لا ولن يكون العراقيون فئران تجارب !
صباح علي الشاهر
لا نعرف على وجه التحديد، من مع من، ومن ضد من في عراق اليوم؟
الإصطفافات والتحولات تتحرك كما رمال الصحراء باستمرار، فمن هو مع هذا الطرف بالأمس هو ضده اليوم، وقد يكون غداً مع أي طرف مهما بدا متباعداً معه الآن، ولا نستغرب غداً أن نجد أشد الناس عداءاً لداعش يتحالف مع داعش، أو يتفاوض معها!
الإنتقالات والتحولات بلا تبرير ولا إقناع، "بلا إحم ولا دستور" ينتقل الموالي إلى معادي ، والمعادي إلى موالٍ، ينطبق هذا على الأفراد كما على الكتل والتنظيمات، وليس من المُستغرب ولا النادر أن تجد سياسياً يوغل في الذم بالأمس، ويغالي في المدح والنصرة اليوم ، ولا ندري ماذا سيكون موقفه غداً .
أكثر الإصطفافات عرضة للتغيير هي الإصطفافات الثلاث التي عُدت مُعبرة عن مكونات ثلاث، أريد إدامتها، وجعلها أمراً مفروغاً منه.
المكون الأكبر والأوسع يصعب اليوم لأي متابع سياسي الزعم بأنه يمتلك الحدود الدنيا من الإنسجام، إنه بإختصار شديد تجمع فضفاض للأخوة الأعداء، المستعدين للتعاون بشتى الذرائع مع أطراف خارجه، حتى لو كانت معادية في الجوهر، لأجل إزاحة أو تهميش، طرف آخر في هذا التحالف الفضفاض، أو حتى للحصول على مكاسب ضيقة، أو هامشية، وحتى من دونما مكاسب طالما تؤدي إلى عزل أو تهيمش أحد أطراف المكون المتحالف معه ضاهرياً، والمختلف والمعادي له باطنياً.
لنتساءل من هو الأقرب إلى المجلس الأعلى، دولة القانون، أم الأخوين النجيفي، ومن هو الأقرب إلى الأحرار، دولة القانون أم أياد علاوي؟
قياساً إلى الممارسات العملية الشاخصة، المُعبر عنها قولاً وعملاً، نجد أن الأخويين النجيفي أقرب إلى المجلس من دولة القانون، وعلاوي أقرب إلى الأحرار من دولة القانون ، والغزل بين المتقاربين على قدم وساق، وشهر العسل بينهم ممتد، ويبدو أنه سوف لن ينقضي في القريب العاجل، أما ما بين طرفي التحالف والطرف الآخر فليس سوى العداء السافر، الذي وصل إلى حدود كسر العظم، أما الإصلاح والفضيلة وبقية كتل التحالف فهي كما بات واضحاً مع من يمنحها مكسباً، أو موقعاً.
نفس الشيء يمكن قوله فيما يتعلق بالتحالفات الأخرى، كالتحالف الكردستاني، فلم يعد بالإمكان إخفاء الصراعات بين مكوناته الثلاث، التي إنتقلت إلى العلن، وما التهديد باللحم المر ، إلا البداية ، أما تحالف القوى، فلا أدري لماذا يُسمى تحالف أصلاً!
لقد تصاعد الإختلاف داخل التحالف الوطني ليصل المرحلة الدموية عندما شنت حكومة دولة القانون ما سُمي بصولة الفرسان ضد تجاوزات التيار الصدري، ومنذ ذاك ودولة القانون بشخص زعيمها أشد أعداء هذا التيار الذي أضحى مستعداً للتحالف مع كائن من كان من أجل إضعاف هيمنة دولة القانون على التحالف، ومن ثم إزاحته عن السلطة، ليس هذا فقط بل إنهاء دور زعيمه السياسي إلى الأبد، لقد أضحى هذا الهدف قضية مبدئية على رأس مهام التيار، أما كتلة ( المواطن) فهدفها الأرأس إيصال عادل عبد المهدي إلى كرسي رئاسة الوزراء ، وهو أمر دونه فرط القتاد.
وبموازاة إهتراء هذه التكتلات وإنكشافها، يتعرى الطائفيون والعنصريون، ومع إشتداد المحن وإتساع نطاق الكارثة يتضح لعامة الناس يوماً بعد يوم أن هذا الطريق الذي خطه المحتل لا ولن يجلب للوطن سوى المزيد من الكوارث المتناسلة بلا إنقطاع .
بات الشيعي مثلما السني يدركان أن السياسين الذين يدعون أنهم يمثلونهم لا يمثلون في الحقيقة سوى مصالحهم الإنانية، لقد أصبح الساسة المتخمون والفاسدون، والنهابون، مثار سخرية الناس وإحتقارهم، وهذا أمر بات شديد الوضوح، أما تصرفات القادة والمسؤلين فهي صادمة، فإذ يزداد عوز الناس، يزداد هؤلاء بذخاً وزهواً، وإذ يسفح المواطن دمه من أجل الوطن بمواجهة ظلامي العصر، يتصارع هؤلاء من أجل المزيد من المكاسب اللامشروعة لهم ولكتلهم، وأحزابهم.
عفواً أيها السياسي الشيعي ، أنت لا تمثل الشيعة بل تمثل مصالحك!
عفواً أيها السياسي السني أنت لا تمثل السنة بل تمثل منافعك!
عفواً أيها السياسي الكردي أنت لا تمثل الكرد بل تمثل عائلتك وقبيلتك وأتباعك؟
لم تعد للسلطة هيبة، ولم يعد للمسؤول أي إحترام، فهو موسوم بالفساد حتى لو لم يكن فاسداً، ومتهماً بالسرقة والنهب حتى لو لم يكن سارقاً، ولا ناهباً، وهذه مؤشرات يبدو أن المعنيون لا يتفهونها ولا يدركونها ، ولا يقدروا خطورتها.
أن تفقد السلطة هيبتها هذا يعني أحد أمرين، إما زوال هذه السلطة الوشيك، أو الدخول في الفوضى التي لا يعرف أحد حدودها، وكل المؤشرات تشير إلى أننا على أعتاب مثل هذه الفوضى، التي ستكون ذروة الفوضى الخلاقة التي وعدونا بها.
الفوضى الخلاقة التي خططوها لنا، وجعلونا قبل غيرنا ميداناُ لتطبيقاتها، باتت ملامحها واضحة تماماً، وإذ كانت هذه الملامح غير مدركة من قبل البعض سابقاً، نتيجة جهل وسذاجة وتغليب ما هو ثانوي وهامشي على ما هو رئيسي وجوهري، فإنه الآن وبعد كل كل هذا الدمار والموت العبثي، فإنه ليس سوى أعمى بصر وبصيره من لا يدرك هول هذا النهج، ولا يعي أبعاده الكارثية .
الآن لا أحد يمكنه الزعم بأن ما جرى ويجري، وعلى النحو الذي جرى ويجري، فيه نفع أو مصلحة، أو كسب بأي قدر، لعربي أو كردي، لسني أو شيعي، لمسلم أو مسيحي، فالمطحنة التي تواصل الطحن لا تستثني أحداً، وهي تطحن الجميع، البشر والحجر، الحاضر والماضي ، وتغلق المستقبل كلياً أمامنا وأمام أبنائنا، وأمام أحفادنا ، وإذا كان لها ثمة فائدة فهي ليست لنا بالتأكيد، وإنما لقوى أخرى ليست خارج وطننا فحسب، وإنما خارج منطقتنا، ولحسابات أخرى ليس فيها إعتبار لوجدودنا كبشر، فنحن بنظرهم لا ولن نكون في أحسن الأحوال سوى فئران تجارب .
No comments:
Post a Comment