لا تجعلوا الشهيدة أمية تموت مرتين !
صباح علي الشاهر
بعيداً عن أولئك الذين يريدون الصيد في المياه العكرة، وبعيداً عن المنهجية التبريرية الساذجة، التي تفاقم الأمور تعقيداً بدلاً من حلها، نحاول تلمس إشكاليات ما بعد تحرير تكريت .
كنا نرى سابقا إن الأهم من تحرير تكريت، هو ما بعد تحرير تكريت، قلنا هذا كتابة في العديد من مقالاتنا، وقلناه في العديد من المقابلات التلفزيونية .
لماذا ما بعد تحرير تكريت أهم من تحرير تكريت؟
لأن تحرير مدينة، كائنة من كانت، يبدو أمراً عادياً في الوضع العراقي الحالي، فكم مرّة تم فيها تحرير مدنأ وقصبات، ثم عادت هذه المدن والقصبات لتقع في أحضان داعش أو المتمردين بأي إسم تسموا، ثم تعود السلطة لتحريرها مجدداً، حتى بدا الأمر وكأنه مسلسل لانهاية له بين الكر والفر، التحرير والإستيلاء عنوة. هذا المسلسل العبثي التدميري كان من اللازم وضع نهاية له من خلال تلمس الأسباب والمبررات الحقيقية التي كانت تعيد إننتاجه في كل مرّة .
من الواضح تماماً أن الصراع كان يبدو في ظاهره صراعاً طائفياً، ولنقل بعبارة مقيتة ولكن الضرورة المنهجية توجب إيرادها، صراعاً سنياً شيعياً، وحيث أن هذا الصراع لا ولن تكون له خاتمة، ولا يكون فيه غالب أو مغلوب، وهو صراع في جوهره عبثي غير منتهٍ ، متجدد وتدميري، وليس فيه خاسر ولا رابح، لذا فإن هذه المدن والقصبات تارة تكون تحت يد السلطة المتهمة بإنها سلطة شيعية، وتارة تكون خارجها، بأيدي قوى تدعي أنها تمثل السنة.
لماذا نقول أن هذا الصراع يبدو في ظاهره صراعاً طائفياً ؟ أليس هو صراع طائفي صريح؟
كلا.. ليس صراعاً طائفياً، ولن يكون، وإلا ما أوهى هذا الصراع الذي يتلاشا عند فوز فريق العراق الكروي، حيث تغص شوارع العراق كله بسنته وشيعته وهم يحتفلون بنصر كروي، هذا المشهد برسم الطائفيين الذين يسبحون عكس التيار، قد يقول قائل ما هذه السذاجة في الإستدلال، العراقيون يحتفلون بإنتصار برشلونه أيضاً، لاحظ أيضاً أن أكثرية العراقيين سنة وشيعة برشلونيين، وهذا يثبت كم هي ساذجة لحد الغباء الطائفية ، وكم مهبول هذا الطائفي وإن نفخ ريشه؟
نحن ممن يعتقد أن الصراع صراع سياسي، تستثمر فيه الطائفية من كلا الجانبين لتحقيق مصالح سياسية فئوية خاصة. مستثمروا هذا الصراع سياسيون نفعيون لا برامج لهم سوى حساباتهم في البنوك، ووقود هذا الصراع العراقيين سنة وشيعة ومن كل الطوائف والأعراق . ليس السنة ولا الشيعة في خطر إنما كراسي الطائفيين في خطر.
في خطر من توحد العراقيين على أهداف محددة تضمن أمنهم وسلامتهم وحريتهم ورقيهم ، وهذا مابدت ملامحه تتضح من خلال التلاحم على جبهات القتال في تكريت، ويُخطيء من يتصور أن الطائفيين سيمكنون الوطنيين من الإحتفال بنصرهم الحقيقي الذي يعني أول ما يعنيه أن عليهم مغادرة الساحة التي إحتكروها منذ الإحتلال، وفسح المجال مرغمين للقوى العراقية الحقيقية الكفيلة ببناء العراق الموّحد.
البعض من العراقيين، حتى ممن شارك في الحشد، يريد دولة خاصة به أقصى حدودها في الشمال سامراء، ولا يعنيه ما يحدث بعد هذا، والبعض الآخر من العراقيين، ليس فقط من هم ضد الحشد الشعبي، وإنما ممن تسلل إلى الحشد، يطمح بإقامة لا إقليم سني، وإنما دولة سنية، وهؤلاء وأولئك يحضون بالمساندة والتأييد من بعض الأخوة الكرد المتنفذين، كما يحضون بدعم وإسناد ظاهر وخفي من قبل المحتل، ومن بعض القوى الإقليمية، ومن وسائل إعلام إعتاشت وتعتاش على الفرقة والتناحر، لأنه من دون إذكاء جذوة هذا التناحر ستبور بضاعتها.
وبغض النظر عن حدوث إندساس أم غيره، فإنه كان من المتوقع أن يقوم بعض الإفراد من الشرطة والحشد، وأبناء المنطقة، وحتى من الجيش بعمليات السرقة، جهلاً أو إنتقاماً أم سوء أدب، وليس هذا بأمر عجب، ولكن أين القيادات من أمر متوقع مثل هذا؟
ليس ثمة حرب في التأريخ كله، بما فيها الحروب الدعوية الدينية ، خلت من أحداث مؤسفة ، وأحياناً مأساوية، وإلا من أين جاءت مفردة الفرهود، والإباحة، والسبي، والأنفال، والمصادرة، فالحرب جنون، وكارثة، على المخلصين تقليل خسائرها، وبالنسبة للعراق، على العراقيين جعلها ميداناً لفولذة الوحدة الوطنية، التي تعمدت بالدم، وهذا ما كان يستلزم العمل على أن لا يحدث أي خرق، يمكن أن يستغل لإعاقة الوحدة المنشودة التي طال إنتظار العراقيين لها.
ليس المطلوب أن يحكم أبناء تكريت مدينتهم بإنفسهم، فهذا أمر كان حاصلاً، وليس هو منة من أحد، ولكن المطلوب اليوم وقبل الغد، إنبثاق جبهة عراقية وطنية، تضم كل الوطنيين العراقيين مبتدئة بالمقاتلين والمقاومين في الميدان، متجاوزة الأطر القومية والمذهبية.
إن المقاتل الشيعي في الميدان هو أقرب إلى أخية المقاتل السني، من ذاك الذي ينتمي معه إلى تحالف طائفي، وكذلك الأمر بالنسبة للمقاتل السني الذي يكون المقاتل الشيعي أقرب له روحاً وقلباً من ذاك المتاجر بمحنته.
لقد أراد أعداؤنا أن يكون الدم بيننا برزخاً لا يمكن عبوره، لكنكم في تكريت والدور والعلم أردتم بإرادتكم الحرة أن يكون دمكم المختلط بشارة توحيد العراقيين، ووحدة العراق، فلا تجعلوا دماءكم وتضحياتكم تذهب هدراً.
ما من طريق أمامنا سوى الطريق الذي عمدتموه في تكريت، لا تجعلوا الشهيدة أمية تموت مرتين ، ولا ضحايا سبايكر يتضاعفون..
No comments:
Post a Comment