Saturday, 6 February 2016

{الفكر القومي العربي} يحيى حسين: أتبيعُ ما لم يبعه مبارك؟

 
أَتَبِيعُ ما لم يَبِعْه مُبَارَكُ ؟!
بقلم المهندس/ يحيى حسين عبد الهادى
(البداية 6 فبراير 2016)

عندما سُئِلَ المصرفى الوطنى الكبير ومحافظ البنك المركزى الأسبق على نجم لماذا يرفضُ بَيْعَ البنوكِ الوطنيةِ مِن حيث المبدأ أيّاً كان السعر، مع أنه ليس ناصرياً، قال عبارته البليغة (يكفى أن تكون مصرياً لترفض بيع البنوك الوطنية) .. ومات الراحل الكبير على باب استديو أحد البرامج الفضائية وهو يحارب معركته الأخيرة الشريفة ضد سماسرة بيع مصر .. مات على نجم وقامت ثورةٌ ومات مئاتُ الشهداء وسَقَطَ رأسُ نظام بيع مصر وماتت أمانة السياسات (أو هكذا ظننا) ولكن يبدو أن السماسرة فى هذا البلد لا يموتون..
الروايةُ التى أُعلن عن بدء فصلٍ جديدٍ بها منذ أسبوعٍ، كانت قد بدأت فى أواخر 2006 أثناء انشغال الشعب بمقاومة فساد برنامج خصخصة شركات القطاع العام، حيث باغتتنا دولة مبارك ببيع أحد البنوك الحكومية الأربعة (بنك الإسكندرية) إلى بنكٍ إيطالىٍ بما يساوى 11 مليار جنيه مصرى فقط بعد أن تحملت الحكومةُ نحو 9 مليارات جنيه لتنظيفه من القروض وتجهيزه للبيع، أى أن الصافى 2 مليار جنيه فقط ثمناً لبنكٍ يحوز على إيداعات 6% من المودعين المصريين وبه مجموعةٌ من أفضل العاملين فى القطاع المصرفى ويمتلك أكثر من مائتى فرعٍ منتشرين علي مستوي الجمهورية، وقيمتها كمبانٍ فقط تفوق ثمن البيع كله .. قُضِىَ الأمرُ وضاع مِنَّا بنك الإسكندرية للأبد، مع وعودٍ كاذبةٍ (كالعادة) بأن البنوك الثلاثة الأخرى لن تُباع .. ما هي إلا بضعة شهورٍ وأعلن السماسرة عن طرح بنك القاهرة للبيع، مع وعود كاذبةٍ (طبعاً) بأن البنكين الآخرين (الأهلى ومصر) لن يُباعا .. هنا انتفض الجميع لرفض بيع البنوك بتاتاً وأولها بنك القاهرة المطروح للبيع .. كانت إحدى معارك الشعب المجيدة التي اشترك فيها الجميع من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار.
فعندما تَعَجَّب كثيرون من انضمام حزب الوفد الليبرالى وجريدته اليمينية في الحملة ضد بيع بنك القاهرة رغم إيمانه باقتصاد السوق، كان الرد هو الإحالة لإجابة على نجم (يكفى أن تكون مصرياً لترفض بيع البنوك الوطنية).
وكان ذلك أيضاً هو موقف المشير محمد حسين طنطاوى الذى قد يختلف البعض على إدارته للبلاد عقب ثورة يناير العظيمة، لكن لم يختلف أحدٌ على وقفته الصُلبة والمُفاجئة قبل الثورة بعامين ضد بيع بنك القاهرة عندما ضرب بقبضته طاولة اجتماع مجلس الوزراء برئاسة نظيف قائلاً بعفويةٍ (أنتم تبيعون البلد).
فى أواخر يونيو 2008 نجحت الإرادة الشعبية وفشلت عملية بيع بنك القاهرة واعتُبِر ذلك رداً من نواطير مصر (أى حُرَّاسُها) على بيت المتنبى الشهير (نامت نواطيرُ مصرٍ عن ثعالبها .. وقد بَشمنَ وما تفنى العناقيدُ) .. ولم نكن ندرى أن (ثعالبها) لا يموتون ولا يشبعون.
كان منطق رفض بيع البنوك واضحاً حتى للمؤيدين لخصخصة الشركات .. كنّا نقول (كله إلا البنوك) لأن أى نظامٍ وطنىٍ يعقب هذا النظام المستبد الفاسد الساقط (حتماً) لن يحصل على تمويلٍ لمشروعاته الإنتاجية إلا من بنوكٍ حكوميةٍ، لأن البنوك الأجنبية والخاصة تبحث عن الربح السريع من قروض شراء السيارات مثلاً .. كنّا نقول ذلك قبل سقوط مبارك بسنوات.
ظَنَّ الجميع أن فكر البيع (لا سيما للبنوك) قد انتهى وشُيِّعَ إلى مثواه الأخير .. إلى أن وقع منذ عامٍ حَدَثٌ ذو دلالة .. إذ تم تعيين السيد/ محمود عبد اللطيف رئيساً تنفيذياً لصندوق (تحيا مصر) قبل أن يستقيل بعد ذلك .. وسيادته كان المُدَبَّرَ الرئيس لعملية بيع بنك الإسكندرية وأول مسؤولٍ (فى مصر كلها) طَالَبَ العاملون بطرده فى الأيام الأولى لثورة يناير بتُهمةِ أنه صنيعة جمال مبارك (بالمناسبة باقى صنائع جمال مبارك فى البنوك لا يزالون فى مواقعهم) .. بعض (الدراويش) صَبَّ جام غضبه على المجهولين الذين زَجُّوا باسم محمود عبد اللطيف على الرئيس، لكنَّ آخرين استرابوا واستشعروا هوىً رئاسياً تجاه أهل البيع بدأ يتبدَّى في كثيرٍ من المظاهر.
منذ أيامٍ ودون مقدمات أعلنت الرئاسة عن توجيهات الرئيس عبد الفتاح السيسي للحكومة بالعمل على تنشيط البورصة وطرح شركات حكومية وبنوكٍ ناجحةٍ من خلال سوق المال .. وهو إفصاحٌ رئاسىٌ لم يحدث حتى أيام مبارك .. أعقبه تصريحٌ لمحافظ البنك المركزي بأن هناك اتجاهاً لطرح حصص زيادة رأسمال بنكين مملوكين للحكومة بالبورصة ليس من بينهما البنك الأهلي وبنك مصر (ذَكَّرتمونا بالوعود القديمة)، وأكدت مصادر بالتبعية أن بنك القاهرة هو أول ما سَيُقَدَّم على مذبح الخصخصة.
في مصر المُبتلاة أربعون بنكاً تجارياً متعددة الجنسيات، بينها ثلاثة بنوك حكومية فقط، ليس ذنبها أن قطاعاً كبيراً من المصريين يختصونها بثقتهم .. لكن يبدو أن سماسرة مصر (وثعالبها) يستكثرونها علينا..
نتحدث عن البنوك .. أما الشركات التى أفلتت من مقصلة الخصخصة المباركية، وتُرِكت لتذبل وتموت، فقد زَفَّ إلينا البيان الرئاسى الأخير خبر تشييع الناجح منها مع البنوك إلى مثواها الأخير فى جنازةٍ جماعية من أجل تنشيط البورصة !!!!!.
هل كُتِبَ على هذا الشعب أن يستعيد معاركه القديمة؟! إن ما هو مطروحٌ للبيع ليس مِلكاً لمن يبيعه .. هذه الأصول المطروحة مِلْكٌ للشعب الذى لم يستأذنه أحد .. لا هى مِلْكٌ لمحافظ البنك المركزى ولا رئيس مجلس الوزراء .. وبالطبع ليست مِلكاً لرئيس الجمهورية .. إذ أنه حتى الذين منحوه أصواتهم كانوا يفَوَّضونه ليبنى .. لا ليبيع.

No comments:

Post a Comment