فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إياكم والغلو في الدين، فإنما هلك من كان قبلكم بالغلو في الدين)) (النسائي)4، وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا حفص بن غياث ويحيى بن سعيد عن ابن جريج عن سليمان بن عتيق عن طلق بن حبيب عن الأحنف بن قيس عن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم هلك المتنطعون قالها ثلاثا (مسلم)5، وقال صلى الله عليه وسلم: ((لا تشددوا على أنفسكم، فإنما هلك من كان قبلكم بتشديدهم على أنفسهم، وستجدون بقاياهم في الصوامع والديارات))6.
ومع أنّ الأحاديث الثلاثة السابقة استخدمت ثلاث كلمات في وصف التطرف وهي: الغلو، والتنطع، والتشديد، فإنها قد وصفت نتيجة التطرف بكلمة واحدة وهي: الهلاك، وكفى ذلك زاجرا للمسلمين في البعد عن التطرف والرجوع عنه، فإنه لا يؤدي إلا إلى الهلاك.
بحيث ان التطرف كما ورد هو تجاوز الحد والخروج عن المالوف والمعتاد وتجاوز للاعتدال والوسطية وبالتالي فانه سلوك غير سوي وذلك انه مرفوض دينيا واخلاقيا واجتماعيا ويؤدي الى مخاطر جمة منها بالخصوص الانتهاكات الخطيرة التي يقوم بها المتطرفون لحقوق الانسان وصولا الى ارتكاب افظع الجرائم بسند ديني غير حقيقي ومزور وهذا نجده في كل الديانات وخاصة السماوية منها حيث ان التطرف يقود دائما الى نتائج مخيبة للآمال
فالتطرف اليهودي أدى الى ظهور الصهيونية العالمية كشكل من اشكال العنصرية قادت بامتياز الى انشاء وطن قومي لليهود على حساب الشعب الفلسطيني وتشريده وتفتيله وارتكاب أقسى وامر الجرائم في حق هذا الشعب وليس هذا فقط وانما تعدى اجرام هذا التطرف الى ارتكاب جرائم في حق الكثير من الشعوب العربية الاخرى واحتلال اراضيها الى حد الان بتعلةأنهم شعب الله المختار وان الشعوب الاخرى انما لخدمتهم وقد ثبتت هذه المعاني في تلمودهم النسخة المشوهة والمحرفة عن رسالة موسى عليه السلام
وبالنسبة للمسيحية فان التطرف المسيحي سواء في العصور الوسطى اثناء الحروب الصليبية او في العصر الحديث حيث كان التبشير بالمسيحية هو الخطوات الاولى في افريقيا واسيا لوضع الاستعمار الغربي يده على خيرات البلدان المستهدفة وانتهاك حرمات الشعوب وتقتيل ابنائها والزج بهم في السجون والتعذيب وكل اشكال الانتهاك لحقوق الانسان كانت انطلاقا من نظرية عنصرية دينية تعتبر ان الانسان المسيحي الابيض افضل شعوب الارض وبالتالي يجوز له ارتكاب كل الحماقات في خصوص الشعوب المغلوبة على امرها
مظاهر التطرف الديني:
وبالامكان حصر مظاهر التطرف في النقاط التالية
-التعصب للرأي واعتبار النفس على صواب والآخرين خارجين عن الملة ولو لأتفه المخالفات البسيطة التي تعد من الفروع وليست من الأصول والحكم على من أهملها بالكفر والالحاد وقد نتج عن ذلك جرائم فظيعة ذهب ضحيتها أبرياء كثيرون
-العنف في التعامل والاعتداد بالرأي الواحد وعدم قبول الجدل والنقاش والمسارعة الى اصدار الاحكام الاعتباطية دون درس او تمحيص
- سوء الظن بالآخرين والنظر إليهم نظرة سلبية تضخم من سيئاتهم، فالأصل هو الاتهام والإدانة. قد يكون مصدر ذلك هو الثقة الزائدة بالنفس التي قد تؤدي في مرحلة لاحقة بالمتطرف إلى ازدراء الغير.
- استباحة الدماء والاعراض والتنكيل بالمخالفين الى درجات غير مسبوقة وصولا الى اساليب في التعذيب والقتل والمعاملة القاسية بما يمحو كل حقوق للانسان وينتهكها انتهاكا صارخا هذا و إن هذه الظاهرة متكررة وليست وليدة العصر، بل وقعت في مختلف العصور وفي كل الديانات السماوية.
-الانغلاق والتحجر والعزلة عن المجتمع والحياة فتسود ثقافة الموت والتنكيل بديلا عن ثقافة التسامح والعيش المشترك وقد أنتشرت مثل هذه الجماعات بكثرة في الدول العربية، خاصة في الجزائر ومصر والسعودية واليمن وسوريا، وبعد "الربيع العربي" بدأت بالظهور في كل من تونس وليبيا.
أكثر الجهات تأثرا بهدا التطرف
ان اهم الجهات في المجتمع والتي تكون الضحية الاولى لهذا التطرف هي كل المجتمع بما فيهم المتطرفون أنفسهم لانهم يتعرضون الى مقاومة شديدة من المجتمع الذي ابتلي بهم في المقام الأول وكذلك بقية المجتمعات الأخرى التي نآزر ذلك المجتمع فتصاغ لهم القوانين الخاصة بمقاومة الارهاب والمحاكمات الخاصة وربما السجون الخاصة اذ أول ضحية لمثل هذا التطرف يكون هؤلاء أنفسهم في المقام الأول يكفينا علما بما حصل من مأسي في سجون باغرام بافغانستان وغوانتانامو الامريكي وأبوغريب بالعراق .
كما ان الأطفال في المجتمع الضحية بداء التطرف يتعرضون لشتى أنواع التنكيل والاستغلال سواء في استخدامهم للعمل او المشاركة في الأعمال الحربية او استغلالهم جنسيا وهو ما يعد من أفظع انواع الانتهاك لحقوق الانسان لأن الأطفال في كل الشرائع السماوية والقوانين الوضعية لا يتحملون أي مسؤولية فيما يشب بين الكبار من خلافات وبالتالي يجب استبعادهم عن أي توظيف أو أي استغلال وقد ٍرأينا صورا فظيعة من تسليح الأطفال وقطع رؤوسهم نتيجة لهذا التطرف البغيض في كل النزاعات المسلحة .
كما تنتهك حقوق المرأة باعتبارها طرفا ضعيفا ويقع استغلالها بشكل رهيب في هذا التطرف وينظر اليها نظرة دونية بعيدة كل البعد عن توجيهات الديانات السماوية في جوهرها وغير المحرفة من قبل الاتباع كما حصل في كل الدياناتدون استثناء بحيث تم استغلالها جنسيا فيما سمي باطلا مثلا في العراق وسوريا بجهاد النكاح وكانت معرضة للقتل لمجرد الشبهة في سيرتها بطرق فيها انتهاك واضح لحقوق الانسان اضافة الى فرض النقاب عليها ومنعها من العمل والخروج والبقاء في البيت لخدمة الرجل والابناء فقط
كما أن الأقليات الدينية والعرقية معرضة الى انتهاكات جسيمة لحقوقها في الحياة والعدل مع الطوائف الأخرى المهيمنة عدديا وعسكريا وثقافيا فتضطهد كل حقوقهم الدينية والمذهبية وتسلط عليهم كل أنواع التفرقة وهذا كثيرا ما يحصل أثناء الحروب والنزاعات المسلحة ولتفادي هذا الوضع من الضرورة بمكان التسلح بثقافة دينية معتدلة وبناءة وموضوعية كما الشأن بالنسبة لديننا الاسلامي اذا استبعدنا منه كل الأفكار الهدامة والمتطرفة .
ومن مظاهر الاعتداء على حقوق الانسان أيضا في هذا التطرف الديني تهديم الآثار والتماثيل وتجريم الأعمال الفنية والتصوير وصولا الى احتفالات باعدام واحراق أجهزة التلفزيون باعتبارها من صنائع الكفار وتصوير ذلك المشهد التعيس بأجهزة تصوير من ذات المنشا في تناقض رهيب وغير مفهوم المرامي والأهداف الا في مزيد من التراجع الى الوراء والوقوف في وجه الحضارة والرقي والتقدم والانكفاء الى الماضي دون التفكير في مستقبل المجتمع المتعرض للوثة التطرف الديني .
خاتمة:
بعد هذا التعريف الموجزللتطرف وتبيان ارتباطه الوثيق بالإرهاب، وبعد دراسة نتائجه الكارثية وآثاره الخطيرة على الإسلام والمسلمين وعلى الأمة العربية جمعاء وبالتالي على الانسانية واثاره المدمرة للفرد والمجتمع نفسيا واخلاقيا واجتماعيا وفي بناء مستقبل واعد، فاني ادعو جميع أبناء الأمة العربية والإسلامية للوقوف صفاً واحداً ضد جميع أشكال التطرف والإرهاب ونبذ كل أشكال التعصب والإنغلاق الفكري والبقاء ضمن دائرة الاعتدال والوسطية التي امر الله بها تعالى في محكم التنزيل في قوله تعالى وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللّهُ وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ .سورة البقرة 143
وفي خصوص تطرف أصحاب الديانات الأخرى من اليهود والنصارئ يوجه لنا الله سبحانه وتعالى آيتين حكيمتين يندد فيهما بالتطرف ويعتبره ضلالا وانحرافا عن الصراط السوي يجب الحذر منه وتجنبه ما أمكن :
1- يقول تعالى ({يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقِّ } (171) سورة النساء)
2- ويقول تعالى ({قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلاَ تَتَّبِعُواْ أَهْوَاء قَوْمٍ قَدْ ضَلُّواْ مِن قَبْلُ وَأَضَلُّواْ كَثِيرًا وَضَلُّواْ عَن سَوَاء السَّبِيلِ} (77) سورة المائدة.
المراجع
1التعريفات الفقهية
المؤلف: محمد عميم الإحسان المجددي البركتي
الناشر: دار الكتب العلمية (إعادة صف للطبعة القديمة في باكستان 1407هـ - 1986م)
الطبعة: الأولى، 1424هـ - 2003م
2 الكتاب: المغرب في ترتيب المغرب
المؤلف: ناصر بن عبد السيد أبى المكارم ابن على، أبو الفتح، برهان الدين الخوارزمي المُطَرِّزِىّ (المتوفى: 610هـ)
3الملل والنحل
المؤلف: أبو الفتح محمد بن عبد الكريم بن أبى بكر أحمد الشهرستاني (المتوفى: 548هـ)
الناشر: مؤسسة الحلبي
4 سنن النسائي
5صحيح مسلم » كتاب العلم رقم الحديث 2670
6 المعجم الأوسط للطبراني رقم الحديث: 3173
You received this message because you are subscribed to the Google Groups "الفكر القومي العربي" group.
To unsubscribe from this group and stop receiving emails from it, send an email to alfikralarabi+unsubscribe@googlegroups.com.
To post to this group, send email to alfikralarabi@googlegroups.com.
Visit this group at https://groups.google.com/group/alfikralarabi.
For more options, visit https://groups.google.com/d/optout.
No comments:
Post a Comment