بالامكان أن نلاحظ افراداً من كل الطوائف يتعاملون مع اسرائيل كجواسيس، وهذا أمر معروف في كل دول العالم التي تخترق استخباراتها بعضها البعض، ولكن ذلك لا يشكل اتجاهاً في الرأي العام ولا يعبر عن مذاهب او طوائف.
7- وعلى الرغم من الاهوال التي تعيشها منطقتنا العربية، فان المجتمع العربي لا زالت لديه مناعة قوية للحفاظ على وحدة الاوطان والدفاع عن الهوية العربية الجامعة وعن الاسلام العظيم الذي يواجهه الصهاينة والاطلسيون بالارهاب واطلاق الفتن واشعال الاوسط الكبير.
8- ان المتغيرات العالمية تكشف مدى تراجع الغرب الاطلسي اقتصادياً وعسكرياً وسياسياً وتقدم دول البريكس وعلى رأسها روسيا والصين التي تتصدر اليوم خط الدفاع عن القانون الدولي، وترفض استباحة سيادات الدول. فما عادت الولايات المتحدة الأميركية تقرر صياغة الساحة الدولية، وأصبحنا امام توازن قاري وقومي حيث تتصدر آسيا القمة العالمية.
------------------------------
No comments:
Post a Comment