قدسية المعلم
بروفيسور عبد الستار قاسم
24/شباط/2016
قدسية المعلم في كل أرجاء الأرض من قدسية عمله الذي ينقل الإنسان من حال إلى حال مختلف تماما: من حال الجهل والضعة والهوان إلى حال القوة والعزة والإقدام. الأمم المتطورة هي التي تدرك قيمة المعلم ودوره الفاعل والعظيم في بناء الأجيال القاادرة على حمل المسؤولية والسير قدما بالناس إلى الأمام في مختلف مجالات الحياة. المعلم هو عنوان الحرية لأنه يخرج التلاميذ من الظلمات إلى النور، وهو الذي يضيء الطريق أمام الجميع. ولهذا حرصت الأمم المتنورة على صحة المعلم النفسية والمعنوية والمادية، وعملت دائما على مراقبة أوضاعه حتى لا يضيع في هموم الحياة العامة على حساب ما يخصصه للتلاميذ من جهود وأوقات. وقد حرصت الدول على توفير الدخل المحترم للمعلم حتى لا تشغله هموم الحياة فيبقى تركيزه على الدرس وأساليب إيصال المعلومة للطلاب بيسر وسهولة وبدون تعقيد. فعملت ماليزيا مثلا على تحسين ظروف المعلم لكي ترتقي بالعملية التعليمية. وكذلك فعلت إيران وتركيا تقديرا منهما أن جهود المعلم هي التي تثمر في النهاية وتأتي بالنتائج المتوخاة. أما الولايات المتحدة الأمريكية فأدركت أن هناك خللا في نظامها التدريسي عندما سبقها الاتحاد السوفييتي المنهار إلى الفضاء. اجتمع جهابذة التربية والتعليم الأمريكيين لدراسة الخلل التعليمي الذي أودى بالولايات المتحدة إلى المرتبة الثانية في التعليم. اقتنع الأمريكيون أنهم لم يقوموا بما يجب تعليميا فأخلوا السبيل أمام الآخرين ليتفوقوا عليهم. أدخلت أمريكا تحسينات كبيرة على ظروف المدرس، وعلى مختبرات المدارس، وأخذت تركز على التجربة العلمية كأساس للانطلاق نحو التميز والتفوق.
في مثل حالنا، ونحن تحت الاحتلال، يجب أن نحرص أشد الحرص على مصلحة المدرس وصحته النفسية والمادية لكي يكون قادرا على بث ثقافة الحرية والعزة والكرامة في نفوس الطلاب. التحرير واستعادة الحقوق الوطنية الثابتة للشعب الفلسطيني يتمان على أيدي الأجيال القادمة التي تخرج من تحت عباءة المدرس. وإذا كان للمدرس أن ينشغل بلقمة خبزه فإن الوقت المتوفر لتربية الشجاعة والعطاء والإقدام والبناء ومواجهة العدو سيكون قليلا جدا. نحن أشد الناس حاجة للمدرس الذي يبث الوعي في عقول الناشئة حول الاحتلال وشروره وحول محاسن الحرية والخروج من هيمنة الغير وتحقيق الاستقلال الوطني وتحقيق الإرادة السياسية الحرة.
المعلم الفلسطيني مظلوم على مدى السنوات ومنذ عشرات السنوات. كان المعلم مظلوما في العهد الأردني، وبقي مظلوما في عهد الاحتلال، وما زال مظلوما حتى الآن. يجب تحسين ظروف المعلم المادية وعلينا أن ندرك أن هناك ما يكفي من الأموال لتحسين ظروف المعلم. وإذا لم تتوفر الأموال فإنه بالإمكان الاقتطاع من ميزانيات أجهزة أخرى مثل الأجهزة الأمنية وتوظيفها في ميزانية التربية والتعليم. الميزانية الأكبر يجب أن تكون للصحة والتعليم وليس للأجهزة الأمنية.
يجب توفير مال للمعلم يكفيه تكاليف المعيشة ويمكنه من التوفير لتعليم الأبناء وبناء البيت. ويجب أن يكون الراتب كافيا يحول دون المعلم والعمل بعد الدوام. الأمم تحرص على راحة المعلم الجسدية، ولا يجوز أبدا أن يعمل المعلم سائق تاكسي، أو أن يذهب للعمل لدى الصهاينة أو رعي الأغنام بعد الدوام. يجب أن يبقى المعلم متفرغا تماما ومرتاحا لكي تكون العملية التعليمية انسيابية ومجدية.
فضلا عن ذلك، يجب إعادة النظر بالعملية التربوية التي مكنت الطالب من إهانة المعلم والنيل منه، والتي مكنت أيضا بعض أولياء الأمور من التطاول على المعلم وجره إلى المحاكم أو مراكز الشرطة. الأسلوب التربوي المتبع في المدارس الآن يوفر الأجواء المناسبة لإهانة المدرس وإذلاله، وأخذ بعض الطلبة غير المنضبطين يتطاولون على المدرسين بالتهديد والوعيد والسخرية والاستهزاء. يجب أن تتوفر الأجواء المناسبة لكي يكرس المعلم شخصيته ولصون هيبته واحترامه. نظريات التربية المسماة حديثة أساءت للعملية التربوية وللمدرسين ويجب إعادة النظر بها. كان ولي الأمر في السابق عونا للمدرس، اما الآن فيشكل العديد من أولياء الأمور عونا لأبنائهم على المدرسين. إذا أردنا صون كرامة المدرس فإن علينا حمايته من الزعران والشبيحة.
مطلوب من المدرسين الصمود عند مطالبهم، ولهم كل الحق في تحسين ظروفهم المادية.
حقوق معلمي فلسطين
حقوق معلمي فلسطين سيرة تعيش معنا منذ سنوات طويلة، ومنذ أيام الإدارة الصهيونية. إضراب المعلمين وحقوق المعلمين حاضرة في حركة الشارع الفلسطيني، ولا يبدو أن هناك جدية في وضع حد لهذه الحركة لكي تستقر. السياسة التعلمية في بلادنا تجبر المعلمين على اتخاذ خطوات هم لا يريدونها، وأصحاب العلاقة لا يبدون الاهتمام الكافي لحل المشاكل.
هناك قاعدة أساسية يجب أن نحترمها جميعا وهي أنه إذا كان المعلم محترما ويشعر في داخله أنه مطمئن ومستقر فإن الجيل الذي يتعلم على يد هذا المعلم سيكون صحيا من الناحية النفسية وقادرا على العطاء مستقبلا. وإذا كان المعلم مهموما، فإن الهم ينتشر في أوصال الجيل لتغوص البلاد في فشل عميق. هذه قاعدة لم يحترمها الاحتلال الصهيوني لأن احترامها ليس في مصلحته، وهي أيضا غير محترمة من قبل السلطة الفلسطينية لأن احترامها ليس في مصلحتها أيضا. سلطة من هذا القبيل لا يناسبها أناس محترمون وجيل واع غيور على أمته ووطنه، ولا نتوقع أنها ستأخذ إجراءات جدية لكي تلتزم ببناء الوطن وإقامة الدولة المستقلة.
هناك عدد من النقاط لا بد من إبرازها بخصوص المعلمين:
1- هناك من يدعي أن السلطة لا تملك أموالا، وبالتالي على المعلمين أن يصبروا كما يصبر غيرهم. هذا كذب. السلطة تهدر الأموال وتبذرها، وتستهتر بثروات الشعب الفلسطيني سواء المتأتية من العمل الداخلي أو عن طرق التسول والمعونات. هناك آلاف مؤلفة من الأشخاص الذين يحصلون على مرتبات عالية دون تقديم خدمة للشعب الفلسطيني، وهناك نفقات وترف وتبذير لا يقبله عقل. إذا قامت السلطة الفلسطينية بخطوات الترشيد، وخففت الأعباء عن الشعب الفلسطيني، فإن الكثير من الأموال سيكون بالمقدور توفيرها. فمثلا: لماذا تحصل الفصائل الفلسطينية على أموال من السلطة الفلسطينية؟ ولماذا هناك مرتبات عالية جدا لقادة الأجهزة الأمنية وغيرهم من المدراء؟ لماذا هناك أكثر من 400 شخص يتقاضون رواتب وزراء؟ لماذا هناك كل هذه السيارات الرسمية التي تكلف الشعب يوميا حوالي 200000 دينار؟ وهناك لماذا كثيرة، وكلها تتعلق بنفقات تضر ولا تنفع.
2- من المفروض مضاعفة راتب المعلم إذا كنا نحن الشعب نسعى إلى تحقيق استقرار حياة المعلم ونطمئن إلى أنه سيكرس جهوده لبناء جيل عظيم قادر على إنقاذ الوطن.
3- الوقفة الشعبية مع المعلمين ضعيفة، والمفروض أن قضية المعلمين قضية جماهيرية لأنها تمس أبناءنا مباشرة. نحن لن ننجح إذا عزلنا أنفسنا عن القضايا العامة، وأدرنا ظهورنا لحقوق الآخرين. المفروض أن نقف مع كل صاحب حق إذا كان لنا تحقيق تماسك اجتماعي وتكافل وتضامن يحمينا جميعا من الغزاة والطغاة والبغاة.
4- الملعم الفلسطيني مثقل أيضا بالكم الهائل من التعليمات التي تتدفق عليه من التربية والتعليم. هنا تربويون في التربية والتعليم يظنون أن الفكر التربوي الغربي ممتاز ويمكن تطبيقه بنجاح في فلسطين، وهم كما يبدو يعبدون التعاليم الغربية التربوية. وقد وصل الحد بهذه التعليمات إلى إضعاف المدرس كثيرا امام الطالب بخاصة الطالب الأزعر الذي يجد لنفسه حماية سياسية وغطاء مسلحا. المدرس مهان جدا تحت سلطة السلطة الفلسطينية، وكرامته تنتهك باستمرار، وعلى السلطة الفلسطينية أن تعيد التفكير بكل أوامرها التربوية ليعود للمعلم كيانه المحترم، ولنعيد للمعلم هيبته.
5- الأجهزة الأمنية تتدخل في المدارس، وهناك محاولات لتجنيد مدرسين لمراقبة مدرسين آخرين. هناك فئوية في التعيينات، والأجهزة الأمنية تقوم بمسح أمني لكل شخص مرشح للتعليم. هذا فجور وإساءة عظيمة للعملية التعليمية. المعلم يحصل على موقعه بفضل كفاءته، وليس لأنه فتح أو حماس، أو لأنه مع أوسلو أو ضد أوسلو. هناك أعمال مشينة ومخزية يتم اقترافها بحق شعبنا، وبحق الذين ينشئون الأجيال. المفروض أن تخرج الأجهزة الأمنية من المدارس، وألا تتدخل في التعيينات والتوظيف. هذا الأسلوب العربي المقيت في السيطرة السياسية والحزبية على المدارس ممجوج، ويشكل خيانة لله والوطن والشعب. وإذا كان مسؤول التربية والتعليم صاحب تربية وتعليم فعليه أن يتوقف عن التعاون مع الأجهزة الأمنية من زاوية التعيينات والتوظيف، وأن يعتمد كفاءة المرشح للتدريس فقط.
6- كما نرجو من المعلمين ألا يركزوا على الراتب فقط، فقضايا الاحترام مهمة جدا، ومن الأولى أن نضعها في رأس المطالب.
7- بصورة عامة نحن بحاجة إلى ثورة على الذات، والأمور لن تستقيم إن لم نقومها نحن بأيدينا. التغيير ملح، وكلما تأخر نصبح أكثر قربا من صراع داخلي ندفع ثمنه جميعا. وهؤلاء المساطيل الذين لا يريدون سماع أصوات الناس إنما يقامرون بمستقبل الوطن والموطنين.
توفير الأموال
لا توجد أموال ونريد توفير أموال لغاية تحسين ظروف المعلمين. الاقتراحات التالية ستؤدي إلى توفير الأموال:
من السهل جدا توفير أموال والتخلص تدريجيا من نير الأموال المعادية، وذلك بالخطوات التالية:
أولا: وقف الأموال عن الفصائل الفلسطينية لأن مهمة هذه الفصائل تحرير فلسطين لا العيش على حساب الشعب الفلسطيني، ويجب مطالبتها بكل الأموال التي أخذتها منذ عام 1994. الشعب الفلسطيني ليس مسؤولا عن الإنفاق على مكاتب للفصائل ولا دفع مرتبات لقادتها ومرافقيهم، الخ.
ثانيا: يتوقف دفع رواتب لحوالي 400 وزير سابق أو من هو برتبة وزير.
ثالثا: الرقابة المشددة على مصاريف الرئاسة الفلسطينية، وما نسمعه عن هذه المصاريف كثير.
رابعا: مطالبة كل الذين أخذوا أموالا من السلطة بدون وظائف حقيقية بإعادة الأموال إلى الخزانة.
خامسا: جمع كل السيارات العامة بما فيها سيارات الرئاسة ورئاسة الوزراء وبيعها بالمزاد العلني، دون المساس بسيارات التربية والتعليم والصحة والدفاع المدني والشرطة. على رئيس فلسطين وكل المسؤولين أن يستعملوا أقدامهم أو سياراتهم الخاصة إن أرادوا إقامة دولة فلسطينية.
سادسا: مراجعة ملفات الضراب لأن هناك عدم دقة إدارية في ملفات كثيرة تعود بالأخص لأثرياء ومتنفذين.
سابعا: إنهاء عمل كل موظف حصل على وظيفته بالفساد الإداري.
ثامنا: إلغاء تقاعد كل شخص حصل على تقاعده بالفساد الإداري.
تاسعا: دفع رواتب موظفين دون الذهاب إلى مكان العمل لأن أغلب الموظفين لا يعملون، ووجودهم في أماكن العمل يكلف السلطة كهرباء وماء وهاتفا، وربما يكلف أمراضا اجتماعية بسبب الانشغال بالأشخاص دون العمل. ومن المحتمل أن يستغل الموظف غير العامل وقته للقيام بعمل منتج مثل حراثة الأرض وزراعة النبات وتربية الحيوان.
عاشرا: تحويل موظفين إلى وظائف فاعلة مثل تحويل موظفين في الأجهزة الأمنية إلى التربية والتعليم للتخفيف عن طواقم المدرسين، أو إلى الشرطة.
الاقتصاد الوطني
إذا أردنا المحافظة على كرامتنا، والحرص على استعادة حقوقنا، لا بد من التحول إلى اقتصاد إنتاجي وتبني سياسة الاعتماد على الذات. يجب قلب كل هذا الوضع الاقتصادي الذي نحن فيه، وأن نعود إلى أولوياتنا والمتلخصة بوطننا واستعادة كامل الحقوق الوطنية الثابتة للشعب الفلسطيني. ما نحن فيه الآن غي وضلال وإضعاف للذات وإراحة نفس لإسرائيل ومن والاها. نحون نخون وطننا الآن، ونخون دماء شهدائنا وآهات نسائنا ودموع أطفالنا. بئس نحن.
No comments:
Post a Comment