ردود الفعل التي تحاول خلط الأوراق
صباح علي الشاهر
بأي عين يمكن للمراقب رؤية الإجتياح التركي لحدود العراق ؟
العراق ليس بعدو لتركيا، هذا على الأقل ما يظهر على السطح، وهو ليس بعدو لحليفة تركيا الأساسية و داعمتها ( الولايات المتحدة الأمريكية)، ولم تصل العلاقات التجارية بين أنقرة وبغداد في أي مرحلة إلى ما وصلت إليه الآن، فتركيا تجني مليارات الدولارات ربحاً صافياً ، ليس فقط مما تصدره إلى العراق من مواد واطئة الجودة لا يمكن تصريفها في الإسواق الأوربية ، وإنما من المشاريع التي تنفذها في العراق، وهي مشاريع عالية الكلفة وقليلة الأهمية، إن لم تكن معدومتها في بعض الأحيان، ومن عائدات النفط الذي تحتكر تصديره، ومن ذاك الذي تتواطأ مع الإرهابيين والسراق على نهبه وتسويقه، والعراق بضعفه الراهن الذي جعله أضعف من أي ضعيف، بسبب إفتقاده للقرار المستقل، وإرتهانه إلى إرادات تتحرك وفق مصالح الخارج، أو في الأقل وفق مصالحها الآنية الضيقة، والتي أصبحت معايير الوطن والوطنية بالنسبة لها مجرد هراء وسذاجة، والتي لم تكن تحلم في يوم من الأيمان أن تكون مصدر قرار، لولا تلك العملية الإنتقائية التي تمت على يد المحتل في إختيار من تصبح وحدة العراق وتقدمه، خل عنك إستقلاله، قضايا تلامس تخوم الخيال، العراق بوضعه المأزوم هذا لا يشكل أي خطر على تركيا، ولا يهدد مصالحها، لا بل أن تركيا سوف لن تجد وضعاً أنسب لها من الوضع الحالي ، حيث توطد نفوذها ليس في الشمال العراقي وإنما في العراق كله بحيث أصبحت شركاتها تحتكر حتى الزبالة !
كيف يفسر البعض أن ساسة يحكمون بلداً كبيراً وعظيماً كتركيا يحرقون بأيديهم ما بنوه خلال سنوات ؟
ليسأل القادة الأتراك أنفسهم ، في ظل أي ظروف وعلاقات ، تم مد أنابيب النفط من حقول النفط العراقية إلى الموانيء التركية، رغم أن هذا الخط لم يكن الأقصر ، ولا الأكثر جدوى إقتصادية ؟
وليسألوا أنفسهم في ظل أي علاقات مع روسيا تم البدء بخط غاز السيل الجنوبي؟
كنت أحسب أن القيادة التركية المتمثلة بأردوغان الإسلامي، خصوصاً بعد إطلاق سياسة ( تصفير مشاكل) التي عبر عنها وأشاعها وزير الخارجية آنذاك، ورئيس الوزراء حالياً (داود أوغلو)، تزاول علم السياسة كما هو، وتخرج ربما للمرة الأولى في تأريخها من أضغاث الأحلام الإمبراطورية، أو الهيمنة على شعوب المنطقة، خصوصاً وأن هذه السياسة مدت جسوراً بين تركيا ومحيطها، بحيث تحولت صورة تركيا من بلد عتات القتلة الذين يُجلسون مواطني البلدان الأخرى على الخوازيق، إلى بلد السلاطين الرحيمين الذين يحملون راية التقدم والمحبة، والذين تتآمر عليهم أوروبا القاسية الباغية، وكعادتنا كعرب مشهود لنا ليس بالحنكة والدهاء، وإنما بالعاطفة التي نتباهى بها، والتي تصل أحياناً لحدود السذاجة، فتحنا أسواقنا للشقيق الذي كان ضالاً، بحيث أن دولة كسوريا أقدمت على ما يشبه إزالة الحدود بينها وبين الشقيقة التي أصبحت أقرب إليها من حبل الوريد، وبدأت على نطاق واسع مرحلة ( مهند)، وأضحت منتجعات تركيا السياحية محجة العرب المترفين، وسواهم، وأصبحت مستشفيات تركيا ومصحاتها مستشفيات ومصحات عربنا وأعرابنا.
لو بحث أي إقتصادي تركي عن منافع تركيا من الأوضاع شبه الصحية التي عمت المنطقة على إثر إطلاق سياسة ( صفر مشاكل) والفوائد الجمه التي جنتها تركيا من العرب، من العراق وسوريا والشمال الأفريقي، وخصوصاً ليبيا، ولوأتعب نفسه أي باحث ونقب عن مقدار تلك السمعة التي حصلت عليها تركيا في محيط كان على الأغلب غير مُحب إن لم يكن مُعاد، وكانت صورة تركيا العسكر والإنقلابات، وحلف النيتو، والعلاقات المتميزة مع إسرائيل، وموروث الدولة الثمانية، هي الصورة السائدة والمهيمنة في تفكير الأغلبية الساحقة من مواطني دول الجوار، ولو قارن ما جنته تركيا في ظل سياسة ( صفر مشاكل)، و إطفاء الحرائق، وما جنته وستجنيه في ظل سياسة إشعال الحرائق وإحراق المنطقة، لما تواني عن القول أن تركيا يجب أن تحاكم حكامها.
حكام تركيا اليوم، وإن بدا للبعض أنهم يلعبون سياسة، لكنهم في واقع الحال ينغمسون في ردود الأفعال، لم يعودوا فاعلين، وشأن أي مفلس يلجأون إلى خلط الأوراق، محاولين إحراج من هم سادة في التكتيك والإستراتيج، فليست روسيا التي قضت على حلمهم بالزون الآمن في الشمال السوري، ولا أمريكا التي أدركت طبيعة موازين القوى في المنطقة، ولا أوروبا الجريحة التي أضحى همها التخلص من الإرهاب لتنعم شعوبها بالأمان في وارد أن ينساقوا وراء صبيانيات حكام مُفلسين، لا يملكون فضيلة الإعتراف بالخسارة، و لا يبصرون ولا يدركون حركة وإتجاه الأحداث، ليس في المنطقة فقط، بل في العالم بأسره. العالم مشغول بمصائبه، والذين لا يدركون أحجامهم يتصورون أنهم سيأخذونه من تلابيبه إلى حيث يريدون .
إن الذين يرغبون بمواصلة سياسة إشعال الحرائق، لا يدركون أنهم يلعبون في منطقة إن إشتعلت حقاً ، فإنها ستشعل العالم كله ، يوجد من الوقود ما يكفي لإشعال العالم ، كل العالم، حيث لا يبقى بعدئذ من يطفيء النيران .
العالم يتجه لإطفاء الحرائق الخطرة ، كي ينعم الناس بأمن نسبي على الأقل، من لا يدرك هذه الحقيقة سيجني على نفسه، و لن يضر سواه.
No comments:
Post a Comment