Sunday 21 February 2016

{الفكر القومي العربي} قضاء سلطة الحكم الذاتي الفلسطيني

قضاء الحكم الذاتي الفلسطيني

عبد الستار قاسم

 

الكاتب من أكثر الكتاب العرب تعرضا للإجراءات القمعية من قبل العرب والإسرائيليين في العصر الحديث. تعرض لإطلاق النار مرارا وأصيب مرة بأربع رصاصات، وتعرض للحرمان من الوظيفة في الأردن وفلسطين، وللاعتقال مرارا من قبل الكيان الصهيوني والسلطة الفلسطينية وللإقامة الجبرية والمنع من السفر، ومن شاء أن يكتب حول الإجراءات التعسفية التي يتعرض لها الكتاب والمثقفون العرب فإن الكاتب هو العنوان الذي تتجسد فيه صنوف الملاحقات.

مجددا وللمرة السابعة تقوم السلطة الفلسطينية باعتقال الكاتب وذلك بتاريخ 2/شباط، فبراير/2016 على خلفية دفاعه عن ضرورة تطبيق القوانين المعمول بها والصادرة عن منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الفلسطينية.

أجرت فضائية القدس التي تبث من بيروت لقاء معي حول الوضع الفلسطيني طالبت فيه بإعادة الحياة إلى قانونين فلسطينيين وهما القانون الثوري لمنظمة التحرير الفلسطينية الصادر عام 1979، وقانون الانتخابات الصادر عام 2005 والذي يحدد مدة رئاسة السلطة الفلسطينية بمدة أربع سنوات فقط. هناك نصوص في القانون الثوري الفلسطيني تقول إنه يعاقب بالإعدام كل من يتخابر مع إسرائيل أو يتعاون معها أو يعرقل عمل قوات الثورة ضدها، الخ، وقد ذكرت النص على الهواء. علما أن القانون الثوري هذا معمول به حتى الآن وتم محاسبة بعض عناصر الأجهزة الأمنية الفلسطينية الذين هربوا من غزة أمام قوات حماس عام 2007، لكن أغلب الناس بمن فيهم بعض القانونيين لا يعرفون عنه شيئا. أما قانون الانتخابات الفلسطينية فيجعل من رئيس السلطة الحالي غير شرعي لأنه تم تجاوز القانون بسبع سنوات. عباس انتهت مدته عام 2009، ونحن الآن في عام 2016، وبالتالي هو الآن ليس ما يسمى بمقامات عليا.

يبدو أن أركان السلطة الفلسطينية قد راعهم وأرعبهم التنبيه إلى هذين القانونين لأنهم يخالفون بنود القانون الواردة، ورئيس السلطة الفلسطينية يخالف قانون الانتخابات. زلهذا قررت افتعال أزمة من خلال تلفزيون فلسطين الرسمي.أقدم تلفاز فلسطين على استقدام مقابلة لي مع تلفزيون القدس، وبث مقاطع منها يصعب التحقق منها كأدلة. واستضافت القناة شيخ ليصدر فتوى إخراجي من ملة الإسلام، وأستاذا جامعيا لإخراجي من ملة العلم. لم يقرأ أي منهما نصي القانونين للمشاهدين، واكتفيا بكيل الاتهام بأنني أدعو إلى قتل الرئيس إعداما، وهذا ما ركزت عليه منسقة البرنامج أيضا، وأصرت على أنني أنتحل صفة محلل سياسي، وعلى أنني ما يسمى بروفيسور. واضح أن إنجازاتي العلمية لا تعجبها، ونرجو الله أن تتطور هي علميا لتسد العجز في المكتبات العربية. حقيقة أنا لم أدع إلى قتل أحد أو إعدام أحدا لأن هذا الأمر من شأن المحكمة وليس من شأني، وجدليتي أن الأمم التي لا تحترم القانون لا يمكن لها أن تقف على أقدامها أو أن تتحرر. وطبعا أصرت المذيعة المسكينة على كيل الاتهامات والتوجه بأسئلة للانتقاص من مكانتي العلمية. هذا علما أ،ه تم إعدام فلسطينيين في لبنان بناء على هذا القانون وبسبب التخابر مع العدو.

مراحل الاعتقال

كنت على وعي بأن السلطة الفلسطينية ستقدم على اعتقالي، وكنت جاهزا بخاصة أن شنطة ملابس السجن جاهزة على الدوام. وبينما كنت على مدخل بيتي بتاريخ 2/شباط/2016 فوجئت بسيارة الشرطة الفلسطينية تقف أمام منزلي. هبط من السيارة ثلاثة من رجال الشرطة الفلسطينية وهجموا علي قائلين: هات الهوية وهات الهاتف الخلوي ويا الله معنا. طلبت منهم أن يتريثوا قليلا لكي أبلغ زوجتي زين النساء عن الاعتقال، وآتي بشنطة الاعتقال وأقفل باب البيت. لقد رفضوا وتصرفوا بعنجهية مطلقة. كان من الملحّ أن أتحدث مع زوجتي لأننا عائلة معرضة للاعتداءات من قبل زعران وبلطجية وشبيحة النظام، وإذا كان لها ألا تتواصل معي فإنها ستهيم حزينة جدا وحائرة. المهم أنهم رفضوا، علما أن الضابط الصهيوني الذي اعتقلني عام 2014 قدم كل التسهيلات لي لكي أتحادث مع عائلتي.

التحقيق كان هو المرحلة الثانية، ووجه لي وكيل الادعاء السيد صبحي حلوة من سكان مخيم جنين ثلاث تهم وهي النيل من هيبة الدولة والترويج لأخبار كاذبة وذم مقامات عليا، أي رئيس السلطة الفلسطينية. بالنسبة للنيل من هيبة الدولة، نفيت وجود دولة فلسطينية، وما هو موجود فقط حكم ذاتي لا هيبة له. أما الترويج لأخبار كاذبة فتبين أن وكيل الادعاء يتحدث عن خبر نشره أحد أركان السلطة الفلسطينية حول إجهاض 200 محاولة فلسطينية ضد الصهاينة. أما الثالثة فقلت إنها غير صحيحة لأنه لا يوجد لنا في فلسطين مقامات عليا إذ لا يوجد من الناحية القانونية رئيس للسلطة الفلسطينية.

وكيل الادعاء هذا رفض أيضا أن أتحدث مع زوجتي، وبعد انتهاء التحقيق طلب من الشرطة السماح لي بالاتصال بزوجتي، لكن الشرطة لم تطع الأمر وبقيت دون اتصال.

عودة زين النساء (أم محمد)

اتصلت أم محمد بي على الهاتف الخلوي ولم تجد جوابا، وعادت بمفردها إلى البيت. وجدت باب البيت مفتوحا، وبحثت عني دون جدوى. طفقت تسأل الجيران، ولم يسعفها أحد برؤيتي. لقد ارتابت جدا بخاصة أننا مهددون كما قلت. انهارت ابنتي ميس باكية، وقام جارنا بفحص البيت ووجد أن غرفة مقفلة بالمفتاح فكسر الباب ظنا منه أنني بالداخل ميتا. ازداد التوتر مع عدم وجودي داخل الغرفة. فتذكرت زوجتي آلات التصوير المنتشرة حول بيتي وقامت بفحصها ورأت على الشاشة سيارة الشرطة ورجالها. وقد نشرت فضائيات عدة صور الشرطة الفلسطينية على الملأ وهي متلبسة بهجوم على فلسطيني ل يتم التعامل معه كمواطن..

المرحلة الثالثة تتمثل بإيداعي السجن. أخذوني إلى سجن الجنائيين في مدينة نابلس وذلك لأنهم يعملون جاهدين دائما على عدم الاعتراف بوجود سجناء سياسيين لديهم مخافة رد فعل بعض الدول الأوروبية. وضعوني في غرفة المسجونين بسبب الصكوك المالية الراجعة.

الغرفة قذرة جدا ورائحتها كريهة ومكتظة بالمعتقلين. مرافقها الصحية غير صحية ولا يمكن للمصلي أن يتطهر فيها. أما الصراصير فتتجول في الغرفة براحتها، وقد دخل صرصور (أو على رأي الممثلة المصرية شيرين سرسراية حبنا) في أذني أثناء نومي.

من المهم أن أشير إلى أن تعامل أفراد الشرطة الفلسطينية معي أيام الاعتقال كان لطيفا وجيدا، ولم يحاول أي فرد الإساءة لي، وهؤلاء هم الذين يعبرون عن الأخلاق الفلسطينية الحقيقية.

المحكمة

عقدت محكمة نابلس جلسة لتمديد توقيفي برئاسة القاضي عبد الرحمن حسين وحضور وكيل النيابة يسار حجاز . علمنا قبل انعقاد الجلسة القضائية أن توقيفي قد تمدد مدة خمسة عشر يوما. وقد رد القاضي طلب الإفراج بالكفالة ومدد توقيفي 15 يوما لاستكمال التحقيق على الرغم أن وكيل الادعاء قد قال لي إن التحقيق قد انتهى. تمديد التوقيف من صلاحية القاضي، وليس من صلاحية أي جهة أخرى، لكن يبدو أن هناك سلطة أعلى من سلطة القضاء وعلى القاضي أن يلتزم بأوامرها. كيف لقاضي أن يقبل تمديد توقيف متهم خارج غرفة القضاء؟ هذا يحصل في فلسطين للأسف. أما وكيل الادعاء يسار حجاز فأتى إلى المحكمة بدون ملف القضية، فقام محامي الدفاع بتقديم الملف للقاضي. ترافع المحامي حول مسألة إخلاء السبيل بالكفالة، لكن القاضي أعطى حكمه بسرعة ورد طلب الإخلاء.

لقد قدم المحامب مرافعة متكاملة حول إخلاء السبيل، وقدم بيناته القانونية، وأدركت أن القاضي سيأخذ وقتا لدراسة المرافعة، لكن القاضي لم يكترث وأصدر حكمه بسرعة، وهذا ما أكد لي صحة المعلومات التي تم الحصول عليها من خارج غرفة القضاء بأن الحكم صدر خارج إرادة القاضي وتقييمه للأمر.

قدم المحامي طلب إخلاء سبيل بعد ثلاثة أيام وقبل القاضي الطلب وخرجت بتاريخ 7/2/2016. أي أن المسألة لم تنته، وأنا بانتظار المحكمة، والريبة الآن ليست مباشرة من القاضي وإنما من القوى الخارجية التي تضغط على القاضي.

لاحظت أثناء جلسة المحكمة الصورية أن تهمة رابعة قد أضيفتلم يسألني أحد بها من قبل وهي تهمة إثارة الفتن المذهبية. تولى محامي الدفاع تفنيد هذه التهمة قائلا بأنه لا يوجد في فلسطين مذاهب متنازعة يمكن أن يبث أحد الفتنة حولها. فضلا عن أنني لم آت على ذكر طوائف في مقابلتي التلفازية.

وأخيرا أوكد أنني لم آت على ذكر جهات أو أشخاص معينين، وأن تلفاز فلسطين  وضيوفه والقضاء الفلسطيني لم يستندوا إلى معلومات ونصوص قطعية من أقوالي، وإنما استندوا إلى تحليلات وتفسيرات لنوايا زعموا أنها عندي. وقد جرحت بأدلة قدمها وكيل الادعاء على اعتبار أنها مواد مبثوثة إليكترونيا. المواد المبثوثة إليكترونيا لا تشكل أدلة أمام القاضي لأن الإشارة الإليكترونية تخضع للكثير من التزوير والتحوير مجرد أن خرجت من مصدرها. هكذا كان الأمر أمام المحقق الصهيوني الذي حقق معي عام 2014. لقد قلت له ألا يعرض علي أي مواد مبثوثة إليكترونيا لأنها ليست صادرة عني، وفعلا التزم ولم يقدم أي ورقة أو قولا مبثوثا إليكترونيا أمام القاضي.

الديمقراطية

هناك بعض العباقرة من أساتذة جامعات وإعلاميين قالوا إن ما قاله عبد الستار قاسم لا يندرج تحت حرية الرأي والديمقراطية. هؤلاء إما بلهاء أو أنهم رددوا فقط ما قالته وسائل إعلام فلسطينية كاذبة. إذا كان الحديث عن تطبيق القوانين ليس من الديمقراطية، فما هي الديمقراطية إذن؟ وهناك من قالوا إن القانون الثوري لمنظمة التحرير لم يعد قائما ويخلطون بينه وبين الميثاق الوطني الفلسطيني. القانون الثوري ما زال موجودا ويستند إليه القضاء العسكري الفلسطيني. وسبق أن حاكمت السلطة عام 2008 بعض عناصر من حركة فتح وفق هذا القانون في أريحا، وترافع عنهم الأستاذ عبد الكريم حماد رحمه الله. وكنت حينها الوحيد الذي وقف مدافعا عنهم. أما القول بأن القانون الثوري الفلسطين قديم وانتهى فمضحك جدا. القانون لا يلغيه القدم، وإنما يجب أن تلغيه جهة شرعية ليصبح لاغيا. نحن نستعمل حتى الآن قوانين أردنية، وأيضا قوانين تركية في المحاكم الشرعية. والمضحك أنهم يقولون بقدم القانون الثوري الصادر عام 1979، ويوجهون لي تهمة ذم مقامات عليا بناء على قانون أردني يخص الملك صادر أواخر الأربعينات. ثم أي مقامات عليا عندنا وأحذية الاحتلال تدنسنا جميعا؟

وإذا كان هناك من يحرص على الديمقراطية فعليه أن يطالب بتطبيق قانون الانتخابات، أو يطالب بفتح المجلس التشريعي لتمارس السلطة التشريعية دورها، أو ليطالب بمنع استلام أكثر من منصب وفق القانون الفلسطيني.

 

 

No comments:

Post a Comment