هل ثمة أمل ، أم فات الأوان؟
صباح علي الشاهر
عقدة العقد في الوضع العراقي، أن ثمة دولة، ولكن هي في مهب الريح. أركان الدولة متوفرة في الأرض، والشعب، ولكن لاوجود حقيقي للسلطة، ربما يتصور البعض أن دور السلطة هامشي في تحديد وجود الدولة من عدمه، هذا الرأي سطحي بما فيه الكفاية، إذ غالباً ما تقيم السلطات دولها، أو توسع رقعتها، أو تقلصها، أو تكون السبب المباشر في زوالها .
الشعب الذي يرى وطننا يتفتت أمام أنظاره على يد سلطة عاجزة، ثم يقف ساكناً لا يستحق هذا الوطن ، وقد تكون سلطة عاجزة كهذه جديرة به.
العلاقة بين أركان الدولة الثلاث ( الوطن ، الشعب، السلطة) علاقة جدلية وسببية، فلا وطن بلاشعب ، ولا شعب بلا وطن، ولا وطن وشعب بلاسلطة، ولا سلطة بدون وطن وشعب.
السلطة بعيداً عن كل الحذلقات والفذلكة تعني إحتكار القوة، القوة التي بدونها لا يكون ثمة وجود للقانون . السلطة التي تحتكر القوة، تستعمل هذه القوة لفرض القانون ، ومن أجل أن يعم القانون جميع ربوع الوطن، يجب أن يكون هو القانون الأوحد الشامل لجميع المواطنين والذي ينبغي التقيد به ومراعاته بالرضى أو بالإكراه والقوة. عندما نجد أكثر من قانون، كقانون العشائر، والمافيات، فهذا دليل على تفسخ السلطة .
السلطة القوية ليست سلطة ديكتاتورية أو إستبدادية، من يحدد شعبية أو إستبدادية أي سلطة هو كيفية إستعمالها للقوة، التي ينبغي أن لا تُستعمل إلا في موضعين، تطبيق القانون، وحفظ الأمن، والدفاع عن حياض الوطن، و السلطة الحقيقية هي التي لا تفرط بجوهر وجودها ألا وهو إحتكار القوة، وحصر إستعمال هذه القوة بها، بحيث لا يشاركها أحد في هذا الحق، عندما تنتشر الجماعات المسلحة في بلد ما بأي صفة، و مهما كان لون هذه الجماعات، حزبية أم دينية، أم مناطقية، أو تحت أي مسمى، فإن السلطة حينئذ لا تفقد مهابتها فقط ، بل تعلن على رؤس الأشهاد، لا عدم جدارتها فحسب، وإنما عدم الحاجة لوجودها أصلاً .
يمكن في ظروف خاصة، عندما يتهدد البلد خطر داهم، تشكيل فصائل شعبية مسلحة، من خارج التشكيلات العسكرية الحكومية، لمساعدة السلطة في مواجهة هذه المخاطر، بشرط أن تكون هذه الفصائل بإمرة السلطة وتحت إشرافها، لا بإمرة الحزب مهما إقترب أو بعد عن السلطة، ولا بإمرة جماعة أو عشيرة أو فئة من فئات الشعب .
إن مبدأ إحتكار السلطة للقوة، مبدأ لا جدال فيه سواء بالنسبة للموالين أو المعارضين، هذا إذا كان السياسي في البلد سياسي يعمل لمصلحة البلد، لا لمصالح خاصة أو فئوية، يغلفها أحياناً بمصلحة الطائفة أو المذهب، أو القومية، أو الحزب ، أو المدينة، لأن كل هذه التشكيلات والتكوينات مصلحتها من مصلحة الوطن الذي يتشاركون العيش فيه.
لقد شوه أصحاب المصالح، الأديان والمذاهب، والقوميات، والأحزاب، وأعطوا لإنفسهم حقوقاً فوق حقوق غيرهم لمجرد إنتسابهم لهذا الدين أو ذاك، لهذا المذهب أو ذاك، لهذه القومية أو تلك، لهذا الحزب أو ذاك، علماً ( ونحن نتحدث في مجال السياسة) إن الحقوق متساوية بين مواطني البلد الواحد، فلتكن من أي دين، ومن أي مذهب، ومن أي قومية، ومن أي حزب، فأنت عراقي في وطنك العراق، مثلما المواطن البريطاني بريطاني في بريطانيا، والسويدي سويدي في السويد، أما الهويات الثانوية الأخرى فهي مما يندرج في الخاص ( التنوع الثر) أما الوطنية فهي العام والشامل الموّحِد لنا جميعاً، ولأننا نعيش متشاركين في وطن واحد فينبغي أن نخضع لقانون واحد، يُنظّم عيشنا المشترك، ويكون الفيصل والحكم فيما بيننا .
مبرر وجود أي سلطة هو حماية أمن المواطنيين، وسلامتهم، وإدارة شؤونهم وفق القانون، ومن دونما تمييز، والسهر على حقوق الناس والوطن، والسلطة بكل أشكالها ونماذجها، عبارة عن موظفين مُستأجرين لتحقيق هذه الأهداف، إن تهاونوا أو تقاعسوا أو عجزوا عن تحقيقها يُبدلون بغيرهم ، تماماً كأي موظف فاشل وعاجز وغير جدير في أي مفصل من مفاصل الوظيف الحكومي . هذا هو (عام) أي سلطة ، وهذا ما لا يختلف عليه أي مُتصدٍ للعمل في حقل السياسة، وعندما تجد سياسيين يختلفون حول هذا ويعيقون عمل السلطة في صلب إختصاصها فأعلم أن هؤلاء لا علاقة لهم بالسياسة، وإنما هم سياسيو الصدفة، أو مقامرون لا يميزون بين العمل السياسي وسباقات الخيل .
أما (خاص) السلطة فهو برنامجها الذي بموجبه تنبري لقيادة البلد، وطبيعي أن مفردات هذا البرنامج سياسية من الألف إلى الياء، تمثل رؤية هذا الفصيل في طريقة ومباديء خدمة الوطن والمواطنيين، وهنا تختلف الرؤى وتتنوع، ويتصارع الفرقاء، حيث يختلفون حول هذا البرنامج بأكمله، أو في بعض مفرداته، وينبغي أن لا يكون هذا البرنامج خدمة حزب بعينه ، أو طائفة بذاتها، أو قومية محددة، وإنما خدمة وطن ومواطنين، حول مثل هكذا برنامج يتم الإصفاف، من دونما صبغة مذهبية أو عنصرية، وتتشكل الأغلبية السياسية التي تستلم مهمة قيادة البلد، لتطبيق القانون، وإستعمال القوة ، التي هي قوة القانون، لحفظ أمن الناس وسلامة الوطن. من يريد حقاً مكافحة الفساد، ومراقبة السلطة ومحاسبتها عند التقصير، لا يعمل على إضاعة مسؤولية الجريمة بين القبائل، بل عليه حصرها في المسؤول عنها، والمسؤول عنها لايكون شريكاً، بل خصماً أو منافساً سياسياً، عرض برنامجه على الشعب و مُنحت له السلطة كاملة من أجل تنفيذ هذا البرنامج ، فعجز عن القيام بالمسؤولية، أو فرط بالإمانة، أما أن يكون الجميع مشاركاً في السلطة فهذا هو الفساد بعينه، و ما يقال عن ( حكومة الأقوياء) أو ( المقبولية) أو ( الشراكة) ما هو سوى تهريج سياسي، يستهدف إقتسام الغنيمة بين اللصوص ليس إلا.
فلسفة الديمقراطية بكل بساطة، أن ثمة سياسي يحكم بمواجهة سياسي يعارض ويراقب، وهذه أبجدية الديمقراطية في النظم الديمقراطية ، ولا علاقة للديمقراطية بتحالفات المافيات و الكارتيلات الإحتكارية .
No comments:
Post a Comment