Sunday, 13 December 2015

{الفكر القومي العربي} article

هذه الظاهرة ألا تحتاج إلى تفسير ؟
صباح علي الشاهر
 
 
يقف المتابع  مدهوشاً أمام الإنتقالات المفاجئة لشخصيات العمل السياسي الراهنه من موقف إلى موقف آخر مضاد تماماً، ولا يجد البعض من تبرير سهل سوى القول  أنه تحول بمقدار 180 درجة، فهل هو تحوّل فعلاً ، تستوجبه تغيرات كمية في الواقع الذي ينعكس على تفكير البعض، ومن ثم على سلوكه، وهل هو مضاد فعلاً ، وهل بدأ هذا البعض ينظر الوقائع والأحداث بعين أخرى ، مُتفحصة ، مُغربلة ، ناقدة ، ومن ثم مُعدلة لمساره؟
مثل هذه القراءة جائزة، لأنها مُمكنة، فالإنسان فكراً وسلوكاً مُتغيّرومُتحوّل، تغير الوقائع حوله، خصوصاً إذا كان يعمل في لجة السياسة المضطرمة دوماً والتي ليس لها ثبات، ويُقال أن السياسي الذي يثبت على موقف واحد يصبح في النهاية كالماء الراكد، لا نفع فيه لأحد، لكن هذا القول يصدق عندما يكون الحديث عن السياسي الحقيقي، الذي يزاول علم أو فن السياسة ، لا من جعلته الظروف سياسياً من حيث لا يدري .  
هل هذا تبرير للإنتهازية ؟
لا ليس تبريراً، وإنما هو توصيف، ومن يقول غير هذا يغرف خارج بركة السياسة. السياسة تعني الإنتهازية بأدق معانيها، لأنها بكل بساطة تبحث عن المصلحة، فأين تكون المصلحة يكون السياسي، حزباً أو فرداً، وبالأخص أولئك الذين يسمون أنفسهم بـ ( السياسين المستقلين) ، الذين هم تجسيد مثالي للإنتهازية ،
السياسيون المستقلون تعني أن ثمة سياسيين في سوق العرض والطلب، معروضين للبيع في سوق التنافس السياسي بين حيتان السياسة ، وما صفة المسقل إلا صفة ترويجية قد ترفع من سعر هذا السياسي الذي يدعي أنه مستقل، والذي سرعان ما سيصبح من أشد المتعصبين والمُغلقين بعد أن تتم عملية الشراء ، ويتم إغلاق فمه بتبن السلطة الدسم .
لكن السؤال الأهم هو هل يوجد موقف مضاد فعلاً فيما يسمى بالعملية السياسة في العراق؟
الجواب كلا، كل الكتل والأحزاب والشخصيات تأخذ من الكعكة نصيبها، كما خطط لها مسبقاً، دونما تغيير جوهري إلا بالحدود الدنيا التي لا تغير من طبيعة المعادلة، والذي يجعل إستمرار العرض المسرحي مسلياً كل أربع سنوات، وأحياناً دون إنتظار نهاية هذه السنوات الأربع،  ولعل هذا ما يفسر سرعة الإنتقال من وإلى هذه  الكتلة أو تلك .
في العملية السياسية كل شيء رجراج، إلا ما أريد له الديمومة والإستمرار ، رغم بعض الإختلافات الطفيفة، والذي هو الثابت الوحيد في العملية السياسية ، ألا وهو إصطفاف العراقيين طائفياً وعنصرياً، فهذا وحده هو الكفيل بجعل وجود عراق حيوي وقوي وسيد أمراً في غاية الصعوبة إن لم يكن مُستحيلاً، وهو الذي سيؤدي عاجلاً أو آجلاً إلى تحقيق أحد الأهداف الكبرى للإحتلال، ألا ترى سرعة وسهولة تشكيل قوائم وكتل سنية، أو شيعية، أو حتى كردية خالصة، وكتل مدنية لا شأن لها بالإحتلال والعملية السياسية، تركز على النتيجة والظاهرة وتهمل الجوهر والسبب، مع تعذر إمكانية تشكيل كتلة وطنية حقيقية، أو حتى قومية عربية بإعتبار أغلبية سكان العراق عرب !
الوطنية، إذا أريد للعراق أن يظل عراقاً،  والعروبة، إذا أريد لما تبقى من العراق أن يبقى عربياً، هما الموقفان الحقيقيان المعارضان لكل ما جاء به الإحتلال، وما خطط له، وأي موقف آخر ينبثق من رحم  التشكيلات الطائفية والعنصرية، أو تلك الهلامية التي لا تقول شيئاً، هو إعادة إنتاج للوضع الراهن .
حقيقة إنتقال بعض سياسيي العملية السياسية من كتلة إلى أخرى، هو كإنتقال نزيل في فندق من غرفة  منافعها أقل إلى غرفة أخرى منافعها أكثر، وحالما يتم إخراجه من هذه الغرفة ينقلب على عقبيه، وتعود حليمة إلى عادتها القديمة، وعندها يتذكر الفساد والديكتاتورية وحقوق الناس المُستلبة، حتى إذا لوحت له كتلة منافسه بتبن مُداف بالعسل تخندق في خندقها المنافس، وإذا به  بين ليلة وضحاها من أتباع هذه الكتلة وهو في بطن أمه .
الذي يبرر للسياسيين إنتهازيتهم، والذي يجعل هذه الإنتهازية مهضومة، هو الغائب الأعظم في الحراك السياسي، والذي أريد تغييبه، ألا وهو المصلحة الوطنية، المصلحة الوطنية هي الشيء الوحيد الذي يبرر للسياسي السلوك الإنتهازي، فالإنتهازية لا تعد إنتهازية إذا حققت المصلحة الوطنية، لأن هذه المصلحة هي المعيار الأسمى لكل تصرف وسلوك، فالسياسي الوطني هو نهاز لكل الفرص، أو خالق لها من أجل شعبه ووطنه .  
عندما تنعت قائد دولة بأنه إنتهازي فأنت لا تذمه، إذا حقق بهذه الإنتهازية  منفعة لشعبه ووطنه، ولكنك تؤكد لا جدارته بموقعه إذا حقق بإنتهازيته منفعة خاصة له . الإنتهازية هنا نسبية، والخديعة الكبرى تصوير الأمر على نحو مغاير، وإعتبار الإنتهازية أمر مطلق يزاولها السياسي حتى مع أبناء شعبه، وعلى الضد من مصالحهم .
البلد المتطور ليس هو البلد الذي يكثر فيه السياسيون، وإنما البلد الذي يزخر بالمفكرين والمبدعين وأصحاب الرأي . عندما تصبح السياسة مهنة رئيس العشيرة ، والدلالة، والشقاوة، والمُعمم، والقاضي، والجندي، ورجل الأمن، والأمي، يصبح عندها من المضحك الحديث عن نشاط سياسي،  خل عنك إنجاز سياسي، ويصبح أولئك الذين يسمون أنفسهم محللين سياسيين ليس سوى دجالين أو حواة يلعبون بالثلاث ورقات، ويصبح الحال من بعضه، حيث يتقافز السياسيون والمعلقون كما القردة في غابة من شجرة إلى أخرى .     

No comments:

Post a Comment