رضا العالم برضا إسرائيل
عبد الستار قاسم
11/كانون أول/2015
إذا كنت مطلوبا لإسرائيل فأنت مطلوب للأردن والسعودية ومصر والسلطة الفلسطينية ومختلف دول الخليج. ومن المحتمل أنك ممنوع من الاستراحة في مطارات الجزائر والمغرب وتونس. إذا غضب عليك بنو صهيون فإن الناس كلهم غضابا. ولهذا من المفروض أن يسأل كل عربي نفسه فيما إذا كان هو مع المقاومة أم لا، وبناء على إجابته يستطيع أن يعرف أي الحدود يمكن أن يعبر، وأيها سيوقف عندها ويعاد من حيث أتى، أو يعتقل ويجد نفسه في الإعلام على أنه إرهابي حاول أن يتسلل عبر الحدود. وليس فقط الدول التي يمكن أن تلاحقك، بل أن المؤسسات في بلدك ستلاحقك، ومن الصعب عليك أن تجد عملا. ببساطة، إذا كنت ضد إسرائيل، أو كنت مطلوبا لها فإن النظام السياسي العربي الذي يتحكم ببلدك لن يرضا عنك، وسيكون اسمك مدونا لدى أجهزة المخابرات، وفي الغالب ستكون ملاحقا، وستضع المخابرات اسمك لدى مختلف المؤسسات العامة والخاصة لكي لا يمنحوك وظيفة. وهكذ هو شأن أبنائك عندما يكبرون ويبدأون في البحث عن عمل. وإذا ضاقت بك الحياة ووجدت نفسك تسوق بسطة خضار على عربة صغيرة فإن بعض رجال المخابرات سيتعمدون حادثا لقلب البسطة وتخريب الخضار المعروضة للبيع.
حزب الله مصنف من قبل إسرائيل على أنه منظمة إرهابية، والعديد من الأنظمة العربية والمثقفين والأكاديميين والسياسيين العرب وغير العرب يتعاملون معه على هذا الأساس. هو إرهابي لأنه صمد في وجه الكيان الصهيوني ورده خائبا في حرب تموز 2006. وهكذا يتم تصنيف الجهاد الإسلامي وحماس. لو هزم حزب الله، وهزمت حماس والجهاد في الحروب المتتالية التي شنتها إسرائيل على غزة لما كانوا إرهابيين ولكانوا بدلا من ذلك مراهقين أدبتهم إسرائيل.
المنار قناة مقاومة، وهناك من أخذوا ينتقدونها بشدة بسبب موقفها من النظام السوري وليس بسبب أنها مقاومة. وهناك من بين العرب العاديين من يشاركون في الحملة ضد المنار وضد حزب الله. ومن المؤسف أنني سمعت أستاذا جامعيا فلسطينيا يقول لزميله إن هادي ابن السيد حسن قتل في بار في بيروت على يد شخص رآه مع صديقته، ولم يقتل على أرض المعركة. لقد وصل التشويه إلى حد هذا الانحطاط. فإذا كان الفلسطيني الذي من المفروض أن يدعم المقاومة بغض النظر عن مصدرها ما دامت من أجل فلسطين يصل إلى هذه الدرجة من التشويه، فماذا نتوقع من المعادين للقضية الفلسطينية من دول عربية ووسائل إعلام عربية.
فهل من الغريب أن تقدم شركة عربسات على إيقاف بث المنار؟ ليس غريبا. الوطن العربي تديره عصابة ثلاثية مكونة من الحكام الذين لا هدف لهم إلا إطالة أمد حكمهم، وهم يملكون مالا كثيرا، ووسائل الإعلام التي تعتاش على الفتات التي يلقيها لها الحكام، ومصلحتها تكمن في الحصول على المال، والصهاينة ومن وراءهم الذين لا يهمهم سوى تخريب الوطن العربي. الصهاينة ومن يقف معهم يتعهدون بإطالة أمد حكم المارقين العرب، والإعلاميون يمدون لهم جذورا في الأوساط الشعبية من أجل أن يكون للحكم حاضنة، والحكام يفتعلون الهموم والمشاكل في الساحة العربية والتي تطمئن إسرائيل والدول الغربية عموما. هذه عصابة لها مصالح متبادلة، وكل عضو فيها يقدم ما لديه من خدمات من أجل أن يبقى العربي في حالة وهم ومغيب الوعي وأبله تتقاذفه أهواء السياسيين العملاء والخونة كيفما يشاؤون.
المنار خارج العصابة، وأنا كفرد عربي عادي خارج العصابة، وعلى أهل المنار أن يتوقعوا المزيد من الأعمال العربية المشينة بحقهم ما داموا خارج الرضا الصهيوني. فقط يمكن أن تخف الضغوط عليهم إذا أصبحوا جواسيس وعملاء وخونة. ما عدا ذلك ستبقى المنار وكل القنوات الشبيهة معرضة للضغوط والإجراءات التعسفية.
هذا المشهد يحصل مع الأفراد أيضا. لقد تقاعدت من عملي في جامعة النجاح عام 2013، فقالت لي زوجتي حاول أن تجد عملا لأنك ما زلت قادرا على العطاء. قلت لها إنني لن أجد عملا في فلسطين، ولو كانت مرحلة الثمانينات التي بدأت فيها العمل في الجامعة شبيهة بمرحلة أوسلو لما حصلت على وظيفة. قالت إنك أستاذ قديم ولك مؤلفات كثيرة، ووضعك العلمي على الساحة العربية معروف ومقدر. قلت لها أن لا أحد يبحث عن علماء في الوطن العربي، وفقط سأجرب لأثبت لك أنني لن أحصل على عمل. اتصلت بأحد رؤساء الجامعات وقال لي إنه سيتصل بي غدا، وغدا لم يأت حتى الآن. واتصلت مع آخر وقال ذات الشيء. قلت في نفسي سأتصل بمدرسين فربما يتعاطفون معي. اتصلت بأول شخص في جامعة جنوب الضفة الغربية، ولكنه أخذ يرتعش بمجرد أن عرف من أنا، الخ. لم أحصل على عمل، ولا أحد من أبنائي سيحصل على عمل لأن فلسطين ليست لنا، هي لهم على الرغم من أن وسائل الإعلام تكذب وتشكل بوقا صوتيا للمسؤولين. أنا ضد إسرائيل، وضد أوسلو، وضد الذين ينهبون ثروات الأمة، وضد الهيمنة الأجنبية وضد الاستبداد ومع المقاومة ومع الوحدة العربية ووحدة الضفتين، الخ. ولهذا لا نصيب لي ولا لأولادي، وأنا مرتاح بدون نصيب يقدمه لي الخونة والعملاء والجواسيس.
فيا أيها المنار، لو كنتم من الساقطين المساومين والمنحرفين والبغاة والسافلين لما عاقبتكم العربسات. وما لكم إلا القبض على الجمر والصمود، ودائما يتفوق الذين يتطلعون إلى المستقبل على الذين يتمسكون بالماض. ومن كانت نظراته وشفاهه موجهة نحو الأحذية لن يتغلب على الناظرين إلى أعلى. نحن سننتصر والمستقبل لنا نحن الباحثون عن رفعة الأمة ووحدتها وتقدمها.
لكن من المهم أن يتم السعي لتخصيص قمر صناعي للقنوات الملتزمة بمستقبل أفضل للأمة.
No comments:
Post a Comment